السَّماح من سَماح إدريس
نوفمبر 30, 2021 11:19 ص*زاهر أبو حمدة
إتّفقتَ أو اختلفتَ مع الراحل العائد سماح إدريس، فلا خلاف على تميزه بإختلافاته المتعددة. هنا، رحلته النضالية لم تنتهِ وعودته إلى مخيمات الشتات أو إلى فلسطين بدأت. وكذلك إختلافاته تضمن بَسط حضوره الدائم باحترامه الطوعي من دون جهد أو رِياء.
من عرفه غَرف منه. هو لا يملك “أَنفة المثقف” وصوغ المسافات بين الفكرة وتطبيقها، أو امتلاك البرج العالي للتنظير و”فوقية العارف”. لذلك، تجد مكتبه في (دار ومجلة الآداب) وسط برجوازية بيروت، إلا أنّ وقته الممتع يقضيه في أكثر الأماكن تهميشاً أي.. المخيمات الفلسطينية.
هكذا تصبح المعادلة بسيطة جدا: إختيار الصعب لتحقيق الهدف الأصعب. إختار طريقه وعرف دربه بقرار ذاتي بعيداً عن الجينات القومية أو الوراثة السياسية. كان بإمكانه رفع مستوى الإنبهار بـ”الرجل الأبيض” حين درس في الولايات المتحدة، أو أن يسمح لشظايا العدو باختراق وعيه، لكنّه تحصّن بـ”المبدأ”. المبادئ، لأمثاله، لا تتجزّأ.
ماذا يعني إمساكه بالخيط الأبيض وسط السواد الأعظم؟ وكيف يمكنه وسط سقوط الغالبية أمام الإغراءات والمكاسب أن يُرجّح كفة الـ”لا” مع ازدياد الديون والخسائر؟ كيف ترفض التطبيع والتلميع والتمييع وتسخر من الفاعل والمفعول به، وتُسخّر وقتك لإعلان رفضك فعلاً وقولاً؟
هو الإلتزام بكثير من الإحترام. فما فائدة وقوف الألف إن لم تعتمرها الهمزة. سماح: همزة قطع مع “السلام – الإستسلام”، “همزة متوسطة” بين جيل النكبة وجيل العودة. همزة وصل الأصالة بالحداثة. “همزة متطرفة” عند المساومة على المقاومة.
في وداع سماح إدريس (بلا ألقاب وتوصيفات)، وُجب طلب السماح منه. في خضم الوصال لا ينتبه المرء لأهمية من يفارق. وعند الفراق يبدأ الإحتراق.. يا لفداحة الخسارة!
ولأنّ الرجال مواقف، أمثال سماح لا يتوقف عملهم برحيلهم. الإرث يُخلّدهم. حلمهم يستمر وطموحهم يتعاظم، وعند انهيار نظرية التطبيع وتشتُّت المُحتلين سيكون لسماح، شارع بإسمه وسط مدينة اللّد حيث وُلد جورج حبش، فهناك يلتقيان ويبتسمان للمنتصرين العائدين: الطريق وعرة ونحن أول الواصلين.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
الشتات الفلسطيني, العدو الصهيوني, اللاجئون الفلسطينيون, المخيمات الفلسطينية, بيروت, جورج حبش, جيل النكبة, دار الآداب, زاهر أبو حمدة, سماح إدريس, صمود, غزة, فلسطين المحتلة, لبنان, مجلة الآداب