عندما لا يكون كونك “مؤيدًا لإسرائيل” حقيقاً

التصنيفات : |
يناير 10, 2022 6:48 م

“إنّ أصدق أصدقاء “إسرائيل” لن يسمحوا بمثل هذا السلوك المدمر للذات ولن يتبنوا السياسات التي تحكم على إسرائيل بالعيش إلى الأبد بحد السيف، دون أن تعرف أبداً السلام والأمن الحقيقيين”.

 (بول ر بيلار)

جاء بيان مهم حول مكان تكمن فيه مصالح دولة إسرائيل ومواطنيها، في شكل أحكام خبراء من قِبل كبار مسؤولي الأمن الإسرائيليين السابقين حول خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وهي الإتفاقية متعدّدة الأطراف التي حدّت من برنامج إيران النووي. من يُصدرون الأحكام هم أناس كرسوا حياتهم المهنية للأمن الإسرائيلي. يتوجب على أي شخص معني بأمن “إسرائيل” أن يستمع إليهم. إنّ حكمهم على خطة العمل الشاملة المشتركة هو أن تراجع دونالد ترامب عن الإتفاقية في عام 2018 كان خطأً كبيرا. ويُقدّرون أنّه مهما كانت تحفظاتهم بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، فإنّها كانت أفضل من البديل، وهو ما هو موجود الآن.. برنامج إيراني غير مُقيّد ومتزايد لتخصيب اليورانيوم.

قال اللواء إسحاق بن إسرائيل، رئيس وكالة الفضاء الإسرائيلية والرئيس السابق للمخابرات الجوية الإسرائيلية: “إنّ جهود رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو لإقناع إدارة ترامب بالإنسحاب من الإتفاق النووي تُبيّن أنّها أسوأ إستراتيجية خطأ في تاريخ إسرائيل”.

يقول رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يادلين: “إنّ ما أوقف تقدُّم إيران نحو تحقيق أسلحة نووية هو الإتفاق النووي، وليس العمل العسكري”، وحقيقة أنّ إيران الآن أقرب بكثير إلى مثل هذه الأسلحة هي “بسبب السياسة الخاطئة للغاية التي إتّخذتها دولة إسرائيل”.

داني سيترينوفيتش، الرئيس السابق لفرع إيران للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، يصف الإنسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة بأنّه “كارثة”. وصف الرئيس السابق لجهاز المخابرات المدنية الموساد، تامير باردو ، الإنسحاب بأنّه “مأساة” ووصف دفع الحكومة الإسرائيلية لانسحاب الولايات المتحدة بأنّه “خطأ استراتيجي”. والعديد من الإسرائيليين الآخرين الذين تحمّلوا في السابق مسؤوليات أمنية كبيرة تحدّثوا في نفس السياق.

إنّ مثل هذه الأحكام الصادرة عن هؤلاء المحترفين الإسرائيليين ليست جديدة. كان الكثير منهم يقول أشياء مماثلة عندما دخلت خطة العمل الشاملة المشتركة حيز التنفيذ لأول مرة في عام 2015. سأل رئيس الموساد السابق إفرايم هاليفي، على سبيل المثال، وبشكل خطابي عن جهود نتنياهو لنسف الإتفاق: “ما الهدف من إلغاء إتفاق يُبعد إيران عن القنبلة؟”

كما قال الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الشاباك، عامي أيالون، في نفس الوقت تقريبا، إنّه في ما يتعلق بالقدرة النووية الإيرانية، فإنّ خطة العمل الشاملة المشتركة كانت “الخيار الأفضل”.

لا ينبغي أن يكون أي من هذه الأحكام مفاجئا. حتى التفكير لحظة، يؤدي إلى استنتاج أنّه إلى الحد الذي يمكن أن تؤثّر فيه الأنشطة النووية الإيرانية على أمن “إسرائيل”، فمن الأفضل السيطرة بكثرة على هذه الأنشطة وبإحكام، كما كانت في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة بدلاً من أن يكون لديك بديل بلا قيود ولا حدود على إنتاج إيران من المواد الإنشطارية.

إذا كان المتخصصون الأمنيون المعنيون في “إسرائيل” يتحدثون علناً عن هذا الموضوع الآن أكثر من ذي قبل، فربما يرجع ذلك إلى أنّ تجربة السنوات الست الماضية جعلت الإختلاف الكبير في نتائج سياستين مختلفتين تماماً أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. إلتزمت إيران تماماً بالقيود الصارمة التي فرضتها خطة العمل الشاملة المشتركة على أنشطتها النووية خلال السنوات الثلاث التي كانت فيها الإتفاقية سارية المفعول، وبالتالي أبقت أي طريق محتمل إلى سلاح نووي مغلقا. في المقابل، أظهرت السنوات الثلاث الماضية أنّ سياسة “الضغط الأقصى” التي انتهجها ترامب فشلت تماما، حيث أصبح مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب أكبر بعشرات المرات مما كان عليه في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة، مع التخصيب إلى مستويات أعلى من ذي قبل، ومع “وقت الإختراق” المُقدّر إذا تسابقت إيران لبناء قنبلة أصبحت الآن جزءاً صغيراً مما كان عليه بموجب الإتفاقية.

جذور السياسة الإسرائيلية

لا تعكس سياسة الحكومة الإسرائيلية أياً من هذه التقييمات وهذه الدروس من التاريخ الحديث. لا تزال حكومة نفتالي بينيت تعارض المفاوضات النووية -أو أي مفاوضات، في هذا الصدد- مع إيران. في هذا، يواصل بينيت سياسة سلفه نتنياهو ، الذي لم يدّخر جهداً في محاولة تخريب خطة العمل الشاملة المشتركة والمفاوضات التي أدّت إليها، حتى أنّه شجب السياسة الأمريكية أمام الكونغرس الأمريكي.

الولايات المتحدة ليست غريبة على القادة السياسيين الذين يتجاهلون الأحكام الصادرة عن أجهزتهم الأمنية، ويمكن أن يظهر نفس النمط في أي بلد آخر. لكنّ التناقض في “إسرائيل” بشأن هذه المسألة البارزة يتطلب مزيداً من التوضيح. تعكس سياسات بينيت ونتنياهو جزئياً ما أصبح كراهية إسرائيلية عميقة لكل ما هو إيراني، والتي تمّ تضخيمها وتشجيعها مراراً وتكراراً من خلال تصريحات القادة السياسيين الإسرائيليين أنفسهم. يمكن أن تتحد مثل هذه العداوة مع النزعة -التي تظهر كثيراً في الولايات المتحدة- للتفكير في التفاوض أو حتى التحدث مع خصم أجنبي كمكافأة لذلك الخصم.

أصبحت المعارضة الحازمة لأي تعامل مع إيران، التي تُغذّيها هذه المشاعر والميول، عادة قومية في “إسرائيل”. فالمساحة السياسية لأي زعيم لرسم مسار بديل صغيرة إلى معدومة، بالنظر إلى اليقين من أنّ الخصم السياسي سيستغل أدنى تلميح بأنّه “ليّن” مع إيران.

هناك أيضاً هدف إستراتيجي أكثر، لا علاقة له بالإنتشار النووي، من وراء السياسة الإسرائيلية. إنّ الحفاظ على إيران كدولة مكروهة ومعزولة لا يتعامل معها أحد، يخدم أغراضاً عديدة للحكومة الإسرائيلية. إنّه يُضعف منافساً مُحتملاً للنفوذ الإقليمي. إنّه يمنع أي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران، وبالتالي يساعد في الحفاظ على فكرة أنّ “إسرائيل” هي الصديق والشريك الوحيد المهم للولايات المتحدة في المنطقة. والأهم من ذلك، أنّه يوفر هدفاً لجميع الأغراض لإلقاء اللوم على أي شيء غير مرغوب فيه في المنطقة، وموضوعاً يمكن تحويل أي نقاش إليه عندما يبدأ بالخوض في أمور لا يُفضّل القادة الإسرائيليون الحديث عنها، لا سيما احتلال الأراضي الفلسطينية.

أصدقاء غير متعاونين

كل هذا له تداعيات على كيفية التفكير في المعلقين وأعضاء اللوبي والسياسيين الأمريكيين، الذين يقدمون أنفسهم على أنّهم “مؤيّدون لـ”إسرائيل””. بالتأكيد، يجب على أي شخص في الولايات المتحدة يرغب في إرتداء هذه العلامة أن يعمل على تعزيز الأمن الإسرائيلي على الأقل بقدر الأهداف الإسرائيلية الأخرى. لسبب واحد، يمكن إعتبار الأمن الأساسي لـ”إسرائيل” ومواطنيها بشكل شرعي مصلحة أمريكية أيضا -على عكس بعض السياسات والممارسات الإسرائيلية البارزة الأخرى التي لا تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، بما في ذلك التمسُّك بالأراضي المحتلة وإستخدامها لصالحها. من السكان المهيمنين أثناء قمع الآخرين من عرق أو دين مختلف.

علاوة على ذلك، حتى بالنسبة لشخص يفكر بشكل ضيق في المصالح الإسرائيلية بدلاً من المصالح الأمريكية، يجب أن يأتي الأمن أولا. إنّها المسؤولية الأساسية لأي دولة، ووظيفة الدولة الأساسية التي يرتكز عليها كل شيء آخر. لكنّ أولئك الموجودين في هذا البلد الذين، كجزء من موقفهم المفترض “المؤيّد لإسرائيل”، قد عارضوا شيئاً مثل خطة العمل الشاملة المشتركة وأشادوا بتراجع ترامب عن الإتفاق، تصرفوا فعلا -في تقييم مسؤولي الأمن الإسرائيليين المتقاعدين وكما يتضح من أحداث السنوات القليلة الماضية- بما يتعارض مع أمن “إسرائيل”.

يمكن قول الشيء نفسه عن الطريقة التي يُدافع بها العديد من “الموالين لإسرائيل” عن العذر أو يغضّون الطرف عنها أو يحاولون إسكات الإنتقاد السلمي للسياسات الإسرائيلية في ما يتعلق باحتلال الأراضي وإخضاع الفلسطينيين. بعيداً عن كونه مساهماً في الأمن الإسرائيلي (ما هي، بالضبط، القوة الخارجية التي ستهاجم “إسرائيل” عبر الضفة الغربية؟)، فإنّ الاحتلال ينتقص منها. التكلفة المالية الإضافية وحدها لغياب السلام مع الفلسطينيين هي تكلفة كبيرة لـ”إسرائيل”.

علاوة على ذلك، فإنّ المشروع الإستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية ينتقص من أمن “إسرائيل” بطرق متعددة. وكما قال مركز الأبحاث الإسرائيلي المستقل “مولاد” بجدارة ، إنّ وجود مدنيين إسرائيليين يعيشون في جميع أنحاء الضفة الغربية لا يساعد في الدفاع عن الدولة؛ بدلاً من ذلك، يثقل كاهل قوات الأمن، ويُمثّل إستنزافاً لميزانية الدفاع الوطني، ويعقّد عمل الجيش بإطالة خطوط الدفاع. بدلاً من التركيز على مكافحة الإرهاب ضد إ”سرائيل”، يتعيّن على قوات الأمن تحويل موارد كبيرة لحماية المواطنين الذين اختاروا العيش في قلب الأراضي الفلسطينية.

وبالتالي، فإنّ منظمة مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، التي تُعلن عن نفسها على الصفحة الرئيسية لموقعها على الإنترنت بأنّها “اللوبي الأمريكي المؤيد لـ”إسرائيل””، عملت في جوانب مهمة ضد المصالح، وخاصة المصالح الأمنية لـ”إسرائيل”. وينطبق الشيء نفسه على مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، التي تتحرك في إتجاهات مماثلة مفترضة “مؤيّدة لـ”إسرائيل”” مثل (AIPAC)، وتعتمد على مصادر مماثلة للدعم المالي، وتخصّصت في معارضة الدبلوماسية مع إيران في كل منعطف، مع الهدف النهائي الواضح هو الحرب مع إيران.

ما تدعمه هذه المنظمات، وغيرها من الجماعات والأفراد الذين يطرحون موضوعات مماثلة، ليس المصالح الإسرائيلية، وبالتأكيد ليس في ما يتعلق بالأمن الإسرائيلي، بل إنّهم يدعمون السياسات الحالية للحكومة الإسرائيلية. هذا شيء مختلف في “إسرائيل”، في الولايات المتحدة أو في أي دولة أخرى. يجب أن يفهم هذا التمييز كل شخص في الداخل أو في الخارج، على سبيل المثال، إنتقاد إدارة بايدن بسبب سياستها المتعلقة بأفغانستان أو بعض الأمور الأخرى المتعلقة بالأمن، مثل هذا النقد لا يجعل الناقد أقل “موالية للولايات المتحدة” من شخص يدعم سياسات الإدارة باستمرار.

معظم أولئك الذين يُموّلون أو يعملون في منظمات مثل (AIPAC) و (FDD) هم بالتأكيد مدفوعون بالحب الحقيقي لـ”إسرائيل” ومعجبون بها. (من الصعب قول الشيء نفسه عن العديد من السياسيين الذين يرون تسمية “مؤيّد لـ”إسرائيل”” بشكل أكثر فاعلية كمسار لمساهمات الحملة الإنتخابية أو التصويت). بهذا المعنى المحدود، فهم أصدقاء لـ”إسرائيل”. لكنّهم أصبحوا أصدقاء يقومون بتمكين السلوك المُدمّر للذات من قبل الشخص، أو في هذه الحالة، يكونون قد أقاموا صداقة. لن يسمح الأصدقاء الحقيقيون لـ”إسرائيل” بمثل هذا السلوك ولن يتبنّوا سياسات تحكم عليها بالعيش إلى الأبد بحد السيف، ولا تعرف أبداً السلام والأمن الحقيقيين، وتضطر باستمرار إلى محاربة النقد المشروع من خلال وسائل مُلتوية مثل وصف منظمات حقوق الإنسان بأنّها الجماعات الإرهابية.

المصدر: The National Interest


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,