الواقع الرّاهن للاجئ فلسطين في سوريا

التصنيفات : |
أغسطس 23, 2021 2:36 م
جميع الحقوق محفوظة لشبكة صمود – 2021

*علي بدوان

كانت أعداد اللاجئين الفلسطينيين ككل، عام النكبة، تُقدّر بنحو 750 ألف مُسَجّل لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) بينما كانت أعدادهم في الواقع تتجاوز الــ 900 ألف لاجىء فلسطيني، حيث لم يتم تسجيل اللاجئين فوق أرضهم داخل مناطق العام 1948، فضلاً عن خمسة آلاف لاجىء فلسطيني تم ترحيلهم إلى العراق عام النكبة، وقد رفض العراق للوكالة القيام بتسجيلهم بحجة أنهم ضيوف على الشعب العراقي.

ارتفعت أعداد لاجئي فلسطين المسجلين في سجلات وكالة الأونروا، وباتت تقارب نحو ستة ملايين لاجىء فلسطيني يقيمون في مناطق عمليات الوكالة الخمسة (سوريا + لبنان + الأردن + الضفة الغربية والقدس الشرقية + قطاع غزة)، وترفض دولة الاحتلال احتساب أبناء اللاجئين وذرياتهم في التعداد العام وفق سجلات الوكالة.

في الداخل والشتات

كما بلغ التعداد العام للشعب العربي الفلسطيني في الداخل والشتات، نحو 13 مليوناً ونيّف، بنهاية سنة 2018، والآن نحو 14 مليون يقيم حوالي 53% منهم على أرض فلسطين التاريخية، ومن بين المقيمين داخل حدود فلسطين التاريخية، يوجد آلاف اللاجئين في غزة والضفة الغربية وضواحي القدس، ونازحون ومُهجّرون داخل الأراضي المحتلة سنة 1948، ومنهم سكان 531 قرية تم إزالتها من الوجود من قبل الاحتلال وعصاباته المسلحة عام النكبة، بالإضافة إلى أكثر من أربعين قرية موجودة، لكن الاحتلال لا يعترف بوجودها، بهدف الإستيلاء على أراضيها (مثلما يحصل في منطقة النقب، جنوب فلسطين).

وتشير المعطيات التي وزعها مكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني في رام الله، أن اللاجئين الفلسطينيين يشكّلون نسبة 42% من عدد سكان المناطق المحتلّة سنة 1967، و 26,2% من سكان الضفة الغربية (أو حوالي 17,5% من العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين) ونحو 65,3% من سكان قطاع غزة (أو ما يعادل 24,5% من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين)، بينما بلغت نسبة اللاجئين الفلسطينيين المسجلين على قيود وكالة الأونروا في الأردن نحو 39,1% من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين، وفي لبنان 8,8%، وفي سوريا 10,6%.

لبنان، اللجوء اللاإنساني

الطّامة الكبرى، أن موجات النزوح للاجىء فلسطين بدأت من لبنان قبل غيره، وعلى الأخص بعد العام 1982، بسببٍ من الأوضاع الصعبة التي يرزح اللاجىء الفلسطيني تحت وطأتها، وخاصة لجهة منعه من العمل بأكثر من 73 مهنة، فضلاً عن فقدانه كامل حقوقه المتعلقة بإقامته المؤقتة والقسرية، ومتاجرة بعض السياسيين والأحزاب بقضيته في مفارقات عجيبة، حيث يدّعي الجميع حرصهم على حق العودة للاجىء الفلسطيني إلى وطنه فلسطين، وفي المقابل يقومون بسن التشريعات التي تجعل من إقامة اللاجىء الفلسطيني صعبة، وهو ما يدفعه للهجرة بعيداً عن أرض وطنه فلسطين. والمعلومات تشير بهذا الصدد أن أكثر من 65% من لاجئي فلسطين في لبنان، باتوا منذ سنوات طويلة في المهاجر البعيدة في كندا وأستراليا والدول الاسكندنافية … والحبل على الجرّار.

سوريا.. من تغريبة إلى أخرى

أما بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في سوريا، والذين كانت أعدادهم تقارب الــ 540 ألف لاجىء فلسطيني  )هؤلاء المسجلين بالأونروا، هناك 150 ألف غير مسجلين قبل اندلاع الأزمة السورية بدايات العام 2011، فإن أعدادهم الآن باتت تُقدّر بنحو 438 ألف لاجىء فلسطيني بحسب الوكالة وفي أحسن الأحوال، فقد غادر البلد نصفهم تقريباً في تغريبة جديدة إلى ديار الله الواسعة، قد تكون نهائية بعدما دُمرت تجمعاتهم ومخيماتهم، وفقدوا مصادر رزقهم، وخاصة في مخيم اليرموك الذي كان يضم نصف أعدادهم تقريباً وقد لحق الدمار بمعظم مبانيه ومرافقه ومنشآت وكالة الأونروا.

إن مأساة فلسطينيي سوريا، تطفو الآن على السطح، وكل المؤشرات تفيد بأن أوضاعهم تتفاقم كل يوم، ولم يعد بمقدور الكثيرين منهم البقاء تحت رحمة الغلاء، وفقدان الدور والمنازل، والتراجع العام في خدمات الوكالة على ضوء السعي الأمريكي لتجفيف مواردها وتفكيكها.

لجوء كثير المرارات

لقد عاش الفلسطينيون وما زالوا، وخصوصاً اللاجئين منهم من حاملي ما يُعرف بـ “وثيقة السفر”، في دياسبورا المنافي الشتات، حياة مليئة بالظلم المُدقع والإجحاف المؤلم في دنيا العرب والعروبة، كما هو حال فلسطينيي لبنان على سبيل المثال. وتجرّعوا خلالها مرارة ما بعدها مرارة، وتمرّغوا في وحول أزمات فُرضت عليهم، ومعادلات تاجرت بهم، وبقضيتهم، وتعطلت بهم السبل، فتعشّق الظلم داخل مكنوناتهم، وجعلهم يَتضامنون تلقائياً مع من وقع عليه ظلم الأخرين، ليصبحوا بذلك مقاتلين أشداء من أجل نُصرة المظلوم، وحرية الإنسان وكرامته، فبنوا فلسفة تقول بضرورة الحفاظ على الأوطان مهما كلّف الثمن.

إن الإحساس بالظلم والإجحاف أمر مغروس في نفوس لاجئي الشعب الفلسطيني وحاملي ما يسمى بالوثيقة، الذين كانوا وما زالوا في أوقات كثيرة ضحايا الترحيل والنوم في قاعات الشحن والترانزيت في المطارات العربية. لكن هذا الإحساس لم ولن يتماهى لدرجة بروز روح الإنتقام، بل ترافق معه صبر كبير، وحلم عالٍ في سياق العمل من أجل وطنهم فلسطين، والحفاظ على بوصلتهم نحوها مهما تعاظمت التحديات وتعددت الإلتواءات والمصاعب وتعقدت السُبل.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , ,