سرطان الاستيطان.. مسمّيات “برّاقة” وشياطين في التفاصيل

التصنيفات : |
أغسطس 19, 2021 2:46 م
جميع الحقوق محفوظة لشبكة صمود – 2021

*سلوى ونّوس

إن أكبر حرب يخوضها الشعب الفلسطيني منذ بداية استيطان اليهود لبلاده، هي معارك الثبات والصمود على أرضه. بالنسبة لمن هم خارج فلسطين، يبدو عنوان الاستيطان عنواناً مكررا، إلا أنه بالنسبة لفلسطينيي الداخل فهو معركة يومية لا تنتهي تمسّ عمق الحياة الفلسطينية في أدق تفاصيلها، بسبب خطط الاحتلال التي تهدف إلى تهجيرهم من أرضهم التاريخية وتهويدها. فالأطماع اليهودية لن تتوقف حتى احتلال آخر شبر من فلسطين.

اليوم نقف أمام مخطط صهيوني كبير ومتعدد الصيغ والأشكال لتهجير الفلسطينيين في مناطق مثل وادي الجوز وحي شيخ الجراح وغيرها في القدس الشرقية، يستخدم فيها الاحتلال ومستوطنوه جميع وسائل الترهيب، لإجبار الفلسطينيين على الانصياع لمخططهم، وهو بناء مناطق أمنية مترابطة سمتها الأساسية أنها “يهودية”.

الواقع أن هناك مئات العائلات الفلسطينية معرضة للتهجير من بيوتها وأراضيها وفقدان مصدر رزقها، في وادي الجوز مثلا 200 منشأة تجارية وحرفية وصناعية فلسطينية يخطط الاحتلال إلى الاستيلاء عليها وتصفيتها، بهدف تحويل المنطقة إلى ما يسمى “وادي السيليكون” أو “ماروم” أو “القدس 2050″، وهذه هي الخطة التي مهما اختلفت تسمياتها يبقى الهدف منها واحد وهو طمس معالم المدينة التاريخية.

فإذا أخذنا مثلا مخطط “وادي السيليكون” والاسم المبهر الذي يذكّر بنفس الاسم في ولاية كاليفورنيا وبالضبط في سان فرانسيسكو، والذي يجمع أهم كبريات الشركات التقنية في العالم، الا أن الفرق شاسع بينهما، وهو أن “وادي السيليكون” الصهيوني سيُبنى على أنقاض أرض محتلة، وشعب يستخدم معه الاحتلال “الإرهاب العميق”، فالتجار والصناعيون الفلسطينيون في وادي الجوز، يعيشون رعباً وترهيباً يوميا، وهم ينتظرون في كل لحظة قراراً تعسفيا صهيونياً يخرجهم إلى الأبد من منشآتهم التي تتنوع بين ورشات تصليح سيارات ومطاعم وغيرها.

يخطط الاحتلال لتدمير وادي الجوز عن بكرة أبيه، ليحوله إلى مدينة تستقطب شركات التكنولوجيا، والتي ستدرّ على الاحتلال، وفق مصادر إعلامية غربية، مئات مليارات الدولارات. ويؤكد العديد من أصحاب الورشات والمحلات، أن “بلدية القدس” قد أنذرتهم بأن “قرارات الإخلاء” جاهزة، وهو ما يعني أن مشروع “وادي السيليكيون ” بات وشيك التنفيذ وسط صمت مطبق!!

ويطلق الاحتلال على نفسه، لتجميل وترسيخ استيطانه، اسم “الدولة الناشئة” ويسوّق لنفسه أنه سيكتسح عالم التكنولوجيا والتقنيات، وأنه سيستقطب عشرات الشركات التقنية، ولكن أين؟

على أراضي الفلسطينيين المحتلة منذ 1967، والذين يُقدّر عددهم ب أكثر من 300 ألف فلسطيني. كما يسعى الاحتلال ليس فقط للاستيلاء على هذه الأراضي بل الترويج بأنه سيعوض هؤلاء الحرفيين والمهنيين والتجار بمكاتب أو محلات بدلاً عن تلك الموجودة حالياً بعد بناء مشروعه!!

تاريخ وادي الجوز

اختلفت الروايات التاريخية حول أصل اسم الحي، فالبعض قال إنه سُمي بوادي الجوز لكثرة نمو أشجار الجوز فيه، والبعض الآخر يقول إنه سُمي كذلك لوجود قبر الشيخ محمد بن أبي الجوز.. يقع حي وادي الجوز إلى الشمال من الزاوية الشمالية الشرقية للبلدة القديمة من القدس، يحده من الجهة الشمالية الشرقية جبل المشارف، ومن الجنوب سور البلدة القديمة، ومن الغرب حي الشيخ جراح ومنطقة باب الساهرة وسعد وسعيد، ومن الشرق جبل الزيتون.

وتقول عدة مصادر تاريخية أن عائلة الهدمي انتقلت عام 1870 من البلدة القديمة وبنت منازلا فيه، ومع دخول القرن العشرين، سكنته عدة عائلات أخرى، يُذكر منها: البدرية، شهوان، الهدمي، الدويك، عكرماوي، أبو غزالة، شرافة، حمدون، الدجاني، كمال، العفيفي، قطينة.

ومع مرور الوقت، أصبح الحي، الذي احتُلّ عام 1967، أشبه بمنطقة صناعية فلسطينية فيها عشرات المحلات والورشات والمطاعم ومكاتب أممية ودولية.

تهويد وادي الجوز!

بحسب صحف فلسطينية، فإن لجنة التخطيط والبناء المحلية في بلدية القدس المحتلة، صادقت يوم 2 تشرين الثاني 2020 على ما أسمته بـ “خطة رئيسية” تحت عنوان “تطوير وادي الجوز”، تتضمن هدم 200 منشأة فلسطينية ومصادرة 2000 دونم من الأراضي.

وبحسب عدد من المقدسيين المختصين، يخطط الصهاينة إلى نقل أصحاب المحلات إلى مناطق أُخرى مثل العيسوية وأم طوبا.. وهناك من يقول إن النقل سيتم إلى المناطق الصناعية الإسرائيلية في “عطروت ومشير أدوميم” والهدف تحويل حي وادي الجوز إلى منطقة صناعية وسياحية وتجارية وتقنية، وتوسيع الطرق وبناء أبراج عالية لأهداف تجارية متعددة.

ورغم أن هناك من يؤكد أن مخطط وادي السيليكون ليس سوى “فانتازيا إعلامية صهيونية” لم تقرّها ما تُسمى “اللجنة اللوائية” بعد، فإن هذا المشروع ليس التهديد الوحيد لفلسطينيي القدس، فهناك خطط كثيرة أخرى منها خطة “ماروم” والتي تهدف لإعلان القدس “مدينة عالمية”، وكذلك خطة “القدس 2050″، التي تهدف إلى تحويل القدس إلى ما يسمى بـ”مدينة عالمية، ومركزاً سياحياً وبيئياً وروحياً وثقافياً بارزا” وتهدف إلى جذب 12 مليون سائح (منهم 10 ملايين من الأجانب، ومليوني زائر محلي).

تعددت الأسماء والخطط والهدف هو تهويد القدس وتهجير أهلها!!

إن المشروع الاستيطاني الجديد هو مخطط لتهويد فلسطين كاملة قولا واحدا، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو قال بصريح العبارات: “نحن نؤمن بتحقيق السلام من خلال القوّة. ونؤمن بالتحالفات التي تتشكّل نتيجة قيمة إسرائيل كمركز ثقل تكنولوجي ومالي ودفاعي واستخباراتي”.

هكذا هو الحال، لم ولن يكون السلام وإعادة الأرض المسلوبة الى أصحابها ضمن أجندة قوات الاحتلال، بل إن الفكرة الراسخة في العقل الصهيوني هي السيطرة الكاملة على كل شبر من فلسطين وتهويدها، دون المبالاة بالقرارات الأممية ولا بتاريخ البلاد وحقوق شعبها ولقمة عيشهم وإرثهم.

والقول إن هذا “السلام” لم يعد يعني الإسرائيليين ليس كلاماً اعتباطيا، بل هو مبنيٌّ على واقع تفرضه يومياً قوات الاحتلال والمستوطنين على الفلسطينيين عموماً وأبناء القدس الشرقية خصوصا.

*كاتبة سورية


وسوم :
, , , , ,