تشريح إتفاق الإطار غير المتوازن بين “الأونروا” وواشنطن
أكتوبر 13, 2021 12:35 م*علي بدوان
في العام 2017، قامت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ولأول مرة في تاريخ الوكالة، بتجميد المساعدات المالية الأمريكية السنوية المُقدّمة لـ”الأونروا”، والبالغة نحو 350 مليون دولار، والإبقاء على 60 مليون دولار فقط.
وكان التجميد أو الإيقاف في سياق الجهود التي تبذلها واشنطن منذ سنوات طويلة لإنهاء عمل الوكالة، وإحالتها إلى التقاعد، وتوكيل مهامها للدول المُضيفة للاجئين (السلطة الفلسطينية والأردن ولبنان وسوريا)، وذلك في مسعى التخلّص من قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبشكل كامل في مسار التسوية المأزومة، والغارقة أصلاً في سُباتٍ عميق.
وقامت واشنطن، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بتحريض المجتمع الدولي عليها، ودعت إلى توطين اللاجئين كبديل عن حقهم بالعودة، ثم لجأت لإبرام مُذكرات تفاهم مع “الأونروا” على مدار السنوات الماضية في إطار وضع مفاهيم تتوافق مع الرؤية السياسية للإدارة الأمريكية.
لكن، الخطوة المُهمة التي اتّخذتها الإدارة الجديدة مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن كانت في إعادة تفعيل المساهمة المالية لواشنطن في الميزانية السنوية العامة للوكالة، وبالتالي كسر قرار الرئيس السابق دونالد ترامب وفريقه الصهيوني برئاسة صهره جاريد كوشنر. والخطوة إياها كانت مُهمة بلا شك، فتمّ إعادة تفعيل الكثير من الخدمات التي تقدّمها الوكالة للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، وخاصة مع انتشار وباء “كورونا”، وأزمات قطاع غزة مع جولات العدوان “الإسرائيلي” من حينٍ لآخر، وأوضاع فلسطينيّي سوريا المُتردية في قلب المحنة السورية.
الوكالة التي تأسست بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 302 الصادر في 8 كانون الثاني/يناير1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين حتى تنفيذ قرار عودتهم الرقم 194 الى أرض وطنهم التاريخي، وبدأت مهام عملها في أيار/مايو 1950. وبالتالي تمّ الربط بين إنهاء عمل الوكالة إلى حين عودة اللاجئين وفق القرار 194.
من هنا تكتسب عملية استمرار عمل الوكالة أهمية قصوى باعتبارها محكومة للقرار الدولي، ولا يُمكن حلّها أو إحالتها إلى التقاعد دون تنفيذ قرار حق العودة 194 إلى أرض الوطن التاريخي.
ويتم التجديد كل 3 سنوات لعمل الوكالة، تلقائياً ما دام هناك غياب لحلّ قضية اللاجئين حتى الآن، فالوكالة شاهد تاريخي، وقانوني، وأممي، على نكبة فلسطين، يجب أن تستمر بعملها، وهي مستمرة. ويجب على الدول المانحة، وبضغط عربي مُؤثر، أن تمدّ الوكالة بالمزيد من الدعم المالي لميزانيتها السنوية العامة، فضلاً عن التبرعات العينيّة.
إنّ الوكالة تمتلك 3 موازنات منفصلة بحاجة لتعزيز دائم:
أوّلها، الموازنة العادية التي تتركز أوجه نفقاتها على البرامج الرئيسة التي تنفّذها “الأونروا” وهي: التعليم، الصحة والخدمات الاجتماعية، إضافة إلى المصاريف الإدارية.
ثانيها، موازنة المشاريع التي تعتمد على إعداد مشاريع تنموية من قبل دائرة المشاريع في “الأونروا” والحصول على تمويل لها من قبل المانحين.
وثالثها، موازنة الطوارئ، والتي يتم التحشيد لها عبر المساعدات بإطلاق مناشدات دولية عاجلة لدعم جهود الإغاثة وإعادة بناء المناطق المتضررة من هجمات الاحتلال أو المناطق التي تدهورت أوضاعها الإنسانية للحد من الكوارث، وتعزيز الأمن الغذائي، أيّ “نداءات الطوارىء”.
ومن أجل خلق بيئة نجاح لـ”الأونروا” في تأدية مهامها الإنسانية المُكلّفة بها، تمّ إنشاء اللجنة الإستشارية، لتقديم النُصح ومساعدة المفوّض العام في تنفيذ مهام ولاية الوكالة. وعند تأسيسها، كانت اللجنة مؤلفة من 5 أعضاء، وهي اليوم تضم في عضويتها 25 عضواً و3 أعضاء مراقبين.
وفي هذا المجال، علينا أن نرى ونُدقق بالإتفاق المُسمّى بــ”إتفاق الإطار” بين واشنطن والوكالة، والمُعلن عنه مؤخرا، كي لا يأخذنا “الغثّ من الثمين” في ظلّ سياسات وإجراءات داخلية وخارجية خطرة تقوم بها “الأونروا” والقائمين عليها، من حيث تدري أو لا تدري، ومن الممكن أن تؤدي إلى تبدّل في مهمة الوكالة واختصاصاتها.
فقبول المفوض العام فيليب لازاريني بالتوقيع على “إطار التعاون” مع واشنطن وفق النصوص المنشورة للإتفاق إياه، سيجعل “الأونروا” تحت المراقبة الأمريكية الدائمة، وسيؤثر هذا الإتفاق على الإختصاص الإنساني لها المُتمثل في إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وستصبح مَهمتها البحث عن “الإرهابيين” في صفوف موظفيها والمستفيدين من خدماتها من اللاجئين الفلسطينيين، كما تطالب الولايات المتحدة، لذا تحفّظت عليه جميع الأطر والهيئات والفصائل الفلسطينية.
فالإجراءات المُستجدّة التي ستترتب على توقيع هذا الإتفاق، ستحوّل “المنظمة الأممية الإنسانية” إلى “وكيل أمني” لصالح واشنطن و”تل أبيب”، وستجعل منها صاحبة دور وأهداف سياسية مُنحازة، في انتهاك واضح للمبادئ الإنسانية الأربعة التي تحكم عملها، وهي (الإنسانية، النزاهة، الحيادية والإستقلالية).
من جانبٍ آخر، نصّ الإتفاق في مقدمته على أنّ “هذه الوثيقة أي “إتفاق الإطار” بأكملها، بما في ذلك المُرفق المُلحق بها، تُشكّل التزامات سياساته من جانب “الأونروا” وواشنطن، ولا يُشكّل هذا الإطار إتفاقاً دوليا، ولا يترتب عليه أية التزامات مُلزمة قانوناً بين الطرفين بموجب أيّ من القوانين الدولية أو المحلية”.
وبناءً على ذلك، فإنّ إلغاء هذا الإتفاق أو عدم الإلتزام به يُعطي الحق لواشنطن بالإمتناع عن تقديم تبرعاتها المالية لـ”الأونروا”، وهنا مكمَن الخطر الثاني.
والمكمَن الثالث في الإتفاق ومخاطره، أنّ واشنطن تُقدّم مساعدتها للوكالة في نطاق نص المادة 301/ج من القانون الأمريكي للمساعدات الخارجية لعام 1961، والتي نصّت على أنّه: “لا يجوز تقديم تبرعات من الولايات المتحدة إلى “الأونروا” إلا بشرط اتخاذ التدابير المُمكنة لضمان عدم استخدام أي جزء من المساهمة الأمريكية لتقديم المساعدة إلى أيّ لاجئ يتلقى تدريباً عسكريا”. بينما لم يتم الإشارة للاحتلال “الإسرائيلي” ولو بكلمة واحدة.
إضافة لاشتراطات عدة إضافية، وضعها الطرف الأمريكي على الوكالة، منها إلزام الوكالة بعقد اجتماعات دورية مع الخارجية الأمريكية، لمناقشة ما يتعلق بنص المادة 301/ج من القانون الأمريكي للمساعدات الخارجية لعام 1961. والتزام الوكالة بإبلاغ واشنطن بأية انتهاكات وفقاً لمتطلبات إطار الحياد الخاص بها للوكالة!، والمراجعة الدائمة للمنهج التعليمي لتلامذة مدارس “الأونروا”.
وبالإستخلاصات النهائية، شكّلت إتفاقية الإطار مساساً خطيراً بحيادية دور “الأونروا”، تحت مُبرر مكافحة الإرهاب. فمكافحة الإرهاب ليس من اختصاص الوكالة التي ليست سوى مُنظمة دولية إغاثية، وبالتالي فإنّ قبول المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني بالتوقيع على إتفاقية الإطار مع واشنطن بما اشتملت عليه من التزامات أمنية، يُشكّل خروجاً على قواعد “الأونروا” ذاتها، التي ظلّت عبر سنوات عملها السابقة.. مُحافظة عليها.
كما وتضمنّت إتفاقية الإطار قيام “الأونروا” بالعمل لصالح واشنطن في منع اللاجئين الفلسطينيين (موظفين ومستفيدين) من التعبير عن آرائهم السياسية، وهذا يُخالف حرية التعبير. كما منع إتفاق الإطار المستفيدين والموظفين في “الأونروا” من القيام بأيّ دور يخدم قضية التحرر الوطني الذي هو حق جماعي مكفول بموجب ميثاق الأمم المتحدة وإعلان منح الإستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1960.
وعليه، إنّ إتفاق الإطار بين الوكالة وواشنطن.. ظالم، ولا يستوي مع روح الوكالة وقرار قيامها بمهامها تجاه المجتمع الفلسطيني اللاجىء، والربط بينه وبين قرار حق العودة 194.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
إتفاق الإطار, الأونروا, الاحتلال الصهيوني, اللاجئون الفلسطينيون, جاريد كوشنر, جو بايدن, علي بدوان, فلسطين, واشنطن