“الأونروا” لا تُعيل الأرامل الفلسطينيات لأزواج سوريين
سبتمبر 13, 2021 7:37 مصمود – دمشق
“لديّ أربعة أولاد، وأنا أرملة، و(الأونروا) تمنحني 140 ألف ليرة سورية (46 دولارا) كل أربعة أشهر في أحسن الأحوال، ولا تعترف بأولادي ولا تمنحهم أيّة مساعدات كونهم سوريين، على الرغم من أنّي المُعيلة الوحيدة لهم، لأن زوجي المُتوفى سوري”.
بهذه الكلمات اختصرت الأرملة الفلسطينية خلود قصة معاناتها ومئات الأرامل الفلسطينيات لأزواج سوريين، في ظلّ التّضخّم الكبير الحاصل في تكاليف المعيشة في سورية.
وتكرّرت جملة (الأونروا تسرق المساعدات) عشرات المرات على لسان الأرامل الفلسطينيات اللاتي التقيناهن، خلال وصف ظروفهنّ المعيشية الصعبة، في ظل الأوضاع الحالية التي تعيشها سورية بفعل تداعيات الحرب التي استمرت لأكثر من عقد من الزمن، ولا تزال تداعياتها تتفتّح كل يوم عن وجع جديد.
ويُعتبر مبلغ الـ140 ألف ليرة سورية أعلى دفعة يستلّمها مستحقّو المساعدة من الأونروا، بعد رفع المركزي السوري سعر صرف الدولار للحوالات إلى 2560 ليرة سورية، بينما بلغت الدفعة السابقة 90 ألف ليرة سورية (30 دولارا) للأشهر الأربعة السابقة، على الرغم من أن قرار رفع سعر صرف الحوالات كان قد دخل حيّز التنفيذ، غير أن الاونروا قالت وقتها أنّها نظّمت جداول المبالغ واستلمتها قبل القرار، وفقاً للمستحقين.
لا يستحقّون
وتمنح (الأونروا) تلك المبالغ للأفراد الأشد عوزاً أو ما يُسمّى بالفئات الضعيفة من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والنساء بشكل عام، بينما تمنح مبالغ أقل للفئات الأخرى، غير أنّ تلك المبالغ تُمنح لكل فرد في الأُسر الفلسطينية، في الوقت الذي تتقاضاها الأرامل من أزواج سوريين عنهنّ فقط، كون أطفالهنّ يحملون الجنسية السورية ولا يُعتبرون ضمن الفئات المستحِقّة في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وفي ظلّ المبالغ الضئيلة التي تتسلمها الأرامل، وعدم جدواها في تأمين أبسط جزء من متطلبات الحياة الكريمة، حيث لا تزيد تلك المبالغ عن 35 ألف ليرة سورية شهريا، وهو ما لا يكفي ثمن كيلو غرام ونصف من اللحم تقريبا، تُحرم شريحة واسعة من هؤلاء الأطفال من التعليم في مدارس الأونروا وهو الأمر الذي كان متاحاً في وقت سابق، ولا يزال متاحاً وفقاً للبعض بحسب (الواسطة).
كما يُحرم أبناء الفلسطينيات من العلاج في المستوصفات الخاصة بالأونروا أُسوة بالفلسطينيين، كما يُحرمون من السلة الغذائية البسيطة التي تُوزّع على الفلسطينيين كل أربعة أشهر أيضا.
وطالبت الأرامل الفلسطينيات الأونروا وغيرها من المنظمات المعنية بشمول أطفالهنّ بالمساعدات، كونهنّ المعيلات الوحيدات لهم، ولا يوجد لديهنّ أيّ مصدر دخل آخر، واللواتي أشرن إلى أنهنّ يعشن في ظروف غير إنسانية، ويضطررن لدفع إيجارات السكن بعد تدمير مساكنهنّ الأصلية.
وتبقى البيانات الرسمية عن عدد الأرامل الفلسطينيات لأزواج سوريين غائبة وغير واضحة، بسبب عدم وجود ربط في البيانات بهذا الخصوص، وإحجام فلسطينيات عن تعديل وضعهنّ الاجتماعي خوفاً من أيّ تغيير في المستحقات، بذريعة وجود مُعيل وهو الأمر الذي لم تنفّذه الأونروا حتى اليوم.
الأرامل تزداد والتّمويل ينحسر
غير أن المصادر تؤكد بشكل غير رسمي، زيادة أعداد الأرامل الفلسطينيات بصورة كبيرة بسبب ما خلّفته الحرب من آثار وطرق الموت المختلفة، وانخراط فلسطينيين في النزاع، ومقتل العديد من الرجال في المعارك، أو بفعل القذائف والتفجيرات الإرهابية المتعددة التي استمرت لسنوات.
وفي ظلّ هذا الواقع، كانت الأونروا قد أكدت على عدم قدرتها تقديم المزيد من الدعم، لعدم وجود التّمويل الكافي بعد انسحاب الولايات المتحدة من تمويل المنظمة، حيث أشارت العام الماضي إلى حاجتها لأكثر من 270 مليون دولار للتمكن من الإيفاء بالمساعدات التي تقدمها.
وتُقدِّر الأونروا أعداد الفلسطينيين في سوريا بنحو 643 ألف فلسطيني، غير أن تلك الإحصاءات تُعتبر غير دقيقة بفعل ما أفرزته الحرب، ومقتل العديد من الفلسطينيين، وسفر بعضهم، فالأعداد التي انتقلت للعيش في لبنان والأردن وحدها كفيلة بتخفيض هذا الرقم عشرات الآلاف، ووجود العديد من الفلسطينيين في مناطق نفوذ الفصائل الإرهابية مثل جبهة النصرة.
خرج ولم يعُد!
وقالت خلود، الأرملة الفلسطينية التي تعيل أربعة أولاد، أنّها كانت تعيش حياة مستقرة برفقة زوجها السوري، حتى خرج في أحد الأيام ولم يعد، وحتى علمت من أحد أخوته، أنّه لقي حتفه.
وأضافت، أنّها كانت حاملاً بابنتها الصغرى في وقتها، والتي تبلع اليوم ست سنوات، وأنّ أسرة زوجها لم تُعرها وأولادها أيّ اهتمام، بل قامت ببيع المنزل واستخدام ثمنه في الهجرة إلى ألمانيا من دون إبلاغها، وبقيت وحدها برفقة أربعة أطفال بينهم طفلة رضيعة، في ظلّ ظروف معيشية صعبة خصوصاً أنّها لم تتمكن من العمل لوجود ابنتها الرضيعة وحالتها الصحية غير المستقرة.
“بحثتُ كثيراً عن عمل، حتى وجدت واحداً منذ أشهر براتب زهيد، وأضطّر لترك أولادي وحدهم منذ التاسعة صباحاً حتى السابعة مساءا، خصوصاً ابنتي الصغرى التي تعاني نقصاً في الأوكسجين على الدماغ، ومن حالات إغماء متكررة”.
وأشارت خلود إلى أنّها تعالج ابنتها وفقاً لما تيسّر لديها من مبالغ مالية في المشافي الحكومية، التي تعامل الفلسطينيين أُسوة بالسوريين في المشافي الحكومية، من حيث الرسوم البسيطة نسبيا، للاستشفاء.
يعملن في السر ويتعلّمن في العلن
وتشير الإحصاءات المتقاطعة للأونروا وغيرها من المنظمات، إلى أنّ 70% من النسوة الفلسطينيات يعملن في وظائف دائمة، خصوصا أنّها وظائف حكومية، غير أنّهنّ لا يُفصحن عن عملهن للإبقاء على مبالغ المساعدة بوصفهن من الأشد عوزا، وكونهن من الفتيات خصوصاً فوق الـ30 عاما، كما أنّ نسبة واسعة منهن حاصلات على درجات تعليمية جيدة بفعل الحرية الكبيرة والمساواة التي تتمتع بها المرأة بشكل عام في التعليم والوظائف في سوريا، ومن ضمنهن.. الفلسطينيات.
وقالت حنان، وهي سيدة فلسطينية، أنّها تعيش وأختها في دمشق، وتتقاضى وأختها مبالغ المساعدة والسلل الغذائية من الأونروا، ويُسمح لهنّ بالعلاج في المستوصفات الخاصة بالمنظمة، غير أنّ تلك المبالغ لا تفي سبل المعيشة، وبينما تعمل هي في إحدى البنوك تبقى أختها عاطلة عن العمل منذ فترة، والمبالغ المقدَّمة لا تكفي رسوم المواصلات وحدها.
أمّا أم أحمد، وضعها أفضل حالا، فعلى الرغم من كونها أرملة ولديها ثلاثة أطفال، غير أنّها تعيش في منزل والدها، وتتقاضى مبالغ مالية عن والديها وأخويها، وكذلك سلة المساعدات، ولا يتقاضى أولادها أيّة مبالغ.
وأشارت أم أحمد، إلى أنّ عائلتها تمنحها كامل مبلغ الأونروا لأفراد أسرتها الخمسة، ولا تطالبها بحصتها منذ وفاة زوجها السوري، كمشارَكة منها في دعم الأسرة، وكون أهلها وأخوتها من الميسورين مادياً ولديهم مشاريعهم الخاصة وليسوا بحاجة لمبالغ الدعم. ولا يقلّ إيجار الغرفة الواحدة في الأحياء الشعبية في العاصمة دمشق عن 100 ألف ليرة سورية للشهر الواحد، فضلاً عن التّضخّم الكبير في الأسعار، وهبوط القيمة الشرائية لليرة السورية، والتي تؤثّر على المجتمع السوري كاملاً، ومن ضمنه الفلسطينيون المقيمون في سوريا.
وسوم :
الأنروا, اللاجئون الفلسطينيون, سورية, صمود, فلسطين