إنقطاع الكهرباء وإرتفاع تكلفة “الإشتراكات”: مخيّم شاتيلا بين إهمال الدولة وغياب اللجان الشعبية

التصنيفات : |
يناير 5, 2022 1:22 م

*منى العمري – صمود:

تتأثّر أحوال اللاجئين الفلسطينيين في مخيّماتهم بأوضاع المنطقة التي يعيشون بها، إذ تصل مُعاناتهم كلاجئين في لبنان إلى ذروتها القُسوى حين طغت الأزمة الإقتصادية والسياسية -منذ بدايتها من العام 2019 إلى اليوم- على جميع الفئات المُقيمة على الأراضي اللبنانية، سواءً كلاجئين أم كلبنانيين.

ففي صيف2021، خيّم الظلام على المخيّمات الفلسطينية في لبنان، إذ وصل إنقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 20 ساعة، نتيجة لشُحّ مادة المازوت. فقد نال اللاجئ الفلسطيني نصيبه من الأزمة اللبنانية بما فيها إرتفاع سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي، مما أدّى لاحتكار عددٍ من التجار لهذه المادة.

وفي هذا السياق، تأثّرت المناطق اللبنانية كافة بما فيها على وجه الخصوص -العاصمة بيروت- وما يتضمّنها من مخيّمات للاجئين الفلسطينيين الذين رافقتهم هذه الأزمة وبشكلٍ أقسى مما هم كانوا عليه.

فقد إنخفضت التغذية الكهربائية في العاصمة لتصل إلى 3 أو 4 ساعات في اليوم، مُقابل 20 ساعة قطع، في ما كانت تحصل باقي المناطق على 14 ساعة من التغذية يومياً مُقابل 10 ساعات قطع.

ومن هذا المُنطلق كان لا بد لمخيّم شاتيلا -الذي يقع في العاصمة بيروت- أن يطاله الجزء الأكبر من هذه الأزمة، إضافةً إلى ما يُعانيه أهالي المخيم من فقر، وعوز، وحرمان ومعاناة لتحصيل لقمة العيش في ظلّ الأزمة الإقتصادية وسوء تقديم الخدمات الصحية والإنسانية من قِبل “الأونروا”، لتُضاف إليها أزمة تقنين “الإشتراكات” في تزويد المخيّم بالكهرباء بشكلٍ قاس.

وقد شكّلت هذه الأزمة منذ 6 أشهر وحتى اليوم، حادثاً جديداً “خارج قيود الرقابة” حيث أصبح اللاجئ الفلسطيني رهينة وجود هذه المادة أو إنقطاعها، مما يؤثر بشكلٍ أساسي على سعر الإشتراك، خصوصاً بعد إرتفاع سعرها بشكل جنوني.

فماذا يقول المعنيّون؟ وكيف يتدبّر لاجئو شاتيلا أمورهم في ظلّ هذا التقنين الحاد؟

يقول محمد حسنين، وهو مسؤول جمعية الشفاء في بيروت -مركز صبرا وشاتيلا- في حديثٍ خاص لموق “صمود”: “إنّ كهرباء الدولة أمرها سيء جداً منذ البداية، فاللاجىء الفلسطيني في مخيّم شاتيلا يُعاني من أزمة الكهرباء قبل الأحداث اللبنانية، ولكنّ الوضع الإقتصادي الراهن في لبنان زاد الوضع سوءاً في المخيم، خصوصاً مع التقنين الحادّ في الكهرباء ساهم في خلق فوضى عارمة داخل المخيّم، أدّت في وقتٍ من الأوقات إلى وقوع إشتباكات بين الأهالي والمعنيين”.

كيديّات سياسية

 يؤكّد حسنين لـ”صمود”: “إنّ السبب الرئيسي لما يُعاني منه اللاجئون الفلسطينيون في مخيّم شاتيلا هو تغيّب اللجان الشعبية عن خدمة الناس، فهم لا يَحلّون ولا يربطون، وكل إهتماماتهم تكمن في تسجيل بيوت خارج المخيّم وإرتباطهم بمصالح خارجية بعيدة كليًّ عن أوضاع اللاجئين وواقعهم”، مؤكّداً أنّ: “”سوسة” مخيّم شاتيلا هي اللجان الشعبية والمسؤولين عن أوضاع اللاجئين، وأنّ سبب تقلّصات مساعدات “الأونروا” في مخيّم شاتيلا هي اللجان الشعبية لأنّها لا تتقدّم بأي موضوع يخصّ أهل المخيّم إلى مكتب “الأونروا” بل تعمل اللجان داخل شاتيلا بما يخص مصالحها الشخصية والسياسية والذي تبعُد كلياً عن أرض الواقع “المأساوي” داخل المخيّم”.

وأضاف: “إنّ موتورات الكهرباء داخل المخيّم هي تحت إشراف “ممتلكات خاصة” وأصحابها بالأغلب ذوي نفوذ وسلطة، ومسؤولين وأثرياء من المخيّم ويعملون من دون “حسيب” أو “رقيب””، مؤكّداً “أنّ هؤلاء المجموعة من الأشخاص هم بالفعل يحتكرون ملف الكهرباء في شاتيلا ويسعّرون الإشتراكات كيف ما يريدون من دون أي تدخّل للجان الشعبية بقراراتهم ومن دون مُراعاة لأوضاع الناس المأساوية في المخيم”.

ويُعقّب حسنين: “إنّ مشكلة  الكهرباء في المخيّمات الفلسطينية في أنّ مادة المازوت لا تصل إليهم كما تصل إلى باقي المناطق في لبنان، وأنّ البلديات لا تُغطّي تكلفة تأمين المازوت بشكلٍ كامل، فهي تُزوّد المخيّم فقط بما يقرب الـ10%، والنِسب المتبقية يؤمّنها أصحاب المولّدات بحسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء، مما يضاعف من سعر الإشتراك ويجعل ثمنه باهضا”.

ويختم بالقول: “إنّ حزب الله في بداية الأزمة، دعم سعر المازوت بنسبة كبيرة وصلت إلى 50%، ولكن في الوقت الحالي لا يوجد أي دعم على مادة المازوت التي تصل إلى المخيّم وهذا ما يدفع أصحاب المولّدات إلى شرائها بحسب تسعيرة السوق السوداء”.

وفي سياقٍ مُتّصل، يقول حسن سليم -وهو لاجئ فلسطيني في مخيّم شاتيلا- يعمل موظّفاً في غرفة إشتراك الكهرباء لدى مولّدات “بدران” حيث أفاد ل”صمود”: “إنّ صاحب إشتراكات “بدران” يشتري مادة المازوت بالدولار بحسب سعر السوق السوداء”، مؤكّداً أنّ: “البلدية تؤمّن لهم نسبة ضئيلة من مادة المازوت مقابل سعر أقل من السوق السوداء، ولكنّ هذه النسبة لا تكفي إلا لتغذية  8 ساعات فقط، في حين أنّ المخيم يحتاج إلى تغذية أكثر من 8 ساعات في الـ24 ساعة، وفي المقابل يقوم أصحاب الإشتراكات بتأمين المازوت وفق التغذية التي تكفي المخيّم ما يقارب الـ12 ساعة، وهنا التسعيرة تختلف لأنّ النسبة التي يؤمّنها أصحاب الإشتراكات تكون بالدولار أي من دون سعر مدعوم، وبسبب غلاء التسعيرة فإنّ أغلب الأهالي في هذه الحالة خفّضوا نسبة إستهلاكهم للكهرباء أي “الأمبير”، لذا إنّ أغلب المشتركين اليوم يستهلكون 2.5 “أمبير” كونها أقلّ تسعيرة من بين الخيارات، بالإضافة لقدرتهم على الدفع، حيث وصل سعر إشتراك الـ2 “أمبير” إلى 750 ألف ليرة لبنانية”.

رأي اللجان الشعبية

وفي هذا السياق أيضا، يقول إبراهيم الجرايحي -وهو المسؤول السياسي في مخيّم شاتيلا وعضو في اللجان الشعبية- في حديثٍ خاص لـ”صمود”: “إنّ مخيّم شاتيلا يُعاني من مشكلات كبيرة جداً بما فيها النزاعات السياسية وطغيان المصالح الشخصية، مما يجعل أي مشكلة في المخيّم تتفاقم وتكون غير قادرة على المعالجة بسبب تغيّب المسؤولين، ومن ضمن هذه الأزمات هي أزمة الكهرباء والمياه حيث تفاقمت وإزدادت حدّتها مع حلول الأزمة الإقتصادية الراهنة في لبنان، مما خلق حالة من الفوضى في المخيّم”.

وأكّد الجرايحي على أنّ: “أصحاب المولّدات بعضهم مستقلّ والبعض الآخر مُنظّم (أيّ ينتمون إلى جهة سياسية معيّنة)، ولكنّ الفئتين هما من أصحاب نفوذ ومال، ومُحتكرون ومتحكّمون بقطاع الكهرباء في المخيّم، كونهم يمدّون المخيّم بالكهرباء”.

وأضاف: “إنّ أهالي المخيّم يُعانون من أوضاع معيشية صعبة جدا، خصوصاً في هذا الوضع الراهن وفي ظلّ الحدّ الأدنى للأجور، والذي لا يكفي لتسديد مستحقّات البيت ومتطلباته، وهذا الأمر سيء جدا”.

واختتم حديثه بالقول: “هناك عائلات في المخيّم يعيشون تحت خط الفقر ويُعانون من أزمات صحية وإنسانية وإجتماعية صعبة جداً في ظلّ تغيّب المعنييّن والمسؤولين بما فيهم الجهات الرسمية”.

وفي الختام، يمكن القول بأنّ اللاجئيين الفلسطينيين في لبنان يتأثرون أكثر من غيرهم بأوضاع البلد المأساوية مما يجعل الأمور خارجة عن نطاق السيطرة، دون أن يكون لهذا اللاجئ جهة رسمية يعود إليها، بل حتى الفساد الأمني والمُجتمعي في لبنان إنتقل بطريقة عشوائية إلى مخيّمات اللجوء وأثّر على كافة نظمه ومؤسساته، وبات اللاجئ ضحية هذا التقاعس التام وهو مُدرك بكامل وعيه بأنّ المسؤول عنه هو السبب الأساسي الذي أوصله إلى ما هو عليه اليوم.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,