الحاجة خضرة واجهت “داعش” و”النُصرة” ولم تغادر مخيّم اليرموك

التصنيفات : |
ديسمبر 13, 2021 3:28 م

 سنان حسن – صمود:

على الرغم من كل الظروف التي مرّت بسوريا عموماً وبمخيّم اليرموك خصوصاً خلال سنوات الحرب العشر السوداء، إلا أنّ ذلك لم يدفعها إلى التفكير ولو للحظة واحدة بترك منزلها والبحث عن مكانٍ آمنٍ تقضي فيه بقية سنين عمرها.

الحاجة أم صبحي خضرة سليم موعد (ذات التسعين عاما) تتحدّث لـ”صمود” عن حكاية صمودها قائلة: “مع بداية الأزمة في سوريا ومع وصول نار الفتنة إلى أبواب مخيّم اليرموك الذي أقطنه مع عائلتي وأبنائي وأحفادي، ومع سيطرة المجموعات المسلحة على المخيّم في الثامن عشر من شهر كانون الأول 2012، رفضت الخروج من بيتي في المخيّم على الرغم من مناشدات أبنائي لذلك، معلنة أنني لن أغادر بيتي وأريد الموت شهيدة فداء لفلسطين ولسوريا.. فبقيت أنا وإبني الكبير صبحي وإبني محمود وزوجته”.

وتضيف الحاجة أم صبحي: “مع سيطرة المسلحين على المخيّم بدأت عناصرهم تبحث عن الناس، الذين لم يغادروا اليرموك، بهدف تخويفهم وإرهابهم لإخراجهم من بيوتهم، بحجة أنّ النظام يريد إقتحام المخيم، وسيتم قصف المخيم بالكيماوي، لكنّني رفضت مغادرة بيتي واليرموك”.

نقطة تحوّل

وتتابع الحاجة أم صبحي: “إنّ نقطة التحول في وجودي في مخيّم اليرموك، الذي سيطرت عليه المجموعات المسلحة هي تاريخ الأول من نيسان 2015، حيث سيطرت داعش على أجزاء كبيرة من اليرموك وبات المنزل الذي أقطنه مع أبنائي خطَّ تماسٍ مع المجموعات الأخرى التي تقودها جبهة النصرة.. ما أدّى إلى ازدياد الأوضاع مأساوية مع نقص المواد الغذائية والطبية، هذا فضلاً عن الإشتباكات المستمرة بين الطرفين المتنازعين لإعلان السيطرة الكاملة على المخيم”.

وتروي الحاجة أم صبحي أنّها بينما كانت جالسة في أحد الأيام مع أبنائها في المنزل: “قرعتْ الباب مجموعة مُسلّحة ترفع علماً أسودَ ونادى أحد المسلحين أنّ (الأمير) يريد أن يتكلم معنا، وبالفعل نزلت أنا وولداي للحديث معه.. فطلب (الأمير) من أبنائي أن يعيدوني إلى المنزل بحجة أنّه لا يتكلم مع النساء، فرفضتُ ذلك وقلت له: أنا بدي أحاكيك وماني طالعه.. نحنا اتهجّرنا مرة من بيوتنا.. وهلأ جايين تهجّرونا مرة تانية”.

حاول (الأمير) أن يقاطعني ويمنعني من الكلام.. ولكنّي واصلت الحديث: “لماذا تعاملوننا هكذا؟، هل تعرفون الله الذين نصّبتم أنفسكم متكلّمين باسمه؟، هل من يعرف الله يحرم الأطفال والنساء من الطعام؟، هل من يدّعي قربه من الله يترك الناس تموت من الجوع والألم؟، نحن باقون في منازلنا ولن نغادرها، إخجلوا من أفعالكم وممارساتكم غير الإنسانية والبعيدة كل البعد عن دين سيدنا محمد وتعاليمه السمحة.

بعد هذا الكلام سحب (الأمير) عناصره وخرج دون أن يرد عليّ”.

تحرير المخيّم

وأكملت الحاجة أم صبحي كلامها: “مع إقتراب الجيش العربي السوري من تحرير المخيّم من المجموعات المسلحة واشتداد المعارك والقصف على حارتنا، حاول إبني الدكتور أبو رامي بالتعاون مع الجيش العربي السوري إخراجي عبر مُدرّعة للجيش ولكنّني رفضت وناشدته: “يا ابني ما تعرّض حياة هالأبطال للخطر بسببي”، فأنا باقية ولن أخرج وإن شاء الله الفرج قريب.. وبالفعل إنتهت المعركة بتحرير المخيّم وخروج كل المسلحين منه وعودته إلى أهله وناسه”.

تواصل أم صبحي حكاية صمودها: “بعد تحرير المخيّم، واصلنا أنا وأبنائي العيش في منزلنا على الرغم من الظروف التي تلت تحرير المخيّم، ومع إنتشار فيروس كورونا، أُصبت بالمرض أنا وأبنائي ولكن الحمد لله تعافينا وبقينا صامدين بفضل الله ونعمته، واليوم أصدرت الحكومة السورية قراراً بعودة جميع المُهجّرين إلى بيوتهم في المخيّم، هذا القرار سيساهم بإستعادة المخيّم عافيته”.

وختمت الحاجة أم صبحي: “لقد مررنا بأيامٍ صعبة ولحظات حُفرت في الذاكرة، ولكنّني لم أفكر لحظة واحدة أن أترك منزلي وأخرج من البيت الذي قضيت فيه مع عائلتي وأبنائي وأحفادي أسعد أيام حياتي.. فمخيّم اليرموك قطعة من روحي وحياتي ولا أستطيع أن أغادره إلا إلى بيتي في “صفّورية” الذي هجّرنا الصهاينة منه.. وأنا لا أزال أحلم بهذه اللحظة “بحسّها قرّبِت””.

الحاجة خضرة أم صبحي

من بلدة “صفّورية” قضاء الناصرة مواليد 1931 إبنة المناضل الفلسطيني محمد سليم موعد.

خرجت من قريتها مع زوجها أحمد سعيد موعد وهي تحمل أطفالها على يديها هاربة من بطش عصابات الهاغاناه الصهيونية بإتجاه لبنان بتاريخ 15/7/1948 وكان شهر تموز/يوليو يتزامن مع شهر رمضان. حيث أمضت مع عائلتها عدة أشهر في لبنان ثم هربوا سراً إلى سوريا ليستقروا في حي الميدان الشامي لمدة تسع سنوات قبل أن ينتقلوا إلى مخيّم اليرموك بعد أن حصلوا على قطعة أرض من منظمة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن لم تغادر منزلها. وهي أمّ لسبعة أولاد وجدّة لخمسة وثلاثين حفيدا.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,