عن أيّ “قصص فلسطينية” تحكي نتفلكس

التصنيفات : |
يناير 12, 2022 9:22 ص

*فاطمة شاهين

          “الآن يمكن للناس أن يعرفوا الحقيقة”

ربما تكون هذه الجملة التي قالها المخرج الفلسطيني أمين نايفة، هي الحاجة الرئيسية التي تقف خلف صناعة السينما الفلسطينية، وضرورة إيصالها إلى العالمية. أما “الآن” التي وردت في حديثه إلى موقع CNN الإخباري، فتعني 14 تشرين الأول من العام المنصرم، توقيت إطلاق منصة البث التدفقي، نتفلكس، لسلسلة “قصص فلسطينية” تحتوي على 32 فيلماً “من إخراج صانعي أفلام فلسطينيين أو حول قصص فلسطينية” كما ورد في موقع المنصة، بحيث أصبحوا متاحين عبرها لكل المشتركين حول العالم.

بين إنتاج العام 1996 حتى إنتاج العام 2020، تتوزع الأفلام الإثنان والثلاثون، وتتنوع بين القصيرة والروائية الطويلة، إضافة إلى ثمانية أفلام وثائقية، كما تختلف في مدتها، فنجد أقصرها فيلم أمين نايفة ذا العشر دقائق، “العبور” (2017)، وهو من تأليفه وإخراجه، وصولا ً إلى الوثائقي الأطول في ساعتين وعشر دقائق “طريق سموني” (2018) الفائز بجائزة العين الذهبية في مهرجان كان السينمائي لمخرجه الإيطالي ستيفانو سافونا.  

تبرز إذاً أفلام الجوائز في هذه السلسلة، فنجد أيضاً فيلمين للمخرجة الفلسطينية ماري آن جاسر، وقد عُرضا لأول مرة في مهرجان كان السينمائي، وهما الفيلم القصير “كأننا عشرون مستحيل” (2003) وفيلمها الروائي الأول “ملح البحر” (2008).

من الحصار، إلى التضييق، إلى نهب الممتلكات، إلى تفريق شمل العائلات، الحرب والمجازر، جدار الفصل العنصري، إلى تحطيم الأحلام الصغيرة منها والكبيرة، كلها جوانب من معاناة الشعب الفلسطيني في ظل وجود الاحتلال وممارساته، تتناولها هذه الأفلام، سواء اتسعت بقعة الضوء في إبرازها أو خفتت، تبقى في عرضها على منصة عالمية سبيلاً لإظهار هذه المعاناة وفضح الممارسات الإسرائيلية أمام العالم.

فلا يحتاج المخرج أمين نايفة، أن يذكر في مقابلته مع موقع الوطن نيوز الإخباري، أنّ فيلم العبور هو تجربة شخصية عاشها في سن التاسعة عشر، فمشكلة الحواجز الإسرائيلية والتصريحات وعبور حاجز جدار الفصل العنصري، كلها قصص حقيقية يومية يعيشها كل فلسطيني في أرضه المحتلة. إستطاع نايفة في عشر دقائق، وفي قصة شابين وفتاة، أن يعكس عنجهية المحتل الصهيوني، تجاه الفلسطينيين، وكيف يكرّس جدار الفصل العنصري، بل وجود المحتل أساسا، ممارسات تقييد حركتهم، حركة العبور الطبيعية الإنسانية لرؤية جدّهم.

وكذلك، إستطاعت المخرجة آن ماري جاسر، في “كأننا عشرون مستحيل”، الذي تمّ ترشيحه لجائزة الأوسكار النهائية، وفي 16 دقيقة، أن تنقل قصة شبان وفتاة، يُمنعون، لأسباب تعسفية غير واضحة من قِبل حاجز إسرائيلي من العبور نحو القدس لتصوير فيلم، الأمر الذي يهدد بدوره، تحقيق شابٍّ منهم حلمه في التمثيل.

ويستخف الإعلام الإسرائيلي بهذه الخطوة، فقد فردت صحيفة هآرتس مقالاً إعتبرت فيه أنّ هذه السلسلة التي أطلقتها نتفلكس “ليست مُدعاة للاحتفال”، وأنّها ليست بخطوة شجاعة بل تجارية بحتة. مضيفةً إلى أنّ “جميعها تُركز على الضحية والاحتلال، بدلاً من الجرأة على مواجهة القضايا الفلسطينية الداخلية”. وفي هذا المقال، محاولة واضحة يستخدمها المحتل في كل الممارسات، لتهميش دور الاحتلال كمسبّب ومحور لكل هذه المشكلات والقضايا والمعاناة، وقلب المسألة بتحميل الفلسطيني مسؤولية معاناته.

ولكن، في العودة إلى خطوة نتفلكس، وعلى الرغم من أهميتها في إيصال الأفلام إلى شرائح أوسع من العالم، تبقى هذه الخطوة ناقصة. فالوصول إلى العالمية لم يكن يوماً معياراً لإيصال الحقيقة كاملة، فها هو فيلم أميرة (2021)، والذي أخرجه المصري محمد دياب، قد عُرض في مهرجان البندقية ومهرجانات عربية، ووصل إلى حد ترشيحه لجائزة الأوسكار، قبل سحب هذا الترشيح من قبل الهيئة الملكية للأفلام في الأردن، ومنع عرضه. فقد أثار الفيلم في طريقة طرحه قضية النُطف المحرّرة للأسرى غضباً واسعا، عبّر عنه البيان المشترك لمؤسسات الأسرى في وصف طريقة الطرح هذه بأنّها “تتساوق بشكل مباشر مع رواية الاحتلال، بتجنٍّ كامل على الحقيقة”.

          ولا بد من التوقف قليلا هنا، والسؤال، هل يمكننا حقاً أن نركن إلى منصةٍ أمريكية كي نُحقّق مقولة المخرج أمين نايفة “الآن يمكن للناس أن يعرفوا الحقيقة”؟ هل باتت نتفلكس بهذه الخطوة، مناصرة للقضايا العربية، وقضية فلسطين، بحيث نشاهد يوماً ما فيلماً أو سلسلة وثائقية تعرض المقاومة المسلحة ضد العدو الإسرائيلي؟ وهل ستسمح بعرضه كعدو أصلا؟ أم سيبقى العرض مجرّداً من ماضيه وجذره، ممسوخاً في نزاعٍ بين طرفين؟ هل يمكن أن يشاهد العالم، فعلاً على مثل هذه المنصات، الحقيقة كاملة؟

*كاتبة لبنانية


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,