مدخل إلى عاصمة الشتات: “اليـــرمــوك”

التصنيفات : |
أكتوبر 20, 2021 11:22 ص

*علي بدوان

مُخيّم اليرموك، بقعة جغرافية كبيرة نسبيا، يتبع إدارياً لمدينة دمشق، حيث يُلاصقها من جهة الجنوب، عبر حيّي الميدان والزاهرة. فيما تحيط به من باقي الجهات والجوانب أحياء سورية مكتظة، غالبيتها أحياء شعبية، منها أحياء عشوائية، لكنّها رسمية قامت على أراضٍ زراعية (طابو زراعي) تابعة لمناطق من غوطة دمشق الشرقية، ومنها أحياء (مخالفات)، ومنها ما يُسمى بأحياء (الطَبَب) التي أُقيمت فوقها منشآت سكنية متواضعة دون شرائها أراضيها باعتبارها أملاكاً عامة (وهذا الفارق بين أحياء الطَبَب عن غيرها).

عشوائيات

فالأحياء السكانية السورية (الأحياء الشعبية أو ما بات يُعرف بالعشوائيات) التي تحيط بمُخيّم اليرموك، التي كانت أحياءًا مُلتهبة في سياق الأزمة الداخلية السورية، حيث تُحيط بمخيم اليرموك من كافة الجهات تقريباً عدا الشمال منه المفتوح على حيّي الزاهرة والميدان.

فإلى الشرق من مُخيّم اليرموك، وعلى امتداد نحو كيلومترين طولا، يتجاور مُخيّم اليرموك مع حيّ التضامن عبر شارع فلسطين، وصولاً للجنوب الشرقي من اليرموك حيث تقع بلدة (يلدا) التي تتجاور في تلك المنطقة مع المُخيّم، وصولاً إلى الجنوب من اليرموك حيث تقع أحياء الحجر الأسود، والجزيرة. أما غربيّ اليرموك فتحدّه بساتين منطقة القدم والجورة والعسالي والأعلاف التي يفصلها عن اليرموك أوتوستراد شارع الثلاثين.

إنّ تداخل مُخيّم اليرموك مع جيرانه، ليس تداخلاً جغرافياً فقط، بل هو تداخل إنساني بالدرجة الأولى، بين شعبين مُلتصقين، وقد أدّى وظائفه في ولادة (سوسيولوجيا) إجتماعية واحدة.

بروليتاريا رثّة

إنّ منبت تلك السوسيولوجيا، أنَّها قاربت أيضاً من الزاوية الطبقية الوضع “الطبقي والإجتماعي” بين حال الفلسطيني اللاجىء قسراً من أرض وطنه فلسطين، وقد خرج من فلسطين، وبين حال سكان تلك العشوائيات الذين كانوا إجمالاً من مَنابت طبقية فقيرة ومتواضعة (وبعضها من مَنابت مسحوقة) ومن فقراء الأرياف والمُحافظات البعيدة، ومن ومهمّشي المدن (الذين كان الماركسيون العرب يُطلِقون عليهم في أدبياتهم مسمى “البروليتاريا الرّثة”)، ومن طالبي العمل والمُياومة (العمل بالأجر اليومي) في سوق الرزق في المعامل والمُنشآت والبُنى التحتيّة في العاصمة دمشق ومُحيطها.

إنّ تلك الحالة الإجتماعية السوسيولوجية للعشوائيّات المحيطة بمُخيّم اليرموك، ومنها حيّ التضامن على وجه الخصوص، دَفعت قِطاعات من سكّان تلك المنطقة للبحث عن الوظيفة الحكوميّة حتى المتدنيّة في سُلم “الراتب والرتبة الوظيفية”، ونمَا معها ثقافة “ضارة” عنوانها “ترك الأرض الزراعية والبحث عن الوظيفة”. وقد دفعت تلك الثقافة الأعداد المُتزايدة من سكّان الأرياف في المناطق البعيدة من مختلف المحافظات للقدوم إلى دمشق والإقامة في تلك العشوائيات. وقد تكون سنوات الجفاف التي مرّت على المنطقة الشرقية في سوريا قد أسهمت في تأجيج وتشجيع تلك الهُجرات الداخليّة، إضافة للتقاعس العام في تنمية الريف من قبل الجهات المعنية وإهمال أهمية توزيع المؤسسات الإنتاجية، وحتى الوزارات، على كامل بقعة الأرض السورية.

ومن بين تلك العشوائيّات المُحيطة بمخيم اليرموك، وغيرها البعيدة عنه والمُوزعة في عموم مناطق دمشق وباقي المحافظات، إزدهرت حالات التذمّر الإجتماعي، واحتقنت معها روح التمرّد والتي باتت بعد حين تحمل مضموناً سياسيا، بالرغم من توفر الخدمات الأساسية لتلك العشوائيات، وخاصة في المجال المُتعلق بالصحة والتربية والتعليم وانتشار المدارس فيها وباقي المرافق الخدميّة.

الزواج المختلط

ومن المهم، الإشارة إلى أنّ المناطق المُحيطة باليَرموك تضمّ بين ثناياها خليطاً من عموم أبناء الشعب السوري، من كل المحافظات، وحتى من كل الطوائف، وهو أمر أوجد حالة غنية من الإلفة والتفاعل بين الجميع، وساعد في حال الإنصهار الوطني، وقد ساعد على هذا الأمر أيضاً الحالة الوطنية الفلسطينية التي كانت وما زالت على الدوام حالة جامعة لا تقبل بمنطق الطوائف، بل تذمّ وتلعن أصحابها. بل إنّ الزيجات المُختلطة تُميّز الحالة الفلسطينية في سوريا، فهناك المئات من الشبان أو الشابات الفلسطينيات ممن اقترنوا بسوريات أو سوريين من كافة الطوائف والمِلل.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , ,