لمنْ يصيرُ الزّيتُ في الزّيتون؟ عن الجميل حتى التّعب: “فوّاز عيد”
نوفمبر 6, 2021 10:41 ص*بسّام جميل
زعموا بأنّكَ راحلٌ..
في نبعة الفجر.. الذي
قد جاءنا يوما.. معك
إنْ كنت محزونا.. قليلاً
فانتظر.. لنشيِّعَك
وإذا رحلتَ..
وما التفتَّ..
فهِبْ لنظرتنا الكسيرة.. مِنَّة
كي تتبعك..
(فوّاز عيد)
لنبدأ من حيث انتهى هو، أو بدأت حكاية أخرى، ترفّ على أهداب القصيد وتسرد حكايتنا كلّنا.
من عنوان مذكرات حاول فيها الشاعر فوّاز عيد أن يُضيء على تاريخ عايشه صغيراً وكبُر معه، عن حكاية الحرب والحب والبحث عن موطئ قدم للسلام في وطن سليب.
نعرف أنّ الشاعر لا يُولد شاعرا، بل تدفعه الهواجس والقلق لأن يبحث عن مفرادته وصوته الخاص في عالم مأزوم، فكيف به يُولد فلسطينيا، قبل النكبة بعشر سنوات، ليُعايش مَخاضات مهولة تُقطّع أوصال وطنه، وتبعث به لاجئاً في أصقاع الأرض. لكنّه لم يبتعد كثيرا، فمن قرية “سمخ” شرق مدينة طبريا، كانت درعا القريبة، كيلومترات عن دمشق ومثلها تقريباً عن طبريا، مُستقَراً لعائلته، فكيف لا تكون دمشق عرّابة تعليمه ولغته.
حصل فوّاز عيد على منهل علمه في قرية “العال” بالجولان قبل سقوط الهضبة بيد الاحتلال، ثم تابع ابتهاله اللغوي في جامعة دمشق، لينالَ إجازة في اللغة العربية، ودبلوم في التربية، فيبدأ مسيره المهني كمُدرس في مدارس “الأونروا” ومدارس وزارة التربية السورية.
بدأ يُعيل والدته وشقيقاته بعد طلاق والديه. حمل عبء الأسرة في وقت مبكر من العمر وأصبح ربّ أسرة في بداية الشباب، يواجه الفقر الشديد والرغبة في التعلّم الجامعي، والتعليم براتب متواضع يتقاضاه كل 3 أشهر.
تحسنت أحوال فوّاز بعد أن أنهى دراسته الجامعية، مما مكّنه من الإنتقال إلى بيت جديد قريب من مركز “جوبر” في دمشق، ومن ثم الإنتقال إلى بيت أكثر جمالاً واتساعا.
ثم غادر فوّاز إلى السعودية. وفي العام 1967 وقعت كارثة حزيران “النكسة”، آنذاك التقى كثير من المُبدعين الفلسطينيين الشباب في أغوار الأردن، وخلال سنوات لمعت أسماء وصار هناك ما يُعرف بشعر المقاومة، الشعر بخاصة، وأدب المقاومة حاضراً ورافداً جديداً في الحياة الثقافية والأدبية العربية.
في تلك المرحلة، غاب صوت فوّاز عيد لأنه شاعر أصيل لم يعشْ التجربة عن قرب، تجربة المقاومة، حيث اكتفى بأن حيّا شعراء المقاومة في وطننا المُحتلّ بقصيدة عنوانها “الصُبّار”، ضمّها لديوانه الثاني “أعناق الجياد النافرة”.
أولى قصائده المنشورة، تمّ بثّ جدائلها في الصحافة، ثم نالها رطب الديوان الأول عام 1963 بعنوان “في شمسي دوار” ليتابع نشره الدواوين الشعرية ويهتم بصناعة الإعلام بمشاركته كمراقب للأفلام في التلفزيون السوري، والعمل كمنتج للبرامج في الإذاعة السعودية.
تَوَّج مُشاركته بتقديم مذكراته الشخصية عن حرب 1948 “نهارات الدّفلى” عن دائرة الثقافة بمنظمة التحرير الفلسطينية في دار الأهالي بدمشق عام 1991، ضمن الوثائق التاريخية، وتقع في 64 عنوانا، ليتمّ إنتاجها بصرياً للتلفزيون كمسلسل من بطولة نخبة من الفنانين السوريين.
مظلّلة بأعناق الجياد وبالثمار دروب غرناطةْ
ودار حبيبتي والنّهر بالدّفلى
وقلبُ صبيةٍ بالطلّ والأحزانْ
وتنتظرين خلف البابْ؟
قال عنه الشاعر محمود درويش بأنّه وأمل دنقل من أهم الأسماء الشعرية العربية. لكن الحياة طحنته بشقائها والفقر ذوّب حضوره ونكبة وطنه رافقته حتى الغياب.. ربما، هي حياوات في حياة وتغريبة في بلاد أصقلت تجربة شاعرنا وألقت الظلال على فيض من الرقة في قصيدة، لو كانت الأمكنة بعيدة عن مآسي الفلسطيني لاحتوته الأضواء وما انطفأ وهج الشاعر.
وانكسار الفيء.. عند العصر..
انتهت مسيرته الشعرية في دمشق، عن واحد وستين عاماً نذرها للشعر الذي حمّله قضايا فلسطينه، وأسدل الأجفان عن عمر من الشقاء والحب، تزيّنت بهما قصائده التي فاضت ألقاً وحنيناً ولو أنّه في المشهد الشعبوي للشعر الفلسطيني لم يكن حاضراً بحضور أهميته، وهو الذي وصفه الناقد المبدع يوسف سامي اليوسف بـ: ” لو قلت يوماً الشاعر، فإنّ هذه الكلمة تعني فوّاز عيد، أكثر من أيّ شاعر آخر”.
ولأنتَ عمرُ الوجد
بالوجدِ انتصرنا مرة
ثم.. انكسرنا..
بانكسارِ الوجدِ فينا..
كان الشاعر فوّاز عيد عضواً في “اتحاد الكتّاب العرب” بدمشق، واتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين.
من دواوينه : في شمسي دوار 1963، أعناق الجياد النافرة 1969، من فوق أنحل من أنين 1984، بباب البساتين والنوم 1988، في ارتباك الأقحوان 1999
وله أيضا: نهارات الدفلى 1991، مذكرات شخصية عن حرب فلسطين/النكبة 1948 في 64 عنوانا.
وقد طبعت المؤسسة العربية للدراسات والنشر (الأعمال الشعرية الكاملة) له عام 2002.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
بسّام جميل, صمود, فلسطين المحتلة, فوّاز عيد, لمن يصير الزيت في الزيتون, محمود درويش, يوسف سامي اليوسف