من مخيّم اليرموك إلى العالمية كيف حوّلت فلسطينية مسرح الدُّمى إلى وسيلة للدفاع عن القضية

التصنيفات : |
ديسمبر 24, 2021 10:32 ص

*صمود – رامي سلوم:

نجحت الفنانة التشكيلية الفلسطينية إيمان عمر، في نقل تجربتها مع مسرح الدُّمى إلى العالمية، والإستفادة من الأدوات والإمكانات التي تصفها بـ”الكبيرة” خدمة لهذا النوع من الفنون، وتحويله إلى وسيلة علاجية لأطفال التوحّد، من خلال خبرتها الواسعة في هذا المجال وتمكّنها من جميع مفرداته.

كما أفلحت في تحويل مسرح الدُّمى إلى وسيلة للتواصل بين أطفال الداخل الفلسطيني وأطفال العالم أجمع، عبر الإستعانة بوسائل التواصل الحديثة أو من خلال زياراتها للعديد من البلدان وتقديم عروضها المسرحية هناك.

وتروي إيمان، اللاجئة الفلسطينية في مخيم اليرموك، لموقع “صمود” حكاية عالمها الخاص في مسرح الدُّمى، بلهجتها الفلسطينية المُحبّبة، على الرغم من أنّها وُلدت وترعرعت في سوريا، لكنّ لهجتها التي تربّت عليها في المخيّم ترافقها على امتداد عمرها وتجربتها.

بداية الحبّ

بدأت قصة إيمان وهي تلميذة في السابعة من عمرها، بعد حضورها أول عرض لمسرح الدُّمى. تأثرت بالعرض كثيراً وكبرت وهذه الدُّمى معلّقة على جدران ذاكرتها. هذا الإعجاب حفّز موهبتها خصوصاً مع وجود المواد الأولية لصناعة الدُّمية البدائية في منزلها، بحكم عمل والدتها في خياطة الملابس.

إستغلّت إيمان الإمكانات المُتاحة وقتها، في صناعة دُمى بسيطة من دون ملامح للعب، كما علّمت أخواتها الستة الحِرفة، لتصنعَ كلا منهنّ دُميتها الخاصة، ويتشاركن اللعب بها.

تعلُّق إيمان بوالدها، جعلها تُبدع في تصوير شخصية الرجل الفلسطيني في تصميمها المحترف للدُّمى، بملامحه اللطيفة الطيبة، حيث تقول لـ”صمود”: “إنّ الأعمال الأحبّ على قلبي عندما كان يُطلب مني تصميم دُمية لرجل كبير في السن، كنت أنظر إلى “بابا” رحمه الله، وأستقي ملامح الدمية من شخصيته الجميلة، ووجهه اللطيف”، وتضيف “كان بابا جميلاً جداُ ومكافحا”.

وتُعدّ إيمان اليوم، إحدى المصممات المحترفات العالميات في مجال دُمى العرائس، ومن أهم الممثلات في مسرح الدُّمى المتحركة، كما أنّها مُدرِّبة عالمية في مجال تصميم الدُّمى وتحريكها، وتعمل على نقل خبرتها لهُواة هذا الفنّ بالتعاون مع العديد من المنظمات مثل: الأونروا واليونيسف.

عِشق إيمان للدُّمى، ثقل موهبتها الفنية، وهي اجتهدت على “فنّ الحكواتي”، وعلى تمرين صوتها، لتكون واحدة من أبرز الممثلات في إذاعة دمشق، كما عملت بصفة مخرج مساعد مع غالبية مخرجي الإذاعة نفسها، وفي العديد من المسلسلات والبرامج الإذاعية، وكان صوتها علامة مميزة في أهم البرامج الإذاعية السورية ومنها “حكم العدالة” و”محكمة الضمير”.. فضلاً عن برامج دراما الأطفال.

العِشق محرّك الدُّمى

وعلى الرغم من مواهبها المتعددة، يبقى لمسرح الدُّمى عبقه الخاص في روحها، وهي التي تبلغ عامها الـ45 اليوم، تقول عن “مسرح العرائس” الذي تدعوه بـ”مسرحنا”: “هو المكان الذي أشعر فيه بالإرتياح، أقف خلف المسرح وأنقل الفرح للكبار والصغار، وأستمع إلى أصوات ضحكاتهم التي تلمس قلبي. هذا المكان هو جزء مني”.

ساهمت إيمان بنقل الفرح للأطفال الفلسطينيين في بلاد الشتات، وصمّمت دُماها الخاصة، وعرضت لهم قصصاً توعوية لتوسيع مداركهم العقلية، وتسهيل إستيعابهم لقضايا مهمة، منها الوطنية ومنها الإجتماعية والصحية مثل فيروس كورونا، والتنمّر وغيرها، وتدريب الأطفال على رقصات مُشتركة لطيفة، كل ذلك خلال زياراتها المتكررة التي لم تنقطع لمراكز الإيواء الخاصة بالأطفال.

بقيت فلسطين الحاضرة الدائمة في أعمال إيمان، والتي كان آخرها عرض لمسرح الدُّمى برعاية إتحاد الصحفيين في سوريا، يروي حكاية بلد، إختارته “فلسطين”، بشخصيات دُمى تُمثّل المجتمع الفلسطيني، وصمّمت رقصة من وحي بلدها لأطفال مراكز الإيواء بالتعاون مع الأونروا، وغيرها الكثير من العروض والتصاميم الخاصة على مدى سنوات عملها.

وصلت شهرة إيمان إلى اليونان والعراق، التي قدّمت فيها عروضاً حيّة لمسرح الدُّمى المتحركة، فضلاً عن طلبات الدُّمى التي تُصمّمها للكثير من البلدان، وذلك بفعل الجاذبية والحيوية التي تمنحهما للدُّمية، القريبة من مخيّلة الأطفال خصوصاً أنّ شغفها بالدّمى تفتّح باكرا، ما زاد من فهمها لمزاج الطفل وطريقة تفكيره.

تُصمّم إيمان الدُّمى المتحركة، والدُّمى الخاصة بالمراكز التجارية (التي يتمّ إرتداؤها من أشخاص حقيقيين) وغيرها، كما تمكنت من تطويع وسائل التقنية الحديثة ومنها وسائل التواصل المباشر لتُلبّي إحتياجات مسرح الدُّمى، وطوّرت أداءها وطريقتها، والأدوات المُستخدمة لتقديم عروض جذّابة، عن بعد، باستخدام تلك الوسائل والتي يختلف الأداء فيها عن الأداء على المسرح التفاعلي المباشر، وكل ذلك من خلال قدرتها الفائقة والفطرية على إستيعاب متطلبات العمل التفاعلي، وثقلها بالتعلّم المستمر.

أطفال التوحّد

وكان لوسائل التواصل المباشر أثرها في إقتحام فنّ إيمان للداخل الفلسطيني من خلال العروض وتقديم القصص، إضافة لمشاركتها مع وزارة التربية الفلسطينية بورش لتعليم الأطفال في رام الله صناعة الدُّمية، حيث يعمل الأطفال معها على تصميم الدُّمية خطوة خطوة ليحظى كل طفل في النهاية بدُميته الخاصة التي صمّمها بيديه.

وجدت إيمان في الدُّمية قدرة غريبة على إسعاد أطفال التوحّد، وتطوير سلوكهم، فقدّمت ورشاً لأطفال رام الله وجنين وغيرها، من المُصابين بإضطراب طيف التوحّد، والتي تُعبّر عنها إيمان بشعور عارم بالفرح الداخلي، لقدرتها على زرع الإبتسامة في قلوبهم، والتواصل معهم من خلال الدُّمية والحكاية وتحقيق التفاعل المطلوب، وهو ما يُثري روحها ويزيد من عزيمتها على مواصلة الطريق.

لم تبخل إيمان بمعارفها على من يطلب المساعدة منها، فهي إلى جانب تقديم عروضها للعالم، إشتغلت على العديد من الورش التدريبية للراغبين في دخول المجال، والعاملين في القطاعين: التربوي والإجتماعي، من خلال دورات وورش اللياقة البدنية وفنّ الحكواتي وتحريك الدُّمى، وتصميم الدُّمية وأساسياتها وملامحها، كما عملت على تقنيات الإلقاء والتحسين الصوتي واللفظي.

لا تزال إيمان مُستمرة رغم الحرب، ورغم خروجها وأسرتها من مخيّم اليرموك، مُبيّنة أنّ “مسرح العرائس” لم يتوقف أبداً في أحلك أيام الحرب على سوريا، فالفنّ يُعطي للحرب طعماً آخر، وتزداد أهميته في أوقات الصعوبات ليُبقيَ على الأمل والفرح في قلوب الأطفال.

 وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجهها اليوم، من حيث التكاليف المرتفعة للمواد الأولية لصناعة الدُّمية، ونقص المواد المطلوبة، بسبب الواقع الحالي الذي تعيشه البلاد، غير أنّها مُصرة على إكمال رسالتها، فعشقها لمسرح الدُّمى يدفعها دائماً لإيجاد الوسائل المتاحة والبدائل للإستمرار.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,