“الركن الشديد 2” مناورة الصاروخ بالصاروخ تُغيّر موازين القوى بين العدو والمقاومة

*إيليا يوسف

مع التحول الذي تشهده المنطقة، تندرج سيناريوهات تبدو وكأنّها في سياقات منفصلة، لكنّها في الواقع تصبّ جميعها في هدف واحد وهو ردع الغطرسة والتمدد الصهيوني. ومن هذا المنطق، تتّسق المناورات التي أجرتها إيران تحت إسم “الرسول الأعظم” مع التدريبات التي أعلنت عنها الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية تحت إسم “الركن الشديد 2”.

صحيح أنّ المناورات والتدريبات التي تُجريها الدول عادة لا تُشكّل تهديداً لأحد حسب المنطق العسكري، لكن في مضامينها تحمل رسائل مهمة للخصوم يجب أخذها في الحسبان، وخاصةً أنّ القوى الدولية الصاعدة مثل الصين وروسيا وإيران، وحركات المقاومة بشكل عام، وفصائل المقاومة الفلسطينية بشكل خاص – بعد معركة “سيف القدس” تحديدا- باتت تُملي شروطها وتضع خطوطاً حمراء جديدة .

بعد مضي أكثر من نصف عام على معركة “سيف القدس”، تمسّكت المقاومة الفلسطينية بمواقفها، واستمرت في مشروع الإعداد والتجهيز ومراكمة القدرات العسكرية بعد أن تعزّزت مكانتها الإستراتيجية في البيئة الفلسطينية والإقليمية، ولعل الإعلان عن تدريبات “الركن الشديد” هي رسالة واضحة أنّ محور المقاومة في صف واحد، وأنّها -أي التدريبات- هي محاكاة للمناورات الإيرانية، بل في المضمون الأبعد هي أعمق من ذلك بكثير بأنّ المقاومة على أهبة الإستعداد للدخول في المعركة ضد الكيان الصهيوني إذا ما تجرأ هذا الأخير على ضرب المنشآت النووية الإيرانية، كما يزعم قادته.

لا شك أنّ المقاومة التي طورت قدراتها على مختلف المستويات، باتت تمتلك أوراق قوة تُمكّنها من كسر شوكة الاحتلال وهي حاضرة لأي معركة، خاصةً بعد أن رفعت المقاومة شعارها: “زمن الهزائم ولّى وجاء زمن الإنتصارات”. إذاً رسالة المقاومة واضحة، وهي أن جرائم الاحتلال التي كانت تُرتكب على مدى عقود من الزمن أصبحت من الماضي، ومن هذه العقيدة تأتي تدريبات “الركن الشديد”، بحيث أن للإسم الذي أُطلق على هذه التدريبات رمزية تتجلى في حجم القوة النارية للمقاومة الفلسطينية التي ستضرب معاقل ومستوطنات العدو الصهيوني ومواقعه العسكرية في حال وقوع أي معركة مستقبلية.

ولا يُستبعد في هذا السياق، أن تكون المناورات الايرانية والتدريبات الفلسطينية هي مناسبة لتصعيد دبلوماسي وسياسي بأنّ الرد سيكون حازماً وفورياً على أي عدوان صهيوني سواء على إيران، أو داخل الأراضي الفسطينية، وهو الأمر الذي دلّلت عليه مناورات “الرسول الأعظم” لجهة قصف مجسّمات تحاكي مواقع حساسة ومصيرية للكيان الصهيوني في رسالة بالغة الوضوح في ما يتضمنه بنك الأهداف الإيراني في حال حصول أي اختلال في الصراع الحاصل وتدحرجه عسكريا، لتضمن في ذات الوقت القاعدة التي تقوم عليها تدريبات “الركن الشديد” أي الصاروخ بالصاروخ والبادئ سيكون أظلم.

هذه الرسائل قرأها جيداً العدو الصهيوني، لكنّ المكابرة التي يُطلقها قادته ليست إلا للتسويق الداخلي، وبحسب الوزير الإسرائيلي السابق دانيئيل فريدمان في تغريدة له:  ” ضمن التقارير التي إطلعت عليها أثناء تواجدي في الحكومة ليس لدى “إسرائيل” الجاهزية لتُلقي أكثر من 1000 صاروخ في اليوم، والأفضل لها أن تواصل دسّ رأسها في التراب”. هذا التصريح بحد ذاته يُشكّل أحد الإعترافات المهمة جداً لفصائل المقاومة ومحورها بعدم جهوزية الداخل الإسرائيلي على الأقل لدفع فاتورة أي مغامرة عسكرية. وما يؤكد ذلك هو متابعة وسائل الإعلام الصهيونية عن كثب مناورات “الرسول الأعظم”، وتدريبات “الركن الشديد” والتي خُصّصت لهما فترات مطولة ضمن برامجها ونشراتها الإخبارية للحديث عنهما ودلالتهما المتعددة في سياق ما تشهده المنطقة من تطورات، وخلُصت جميعها إلى أنّه وفقاً  للتقديرات، من المتوقع بأنّ الإيرانيين وفصائل المقاومة الفلسطينية من خلال ما برز وظهر في إطار المناورات والتدريبات، ناوروا  بشكل يوحي بمهاجمة موقع ديمونا، وإطلاق صواريخ نحوه. كما انقسمت المواقف بين ما اعتبر أنّه يجب النظر إلى هذه التهديدات والتقارير على أنّها في إطار الحرب النفسية للإيرانيين والفلسطينيين فقط،  وتيار آخر صنفها بأنّ إيران والمقاومة الفلسطينية مستعدة لمواجهة هجوم مُحتمل أو خيار عسكري إسرائيلي بردّ موجع وقوي وسريع.

ويستند دُعاة الخيار الثاني لهذا الإحتمال نتيجة  تقصّد إيران والمقاومة في إطار هذه المناورات والتدريبات إطلاق طائرات مُسيَّرة إستشهادية، في رسالة واضحة للجوء إلى حرب الإستنزاف إن تطلّب الأمر ذلك، وهو ما قد لا يستطيع الكيان تحمله في تصور مشابه لواقع المقاومة الفدائية لليابانيين مع نهاية الحرب العالمية الثانية ضد القوات والأسطول الأمريكي، والفعل البطولي المقاوم للمقاومة في فلسطين، وفي لبنان الذي أجبر قوات الاحتلال على الإنسحاب من الجنوب اللبناني وقطاع غزة 2005 و2006.

لذلك، إنّ المناورات العسكرية الإيرانية، وتدريبات فصائل المقاومة الفلسطينية لا تُقرأ فقط من الجانب العسكري، وهو ما يدركه الكيان الصهيوني، بل لها أبعاد سياسية ستترك ثقلها دون شك، ومن أبرز هذه الأبعاد أنّ من يراهن على القوة العسكرية أو العدوان المباشر، أو الحصار الإقتصادي فهو مخطئ والدليل على ذلك أنّ الجهوزية العسكرية والقدرات الردعية التي امتلكتها طهران وأظهرتها في المناورات العسكرية الأخيرة، والتي تمتلكها المقاومة الفلسطينية لم تأتِ من فراغ، بل بناءً على إمتلاك القدرات الذاتية التي ولدت في سياق أقصى العقوبات، وربما كانت نتيجة حتمية للسياسات الغربية، وعلى الجميع إدراك ذلك وفي مقدمتهم أصحاب الرؤوس الحامية في الكيان.

*كاتب سوري