الحرب السياسية على الشعب الفلسطيني.. المنظمات الأهلية أنموذجاً
يناير 10, 2022 9:56 ص*وسام عبد الله
في تناول موضوع منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، يجب البدء من المربع صفر. فظروف نشأتها تختلف عن غيرها في دول العالم، لأنّها نتاج شعب يرزح تحت الاحتلال منذ عهد الإنتداب البريطاني وحتى اليوم، وأي قراءة لدور المؤسسات الحزبية والأهلية لا يمكن فصلها عن سياق المواجهة مع العدو.
ما قبل أوسلو وما بعدها
أنتجت النكبة الفلسطينية منظمات عنوانها الأساسي مقاومة الاحتلال، مهما إختلفت في بنيتها الفكرية والأيديولوجية، فالمطالب لم تندرج حينها تحت عناوين إصلاحية، إنّما كان التركيز على الإستقلال والتحرّر من نير الاحتلال، فكانت الثورات والحركات المسلحة. وما وُجد حينها من مؤسسات أهلية كان في معظمها من تأسيس شرائح إجتماعية وعائلية معينة.
ومع إعلان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، أصبحت هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، فنشِط العمل المدني والسياسي في تلك المرحلة وخاصة بعد حرب 1967 والإنتقال إلى مرحلة جديدة من العمل النضالي، كانت ذروته في الإنتفاضة الأولى عام 1987، وبدأت المنظمات الأهلية في ذاك الوقت، تتمدّد خارج الإطار الذي تأسست خلاله في مرحلة النكبة، لكنّ العناوين بقيت ثابتة: “المواجهة مع العدو”.
شكلّت إتفاقية أوسلو مرحلة تحوُّل في العمل السياسي والمدني الفلسطيني، من الكفاح المسلح إلى إتفاقيات “السلام”، فشهدت المؤسسات تغييراً في بنيتها الوظيفية. ليظهر الإنقسام أكثر، السلطة الفلسطينية وحساباتها المختلفة عن نهج فصائل المقاومة، ومنظمات مدنية متعددة. فأصبح لكل حركة سياسية، ما يتبعها من جمعية، تكون ذراعها في العمل المجتمعي، إضافة للمنظمات العاملة خارج الأُطر الحزبية.
أطلق “المركز العربي لتطوير الإعلام الإجتماعي” في حيفا هذا العام، بحثاً بعنوان: “تصوُّر الفلسطينيين لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية”، بهدف فهم وتحليل تصوُّر الفلسطينيين عن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في كل من الضفة الغربية، قطاع، غزة، القدس ومناطق 48.
ومن النتائج الواردة في البحث، أنّ 63% من المشاركين في الإستطلاع وافقوا على مقولة: “إنّ مؤسسات المجتمع المدني تُعبّر عن المجتمع الفلسطيني”، وأنّ 46% يستطيعون لمس أثر عمل مؤسسات المجتمع المدني، و83% لم يستفيدوا إطلاقاً من خدمات مؤسسات المجتمع المدني.
تحدّيات التمويل والعمل
إنّ المساعدات المالية الخارجية الواصلة إلى المنظمات غير الحكومية، محكومة بالعبور تحت قوانين الاحتلال وشروطه، فلا يجري التمويل إلا وفق معايير محددة، تكون نتائجها محصورة في تحقيق أهداف تنموية بسيطة لا تتجاوز حدودها مواجهة الاحتلال. فالجهات المانحة تُمارس تضييقاً مالياً مستمرا، تحت بند “مكافحة الإرهاب”، فيُحرم من التمويل كل من يُثبت عمله كأفراد أو جماعات، بانتسابهم وإرتباطهم بأحزاب وكيانات مصنّفة على قوائم المنظمات “الإرهابية”، بحسب لوائح صادرة عن مؤسسات دولية.
وأصدرت “الحملة الوطنية لرفض التمويل المشروط” في وقت سابق، بياناً أعلنت فيه رفضها لسياسة الإتحاد الأوروبي وشروطها في تمويل الجميعات الفلسطينية. وأوضحت الحملة، أنّ اللجنة البرلمانية لموازنة الإتحاد الأوروبي للعام 2022 تتجه إلى وقف 20 مليون يورو من الموازنة المخصصة للأونروا على شرط إنصياع الأخيرة إلى شرط تغيير المنهاج الفلسطيني.
بالإضافة، إلى الاحتلال وسياسات المانحين وشروطهم، تتأثر المنظمات المدنية بالإنقسامات الفلسطينية، مع الصراع بين حركتي فتح وحماس، ينعكس تباعُداً إلى حد الفصل، للعمل المدني بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
الأونروا وإتفاق الإطار
وقّعت وكالة الأونروا ما يُسمّى بـ”إتفاق الإطار” مع الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة التمويل الأمريكي للوكالة، بعد قيام إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بقطعها. وتؤمّن الإتفاقية حصول الأونروا على دعم مالي بملبغ 135 مليون دولار، مقابل شروط أمريكية وصفتها فصائل المقاومة بالقاسية والتعجيزية والهادفة إلى تحقيق مكاسب للاحتلال.
يمسّ إتفاق الإطار بجوهر عمل المنظمة وهدفها وهو قضية اللاجئين وحقّ العودة، فإن اختلف اسم الرئيس الأمريكي، سواء كان بايدن أو ترامب، في أسلوب التعاطي مع اللاجئين، يبقى الهدف مشتركا، في إفراغ القضية من ثوابتها، من حيث تعريف المقصود بصفة اللاجئ، ليتمّ حصرها بالأشخاص المولودين قبل عام 1948، أي التعريف الأولي للاجئ قبل التوسع به في مرحلة لاحقة، ليصبح التعامل حصراً مع من يعيشون في الملاجئ، فيحصلون على بطاقة لاجئ، وعليه، يُستثنى من سجل وكالة الأونروا، كل اللاجئين الموجودين في الخارج ولا يعيشون تحت سقف المخيّمات.
حرب “إسرائيل” على المنظمات
لم يوفر الاحتلال جهة فلسطينية إلا وعمل على محاربتها، وآخر فصوله كان إدراج ستة منظمات حقوقية فلسطينية على لائحة “الإرهاب”، حيث وصفتها بمجموعات “تُشكّل شبكة من المنظمات السرية الناشطة على الجبهة الدولية نيابة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لدعم نشاطها وتعزيز أهدافها”.
يسعى الاحتلال والإدارة الأمريكية، من وراء هذا التصنيف إلى إنهاء ملف الأسرى، وخصوصاً لما تتمتع به هذه المؤسسات من مصداقية دولية، حتى يقطع العدو الطريق أمام الإستفادة من بياناتهم وشهادات أعضائهم في الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية لإدانة “إسرائيل”.
إنّ غياب الدولة الفلسطينية ومنع قيامها بمسؤولياتها الوطنية، يُحتّم وجود دور للمنظمات غير الحكومية، بما يضمن تغطية الفراغ، وهو لا يعني إنهاء العمل على تأسيس دولة حقيقية، إنّما قد يساهم هذا العمل، المقاوم والتنموي، من أحزاب وجمعيات وحركات مقاومة، في مخاض، إنشاء دولة فلسطينية ليس على مقاس إتفاقيات الإستسلام وحدودها.
*كاتب لبناني
وسوم :
إتفاق الإطار, الأونروا, الإتحاد الأوروبي, الإنقسامات الفلسطينية, الاحتلال الصهيوني, الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, الدول المانحة, اللاجئون الفلسطينيون, المجتمع المدني الفلسطيني, المنظمات الدولية, المنظمات غير الحكومية, جو بايدن, حق العودة, دونالد ترامب, صمود, مخيّمات اللجوء