الفصيلان التوأم: “الصاعقة” و”جبهة التحرير العربية” (3)
نوفمبر 3, 2021 11:29 ص*علي بدوان
تعود جذور الوجود الفلسطيني في حزب البعث العربي الإشتراكي إلى السنوات الأولى التي تلت نكبة فلسطين، وهي الفترة الزمنية الصعبة التي وَجد فيها الفلسطينيون أنفسهم داخل بوتقة الأحزاب القومية العربية، أملاً في النهوض بالحالة العربية وفتح الطريق لتحرير فلسطين، فانضووا في صفوف عموم الأحزاب القومية في العالم العربي وعلى رأسها حزب البعث العربي الإشتراكي، حتى غدا التنظيم الفلسطيني لحزب البعث من أكبر وأوسع تنظيمات حزب البعث القومية بعد حزبي البعث.. السوري والعراقي، حيث لعبت الشخصيات الفلسطينية المعروفة سابقاً دوراً كبيراً في انطلاق الحزب في الضفة الغربية وقطاع غزة في الخمسينيات من القرن الماضي.
إضافة إلى البناء الحزبي في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في كلِّ من: الأردن، لبنان وسوريا، وذلك على يدّ بعض القيادات الفلسطينية التاريخية في صفوف البعث، أمثال: عبد الله الريماوي الذي أصدر جريدة البعث في القدس عام 1949، عبد الله نعواس، الشهيد خالد اليشرطي، الشهيد كمال ناصر، بهجت أبو غربية، بسام الشكعة، حمدي عبد المجيد، وليد عبد الهادي، سليمان الحديدي، روحي الزمر، بهجت الساكت، أحمد المرعشلي، يوسف البرجي، فريد غنام، حسني صالح الخفش، الشهيد زهير محسن، عبد الله حوراني، فيصل حوراني، محمد أبو ميزر، كمال كعوش، سميح أبو كويك (قدري)، عبد المحسن أبو ميزر وناجي علوش، إضافة إلى فاروق القدومي (أبو اللطف) الذي غادر حزب البعث العربي الإشتراكي عام 1964 والتحق بحركة “فتح”، وأصبح من قياداتها الأولى، وغيرهم مئات الكوادر والشخصيات الوطنية الفاعلة والمؤثرة.. والمتنورة في مُعظمها.
حزب البعث – فرع فلسطين
بدأ حزب البعث بالإنتشار في فلسطين في رام الله والقدس بعد أن زار مؤسس الحزب ميشيل عفلق فلسطين أثناء حرب عام 1948، وقام بتوزيع بيانات ومنشورات في رام الله والقدس، والتقى عبد الله الريماوي الذي أُعجِبَ بأفكار البعث بعد أن قرأ دستوره.. وبدأت من حينها الخلايا البعثية بالإنتشار في فلسطين، وانتظمت في تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي.
وهكذا اجتمعت الأسماء الأولى في التنظيم، عبدالله الريماوي، عبد الله نعواس، بهجت أبو غربية، وكمال ناصر… وعقدوا أول مؤتمر قطري لحزب البعث في فلسطين برام الله عام 1952، واختار المؤتمرون عبد الله الريماوي رئيسا للقيادة القطرية في فلسطين والأردن.
لقد غلّب حزب البعث شعار “الوحدة طريقاً لتحرير فلسطين” على غيره من الشعارات، وكان يرى حلّ قضية فلسطين، وسائر القضايا من خلال نظريته القومية. لكنّه تأخر في تطبيق توجّه “إقامة تنظيم فدائي فلسطيني وعربي لتحرير فلسطين”، رغم طرحه لهذا الشعار منذ عام 1959، وشدد مؤتمره القومي السادس المُنعقد في أيلول/سبتمبر بدمشق عام 1963 على أهمية إطلاق العمل العسكري وحرب الشعب لتحرير فلسطين، واعتماد عرب فلسطين كطليعة لتحرير البلد.
ووفقاً لقرارات المؤتمر القومي التاسع لحزب البعث في سوريا عام 1966 ودعوته لتبنّي حرب التحرير الشعبية في الصراع مع العدو “الإسرائيلي”، تأسست منظمة الطلائع أثناء حرب حزيران/يونيو 1967 كفصيل فدائي مُسلّح تابع للتنظيم الفلسطيني لحزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا، تجسيداً للإستراتيجية التي أقرّها المؤتمر القومي التاسع للحزب المُنعقد في أيلول/سبتمبر 1966، لتُصبح منظمة الصاعقة ثالث تنظيم فلسطيني فدائي يعمل على الأرض في الثورة المُعاصرة. والتي بدأت مرحلة التأسيس لها منذ 10/12/1966.
إذاً، بعد حزيران/يونيو 1967 قام جناحا البعث بتأسيس فصيلين، هما: منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة)، وجبهة التحرير العربية. وظل حزب البعث بجناحيه وفياً للنهج القائل برفض المساومة، كما في الوقوف ضد المحاولات التي جرت لتطويق العمل الفدائي، والمُساهمة في معارك الدفاع عن الثورة الفلسطينية.
البدايات العملية للصاعقة وجبهة التحرير العربية
إذاً، تأسست الصاعقة نهاية العام 1966، تحت إسم طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة)، الإسم الذي أطلقه عليها الوزير السوري الأسبق وعضو القيادة القطرية للحزب مروان حبش. وبتاريخ 1/5/1967 جرى بدء الدورة العسكرية الفدائية في معسكر القوات الخاصة السورية (معسكر الوحدات الخاصة) في منطقة حرستا والقابون الواقعتين إلى الشرق من دمشق بإشراف اللواء محمد إبراهيم العلي (أبو الندى) قائد الحرس القومي في سوريا في حينه، والرائد رئيف علواني، وتمّ تدريب العناصر كتدريب المغاوير والمظليّين، وبعدها انتقلت الصاعقة لافتتاح الدورات العسكرية في الجنوب اللبناني وجَرَش والأغوار حيث عملت على نقل الذخائر والعِتاد على البغال، إلى الجنوب اللبناني بسرية، عبر جبل الشيخ وطرقه الوعرة.
وبتاريخ 1/6/1967 تعرّضت الدورات الفدائية ومعسكر القابون لغارات الطيران “الإسرائيلي” مع اندلاع حرب حزيران. وفي 6/6/1967 تحركت عناصر الدورة نحو مدينة القنيطرة. وبعدها بيومين، صدر البلاغ العسكري الأول مُعلناً العملية الفدائية الأولى التي نفّذتها منظمة الصاعقة ضد مواقع عسكرية “إسرائيلية” في القطاع الأوسط من هضبة الجولان، وتبعتها في اليوم نفسه عملية ثانية إنطلاقاً من الجنوب اللبناني، وتمّ تعيين قيادة عسكرية وسياسية للمنظمة بإشراف رئيس مكتب الحرس القومي في قيادة حزب البعث وعضو القيادة القطرية الوزير حديثة مراد، وحُدِّد مقر الدائرة العسكرية في منطقة بساتين المزّة في دمشق خلف مشفى الرازي.
وهكذا، باتت الصاعقة بعد أن انضمت إليها مجموعتان فلسطينيتان صغيرتان: جبهة ثوار فلسطين بقيادة محمد أبو سخيلة والعميد فهمي أعمر، وجبهة التحرير الشعبية الفلسطينية بقيادة العقيد طاهر دبلان، إضافة إلى مجموعة منظمة الجليل الأعلى الفدائية بقيادة داوود أبو الشكر وعلي الدعيكة، وذلك أثناء انعقاد مؤتمر القاهرة للفصائل الفلسطينية في التاريخ المذكور، وأصبحت قيادة قوات الصاعقة مُشكّلة من:
لطف غنطوس، عمر خليفة، عبد الله الحوراني، إميل صبيح، يوسف البرجي، هاجم الهنداوي (ضابط سابق في الجيش الأردني)، اللواء ضافي الجمعاني (أبو موسى)، حسن الخطيب، الشهيد أمين سعد (الأخضر العربي)، يوسف قطناني (أبو الوليد)، ياسر عمرو وإبراهيم البرغوثي…
الصاعقة – الجناح العسكري
أما الجناح العسكري لمُنظمة الصاعقة، فقد ضمّ القيادات من الضباط العسكريين كاللواء ضافي الجمعاني (أبو موسى) قائد القوات، الرائد عبد الرحمن العرموطي مدير التنظيم الموّحد، هاجم الهنداوي قائد القواعد العسكرية في الأغوار، العقيد محمد علي الأمين قائد الميليشيا الشعبية، وعبد الرزاق الشريف…
وقد عزّزت انتشارها على جبهة الأردن مع فلسطين واستطاعت نشر نحو 1500 مقاتل مُدربين جيدا، في 3 قطاعات على الجبهة الأردنية إبّان صعود العمل الفدائي الفلسطيني: قطاع شمالي تحت قيادة هاجم الهنداوي (أبو مروان)، قطاع أوسط تحت قيادة اللواء محمود المعايطة (أبو ساهر) وقطاع جنوبي تحت قيادة علي الطراونة.
في ما قامت بنشر مزيد من وحداتها في الجولان وفي الجنوب اللبناني، وتمّ على ضوء ذلك فرز العشرات من الضباط الفلسطينيين من العاملين في الجيش العربي السوري للعمل في قوات الصاعقة، كان منهم: العميد صلاح الدين معاني، المقدم علي عمران، العميد مصطفى سعد الدين، العقيد مروان أبو دبوسة، العقيد بشير ناصر، العقيد منصور الشرفي والعشرات غيرهم …
لقد كانت قوات الصاعقة عملياً بمثابة الجناح العسكري الفدائي للتنظيم الفلسطيني الموحّد في حزب البعث العربي الإشتراكي، وانضوت بعد فترة وجيزة من تأسيسها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها: اللجنة التنفيذية، المجلس المركزي، المجلس الوطني.. وساهمت بتشكيل ائتلاف المنظمة مع “فتح” والجبهة الشعبية.
جبهة التحرير العربية (جبهة الرفض)
في السابع من تموز/يوليو 1969، أعلنت القيادة القومية لحزب البعث في بغداد، وأمينها العام ميشيل عفلق عن تأسيس منظمة فدائية على غرار منظمة الصاعقة، تحت إسم “جبهة التحرير العربية” كجناح فدائي مُسلّح للتنظيم الفلسطيني لحزب البعث في العراق، وانطلقت رسمياً عند تخريج دفعة من 300 مقاتل من أعضائها بعد أن خضعوا لدورات تدريبية مُكثفة على يد الجيش العراقي، ومن حينها انتشرت قواتها في أغوار الأردن، ومن ثم على جبهة الجنوب اللبناني، وحملت أسماء: قوات الشهيد محمد جابر نبهان، قوات أبو ذر الغفاري وقوات الشهيد كمال ناصر بعد استشهاده عام 1972.
وتميّزت جبهة التحرير العربية، بكفاءة مجموعاتها القتالية التي تدربت على يد الجيش العراقي في معسكرات بعقوبة، وغيرها في العراق. وهنا تابعت مسيرتها كالصاعقة في مدّ وجودها فوق الأرض اللبنانية، وبناء نواتها الفدائية هناك. وقد تلقّت دعماً هائلاً من القيادة العراقية وعلى كل المستويات.
واقتصر نشاط جبهة التحرير العربية الفاعل لأشهر معدودة بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا حيث انحاز لها وعمل في صفوفها العديد من القيادات البعثية في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ثم تمّ حظر نشاطها بشكل كامل مع القطيعة التي تكرست بين طرفي البعث أواخر العام 1969.
سقط الشهيد الأول من جبهة التحرير العربية في الغارات “الإسرائيلية” التي شُنّت على قاعدة عسكرية لها في الأردن في منطقة جبال السلط، وكان شهيدها الأول نصرو الغوري، وهو من أبناء مُخيم اليرموك، وتمّ دفنه في مقبرة الشهداء في اليرموك.
إستشهاد زهير محسن وعبد الوهاب الكيالي
مرّت كلاً من منظمة الصاعقة وجبهة التحرير العربية بفترات ذهبية من العمل السياسي والفدائي المُسلح، وانتهت مع اسشهاد قائدها التاريخي الشهيد زهير مُحسن في تموز/يوليو عام 1979. كذلك حدث مع جبهة التحرير العربية باستشهاد أمينها العام الدكتور عبد الوهاب الكيالي الذي كان سَلَّم زمام القيادة للمهندس عبد الرحيم أحمد.
دخلت جبهة التحرير العربية، عضوية “م ت ف” كما الصاعقة، وطرحت أهمية ربط النضال العسكري، بالنضال السياسي، ونضال الثورة القطري بالنضال القومي، مع التأكيد على استراتيجية رفض الحلّ السلمي ووحدة أداة الثورة، وليس فقط وحدة التصور، وتحديد أعداء وأصدقاء الثورة.
وكان، من بين أعضاء الصاعقة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذين توالوا على التنظيم بأزمنة متعاقبة، كلٌّ من: أحمد الشهابي، المرحوم يوسف البرجي، ياسر عمرو، إبراهيم البرغوثي، الشهيد زهير محسن، سامي عطاري ومحمد خليفة.
بعد استشهاد زهير محسن تسلّم عصام القاضي قيادة الصاعقة، وبعد وفاة الأخير أصبح محمد خليفة أميناً عاماً للصاعقة، ونائبه فرحان أبو الهيجاء الأمين القطري للتنظيم الفلسطيني الموحّد لحزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا. وبعد وفاته أصبح معين حامد الأمين العام لمنظمة الصاعقة، وسامي قنديل الأمين القطري للحزب، ومن ثم الدكتور محمد قيس.
فيما مثّل جبهة التحرير العربية في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الشهيد الدكتور عبد الوهاب الكيالي الذي كان يشغل عضوية القيادة القومية لحزب البعث في العراق، وبعد ذلك الأمانة العامة للجبهة، ومن بعده الراحل المهندس عبد الرحيم أحمد، ثم محمود إسماعيل (أبو إسماعيل). فيما تناوب على أمانة سرّها من أعضاء في القيادة القومية لحزب البعث في العراق، وبالترتيب: الدكتور زيد حيدر أمينها العام (يُطلق عليه لقب أمين سر الجبهة) وهو لبناني من منطقة بعلبك. وبعد الخروج من الأردن تولى أحمد المرعشلي أمانة السرّ في لبنان لفترة مؤقتة.
كانت جبهة التحرير العربية جزءًا من جبهة الرفض الفلسطينية، وشاركت بفعالية بصفوف الرفض في المرحلة اللبنانية من العمل الفلسطيني، لكنّها شاركت في الدخول إلى فلسطين مع تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية والإلتزام بالمنظمة وأطرها. بينما وقفت الصاعقة موقف الرافض منذ دعمها وإسنادها لانشقاق العام 1983. وما زالت إلى الآن تُقاطع أعمال ومؤسسات المنظمة رغم عضويتها القائمة فيها حتى اليوم.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
أغوار الأردن, اللاجئون الفلسطينيون في سوريا, جبهة التحرير العربية, جبهة الرفض, حزب البعث, صمود, عبد الوهاب الكيالي, علي بدوان, مخيم اليرموك, مروان حبش, مقبرة الشهداء, منظمة التحرير الفلسطينية, منظمة الصاعقة