“عابرون” في كلام غير “عابر”
ديسمبر 9, 2021 1:21 م*وسام عبدالله
يتّخذ تفاعل الناس مع القضية الفلسطينية أشكالاً وأساليبَ مختلفة، فالرسالة لا تصل عبر طريقٍ واحدة فقط إنّما لها سبل عديدة، منها الفنّ والأدب والموسيقى ومختلف أنواع الفنون التي جسّدت على طول العقود الماضية حكاية حق، يُروى بالصور الشعرية والنوتات الموسيقية والروايات الأدبية.
فنون المقاومة
إنّ المكتبة الفلسطينية غنية بالكتب والمقطوعات الموسيقية والكثير من الفنون التي ساهمت بتشكيل مخزونٍ ثقافي مهم، خاصة في الجزء المتعلق باللاجئين، وقد شكّل الأرشيف الذي وثّق لحظات تهجيرهم من أرضهم، وكيف صاغوا معاناتهم في قصصٍ إنسانية.. وثيقة وطنية، في محاولة العدو طمس كل ما جرى خلال النكبة وحتى اليوم.
من اللاجئين، أدباء ساهموا في تطوير وترسيخ الوعي بالقضية، إن كان بالنسبة لأبناء الشعب الفلسطيني في الشتات، أو من جهة المجتمعات العربية والأجنبية، وطرحت معظم أعمالهم أسئلة اللجوء والإنتماء والعودة، والإنسان المرتبط بالأرض، ففي روايته “عائد إلى حيفا” قدّم غسان كنفاني قصة العائلة التي طُردت من أرضها وبعد 20 عاماً عادت للبحث عن ابنها، فوجدت أنّ المكان والأشخاص تغيّرت أسماؤهم، فابنهم خلدون صار ابن عائلة إسرائيلية.
وحملت هذه الكتب تصويراً دقيقاً لما حدث من تهجير ومذابح بحقّ الفلسطينيين، كما في “الفلسطيني” للكاتب حسن يوسف، وفي رواية “بيت للرجم بيت للصلاة” لأحمد عمر شاهين، وهنا اتّخذ الكاتب دور المُصور من خلال كلماته، حين تم، ويتمّ حتى الآن، حرف الحقائق عن مسارها، فأصبح للمتلّقي وثيقة بين يديه تشهد على الواقع الفلسطيني بلسان حال من عاشوه شخصياً أو من نقلوه عن عائلاتهم.
فنّ التواصل
لم تكن الأغاني الفلسطينية والشعر والقصص، مجرد كلماتٍ تُعبّر عن مأساة شعبٍ ونضاله، إنّما وسيلة تُضاف إلى سجل إبداعاته كونها ترمز إلى حيويته المُتجددة في تقديم قضيته في كل مرحلة بما يتناسب مع أدواتها وصفاتها، محافظاً على جوهرها. لتكون فنون اللاجئين جسر تواصل بين المجتمعات، فمجرد تشكيل فرقة موسيقية من عازفين فلسطينيين ولبنانيين فهذا يعني هدماً لكثير من الجدران الوهمية والأحكام المُسبقة، ليساهم في بناء علاقاتٍ متينة وترميم ما تشوّه.
إنّ قيمةُ المشاركة بين الفنّ الفلسطيني من قبل اللاجئين، والمجتمعات، تُحقّق نتائج مهمة، فهي تؤمّن “تشاركية” تشبه إلى حد كبير تنوّع الآلات الموسيقية بأنغامها، لكنّها تلتقي ضمن هدف واحد، التفاعل بين المواهب والأفكار والتجارب الفلسطينية مع غيرها. والفنّ هو صوت، إن كان موسيقى أو إلقاء شعر أو قراءة رواية، فنحن أمام مساحة تُساهم في رفع الصوت الفلسطيني في مختلف المجالات، ليس فقط على المنابر السياسية، إنّما في المسرح والسينما، باللغة العربية والأجنبية، أداة لتعبير الناس عن نفسها وأحلامها، وأكبر دليل على أهمية العمل الفني هو سعي الاحتلال بشكلٍ دائم لمنع الثقافة الفلسطينية من الإنتشار الواسع والتحوّل إلى العالمية، كونها تدخل إلى بيوت الناس وعقولهم في مختلف دول العالم بطريقة سلسة أكثر من الخطابات.
الفنّ بين الداخل والمخيّمات
إن كان تجاوز الحدود، جسديا، أمراً مستحيلاً بسبب السياج الحدودي، فالكلمة لا حاجة لها لجواز سفر، فهي تَعبُر إلى الناس أين ما كانوا، فوق المعابر وكاميرات المراقبة، وهو ما كان للفنّ دوره المحوري في التواصل بين مخيّمات اللجوء في الشتات والداخل الفلسطيني، سواء أكان قديماً من خلال الكتب والمقطوعات الموسيقية التي تُرسل من وإلى الأراضي الفلسطينية، أو حديثاً من خلال وسائل التواصل الإجتماعي ومواقع الإتصال مثل “سكايب” و”زووم”، إضافة إلى التكامل في المشاريع الفنية مثل إقامة معارض تشكيلية في الخارج، فيسعى الفنان الفلسطيني المُقيم في دولة عربية لأن يؤمّن التواصل مع فنان في الداخل لا يستطيع الخروج بسبب الاحتلال.
الكلمة حقّ
ولأنّ القضية الفلسطينية فريدة بتفاصيلها منذ البدايات حتى اليوم، ينسحب الأمر بشكل طبيعي نحو كل ما يرتبط بها، فأصبح الكتّاب والفنانون يؤلفون، ليس فقط بهدف الكتابة لفكرة أو قيمة إنسانية عامة، إنّما لارتباط كلمتهم بحقّ شعب في الحياة، فتحولوا إلى مُلهمين للأجيال الجديدة التي لم ترَ فلسطين إلا بعيون أجدادها والمشاهد التلفزيونية والفنون المتنوعة.
فكان شعر محمود درويش وفدوى طوقان، وروايات إميل حبيبي ورسومات ناجي العلي وفنّ لطيفة يوسف، وغيرهم الكثير ممن يتطلب توثيق أعمالهم وحفظها، لأنّها تشبه ما خلُصَ إليه غسان كنفاني في روايته “عائد إلى حيفا: “..إنّ فلسطين ليست إستعادة ذكريات بل هي صناعة للمستقبل”.
*كاتب لبناني
وسوم :
أدب الذاكرة, أمل دنقل, إميل حبيبي, الأدب الفلسطيني, الفنون الفلسطينية, الكتّاب الفلسطينيون, الكيان الغاصب, حسن يوسف, شعر القضية, صمود, عائد إلى حيفا, غسّان كنفاني, فدوى طوقان, فلسطين المحتلة, لطيفة يوسف, محمود درويش, وسام عبد الله