كسر حاجز الخوف بين اللبناني والفلسطيني: الطريق مُعبَّد بالأوهام!

*وسام عبد الله

أكثر ما نحتاج إليه في لبنان لتعزيز الحوار هو ثقافة السير والتنقل بين المناطق بما يوزاي جلسات النقاش، حتى ندرك وَهم خطوط التماس والصورة المُسبقة عن الآخر.

قد لا نحتاج إلى عقيدة إنّما يكفي دورة إقتصادية متنوعة ومسرح وموسيقى وعلاقات إجتماعية، لنتقدّم خطوة في تشخيص جوهر المشكلة وطرق التعبير عنها، وتغييرها من الداخل والخارج.

شيحا وعامل

كتب ميشال شيحا عام 1953، وهو أحد دُعاة فكرة “الأمة اللبنانية”، أو كما يصفه المفكر مهدي عامل، أنّه أهم منظّري البرجوازية اللبنانية: “عدونا الدائم هو القلق مهما كان شكل ظهوره أو مصدره، عدونا هو الخوف”.

تُلخّص هذه العبارة جزءاً أساسياً من العلاقة التي تحكم فئة من اللبنانيين مع الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، نظرة مبنيّة على الخوف من الآخر. إنّه قلق جماعة معينة على وجودها، الذي تُعبّر عنه بأشكال مختلفة.

خوفٌ أصبح مبنيّاً على مجموعة من الرموز التي يتم استحضارها لتبرير سلوك معين، كما حدث بين مناصري القوات اللبنانية والحزب الشيوعي في ذكرى انفجار مرفأ بيروت 2021 من خلال اعتداء القواتيين على الشيوعيين، ليكون أحد التبريرات هو ارتداؤهم الكوفيّة الفلسطينية، فأصبحت الكوفيّة لباس يحمل دلالة الثورة لجهة سياسية محددة.

وبرأيهم، هي رمز يجب إلغاء حامله كونه مرتبط بقسم من الذاكرة الجماعيّة لمرحلة الحرب الأهليّة اللبنانية 1975.

نحن أمام صناعة صورة عن الآخر، عامودها الفقري حالياً هو مرحلة الحرب، كون الجهات السياسية بعد إعلان إتفاق الطائف عام 1990، لم تُتّخذ خطوات عملية، بشكل تدريجي وعلى المدى الطويل، لإعادة تصويب وتصحيح النظرة المتبادلة بين اللبناني والفلسطيني.

وقد اقتصر الأمر على المستوى الأول، أي العلاقات السياسية دون الدخول في العمق، وإن كان يُفهم أنّه بعد الحرب مباشرة من الصعب على أطراف النزاع الجلوس مقابل بعضهما البعض بهدوء.

لكن بعد عقود، أصبح من الواجب التوجه نحو ذلك. لذا، كان تفادي هذه الخطوة، عمداً أم بدون قصد، ترك الساحة للعائلات والأحزاب لتقديم روايتها عن الحرب، وتوريثها للأجيال، للإستمرار والبناء عليها في مواقفهم المضادة.

صورة الآخر

أدوات بناء صورة الآخر عديدة، تبدأ من الفرد من خلال التناقل الشفوي للأحداث دون توفير أيّ مصدر ومرجع تاريخي لها، من خلال توصيف مناطق معينة وأشخاص بصفات لها طابع “التقديس”، مما لا يسمح المسّ بها ونقدها.

فالأرشيف الشفوي يرتبط بحالة الفرد الناقل والمتلقّي، وفي كيفية صياغة العبارات والهدف منها. فلو وضعنا نموذجين لعائلتين عايشتا الحرب، الأولى اختارت إكمال الرواية العسكرية و”أساطيرها”، والثانية قررت إحداث قطيعة وإبعاد أولادها عن منطق الحرب، فنحن لا نكون أمام قراءة للماضي بقدر ما نكون تحت تأثير مباشر حول كيفية تعاطي الأبناء مع مجتمعهم.

كتاب موحّد

هذا الأرشيف هو أداة ضرورية للتعبئة والحشد الشعبوي، من هنا ندرك أهمية تنقية ما يتم نقله. حينها يمكن المساهمة في حماية الشباب من الإنجذاب مباشرة إلى تلك الشعارات، ويُعطي تفسيراً عن سبب غياب كتاب تاريخ موحّد في المدارس. إذ تمّ نقل الأرشيف، من مستوى البيوتات السياسية إلى التعليم بحسب كل مدرسة وانحيازها، وبمجرد دخوله في صفحات الكتاب، أصبح مُلزَماً ومعترفاً به “علمياً” بالنسبة للطالب.

دور الإعلام

يبرز أيضا دور التغطيّات الإعلاميّة كأداة للخطاب العنصري، من خلال الأحكام والمصطلحات المستخدمة، وعدم الإضاءة على الجوانب الإيجابية، إنّما الإكتفاء بأخبار الجرائم وهاجس العدد والتكلفة الإقتصادية. ليتم كتابة التقارير عن موضوع معين، بدل تقديمه بدافع الأنسنة، فيُصار إلى توجيهه بدافع التمييز والأهداف السياسية للمحطات.   

“القنبلة الموقوتة” التي تحكم هذه العلاقة هي البعد الديني، بين اليمين المسيحي اللبناني الرافض للآخر، ومن يرى أنّ بعض الجهات الإسلامية في لبنان استغلت الوجود الفلسطيني كونهم من المذهب نفسه، فخطورة تكريس هذه النظرة، دون دخولنا في نقدها، تنزع عن فلسطين كافة أبعادها الوجودية، واختزالها بالبعد الديني فقط، لتُضاف إلى المسار الحالي بما يتمّ الترويج له من حوار الأديان الإبراهيمية، لتنحصر القضية في صراع إسلامي – يهودي يمكن حلّه عبر “حوار الأديان”، وبهذا يتكامل التطبيع بالغطاء الديني عربياً مع الطبقية الطائفية اللبنانية.

الدين وحده لا يكفي

والمسألة الدينية هنا، ليست إلا مبرراً لأهداف سياسية، كون المشاعر الطائفية هي الأكثر هشاشة وسرعة في الإشتعال حين تدعو الحاجة للحرب وتبريراً للإستسلام تحت شعار السلام والأخوّة الإنسانية.

يبقى الموقف من الاحتلال الإسرائيلي هو الجوهر، فالمشكلة ليست بالفلسطيني، كما صوّرها حزب “الكتائب اللبناني” في سبعينيات القرن الماضي، من أنّ “القضية الفلسطينية هي التي حرمت المنطقة هناءها، وعرقلت مسيرة شعوبها وأخّرت نهضتها..”، إنّما الرغبة التوسعية المتوحشة لدى الكيان وداعميه.

وتقديم الفلسطيني على أنهّ جاء بهدف “احتلال” لبنان والسيطرة عليه، عن طريق استغلال مواقف سياسية فلسطينية مُعينة، هي لاستكمال أيديولوجيا الخوف.

فكسر حاجز التباعد بين الشباب اللبناني والشباب الفلسطيني يحتاج إلى تحديد الفئة المستهدفة من الشباب التي تتقلّب مزاجيّا، بحسب البيئة والأجواء السياسية، والتي تُشكل غالباً السواد الأعظم، هناك من يرفض الآخر حتى من أبناء وطنه، وهناك جزء لا يعلم، كون ما تمّ نقله إليه هو ما يعرفه فقط. ونجد من الضروري هنا، تنفيذ مشاريع مبنيّة على دراسات نفسية وإجتماعية للمساهمة في حلّ المشكلة وليس الإكتفاء باللقاءات على المستويات السياسية بين القيادات. 

*كاتب لبناني