محمود عباس وعام 2021
يناير 12, 2022 7:03 م*منير شفيق
لم يمر على محمود عباس خلال 86 عاماً أسوأ من العام 2021. والطريف أنّه لا يشعر بذلك، وحوله من وصف لقاءَه ببيني غانتس، وزير الحرب الصهيوني، بإعتباره فعلاً شجاعا، وإنجازاً هاماً (وفي القلب تاريخيا)، وقد كان خاتمة عام 2021.
من تأمّل حال محمود عباس في الأيام التي عُرفت بإسم وحدة الشعب الفلسطيني، أو بإسم حرب سيف القدس، سيجده في أسوأ حال مرّ عليه في رئاسته طوال 16 عاماً تحديدا، أو مرّ به طوال سنين عمره.
فكل ما راهن عليه، وسعى إليه خلال العام السابق لتلك الأيام فشل، وأي فشل، وكان قد فشل قبل أن تندلع المواجهات في باب العامود أو الشيخ جرّاح أو المسجد الأقصى، وذلك من خلال إعلانه تأجيل الإنتخابات، وهو الذي أصدر المراسيم المُدويّة لإطلاقها، وأراد من الشعب الفلسطيني وقواه السياسية أن يُعلقوا الآمال العريضة عليها، وإعتبارها بمثابة طوق النجاة من الغرق، للإنطلاق نحو تحقيق الهدف “الأسمى” الذي هو حلّ الدولتين، وتحت راية “الشرعية” الدولية.
بغض النظر عما قد يحتجّ به من أسباب أدّت إلى إلغاء الإنتخابات، حتى لو كان على رأسها ما أحدثته من تصدّع داخل فتح، أو ما لوّحت به من هزيمة إنتخابية نكراء، أو أشدّ نكراً عليه من إنتخابات 2006، فإنّ إلغاءها كان إعلان فشل صارخ له، ولكل من يراهن على إنتخابات فلسطينية، في ظرف تحتدم فيه المواجهة مع الاحتلال والإستيطان، وضم القدس وتهويدها، وتفاقم إنتهاكات المسجد الأقصى. وهذا عقاب عملي لكل من لا يرى أين الأولوية في الصراع مع الكيان الصهيوني، أو في مواجهة المؤامرات التي تتعرض لها القضية الفلسطينية.
هذا، وراح محمود عباس يلملم فشله أيضاً في كل ما حاول الوصول إليه تحت دعوة المصالحة، أو إنهاء الإنقسام، أو إعادة بناء منظمة التحرير التي جفّت عروقها وأصبحت كعجز نخلة خاوية، أو إعادة تجديد “الشرعية الفلسطينية” التي ذهبت إلى كارثية إتفاق أوسلو بتنازلها عن 80 في المائة من فلسطين، وإعترافها بالكيان الصهيوني الإقتلاعي الإحلالي المغتصِب العنصري المجرم؛ غير الشرعي 35.
وكان على محمود عباس أن يتراجع أيضاً عن كل الوهم الذي أشاعه في لقاء الأمناء العامين، ومن بعده المباحثات الثنائية بين فتح وحماس. ولكن جاءته الضربة القاسية، غير المتوقعة، من الصدام الذي خاضه شباب القدس ضد وضع الحواجز الحديدية للسيطرة على باحة باب العامود، وقد فرض على العدو تراجعاً مُذلاً برفع الحواجز، ثم تبعته مواجهات في الشيخ جرّاح، دفاعاً ضد الإقتلاع والترحيل، ثم المواجهات الأشد لمنع إقتحام أكثر من مائة ألف مستوطن للمسجد الأقصى، مما أطلق قرار المقاومة في قطاع غزة بتوسيع قواعد الإشتباك لتشمل المسجد الأقصى، معلنةً حرب سيف القدس، لتبدأ الصواريخ تجول وتصول.
فقد كان قراراً صائباً بمستوى معركة الكرامة في آثاره السياسية، وسمح للمقاومة في قطاع غزة أن تمتلك زمام المبادرة، وإذا بإنتفاضة شبابية هائلة غير منتظرة تندلع في مناطق الـ48 في اللد ويافا وعكا وقرى الجليل، معلنةً أنّ فلسطين لنا، كل فلسطين لنا، ثم لتمتد أذرع الإنتفاضة في الضفة الغربية وتضرب في رام الله حيث معقل محمود عباس وقوات التنسيق الأمني، الأمر الذي وضع محمود عباس في مأزق لم يعرف مثله من قبل. فخطه السياسي كان مُمرغاً في طين الفشل، وخطه في التنسيق الأمني أصبح فضيحة بمواجهته للإنتفاضة في الضفة الغربية.
والأهم أنّ كل المساعي من بعض العرب المتطوعين للتوسط، أو المُكلَّفين به، لم يسألوا محمود عباس (الرئيس) عن رأيه في وقف إطلاق النار، أو في شروطه. فقد عاملوه كواقف على قارعة الطريق، في ما الذين سيقررون، وبيدهم القرار، يقبعون خلف الصواريخ في قطاع غزة، ومعهم زملاؤهم في قيادة المقاومة في الخارج.
فهل هنالك وضع يحلّ بالرئيس محمود عباس أسوأ من هذا الوضع، وهو أمر يدركه مهما كابر في رفضه، أو محاولة تخطيه، أو التعايش معه لاحقا، كما فعل حتى الآن؟ وقد لحق به مأزق آخر عندما أخذت تندلع معارك مواجهة في بيتا، وبرقة وبزارية، والناقورة، وسيلة الظهر، وجبع، وعرابة، واليامون، وغيرها مع كل الحب والتقدير.
وكان لفتح فيها جميعاً نصيب مقدّر يفترض به أن يعوّضها ما ألحقته سياسات عباس بها من أضرار فادحة، ولكنّه راح يَلبُد ما حرثته فتح عندما ذهب إلى لقاء بيني غانتس، والإتفاق معه، بعد تبادل الهدايا، على إستمرار التلاقي مع تصعيد التنسيق الأمني، طبعاً إلى جانب حلحلة مالية مقابل ذلك.
هذا اللقاء شكّل طعنة في خاصرة فتح التي تململت لتأخذ موقفاً في مواجهة المستوطنين وإستفزازاتهم، مما راح يهدد مع إنضمامه إلى جهود المقاومة والإنتفاضة، باندلاع مواجهات كبيرة ضد الاحتلال والإستيطان. ومن هنا كان التحرك السريع من جانب عباس باتجاه غانتس لإحباط ذلك، وللأسف ليس هنالك من تفسير غير هذا.
حقاً لقد بلغ السيل الزبى، وكان على فتح أن تصرخ، فلم تصرخ.
ولكن السؤال من الجهة الأخرى: ما العمل؟ وما الحل؟ الجواب ببساطة (قبل أن تذهب إجابات شتى كل مذهب): اتركوا عباس وشأنه، فهو كفيل بنفسه يخرب بيته بيديه، واتركوا فتح وشأنها معه، ومع نفسها، فلن تسمع ممن خارجها، ولا تستطيع.
أما في المقابل، فليواصل شباب الضفة المواجهة مع المستوطنين والاحتلال، وليتابع مُصلّو الفجر العظيم وحُماة المسجد الأقصى مواجهة التحديات الزاحفة لإقتسام الصلاة فيه، وإشعال الشمعدان على أرضه، والإحتفال بعيد “الأنوار”.
ولتستمر مقاومة سيف القدس في التهيئة لجولة حرب قادمة سيفرض خوضها إعتداءات المستوطنين على الشيخ جرّاح، وسلوان، والقدس القديمة، والحرم الإبراهيمي، والمسجد الأقصى، وسيتفاقم الإستيطان.
أما حماس وحركة الجهاد والجبهة الشعبية فأمامها أن تتدارس تشكيل جبهة عريضة تفتح لتضم الفصائل والقوى الحيّة، ليس لإعادة بناء منظمة التحرير؛ وإنّما لمواجهة تحديات المستوطنين، والسعي لجولة ثانية من إنتفاضات شبابية في الضفة ومناطق الـ48، ولسيف القدس رقم 2.
وبكلمة، من لا يذهب في طريق مواجهة الاحتلال والإستيطان والكيان الصهيوني. وهدفه تحرير كل فلسطين، سيجد نفسه على قارعة الطريق، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
*المصدر: العربي 21 بتاريخ 5/1/2022
وسوم :
أحداث الشيخ جرّاح, إتفاق أوسلو, التنسيق الأمني, الفصائل الفلسطينية, المسجد الأقصى, المقاومة الفلسطينية, اليان الصهيوني, باحة باب العامود, بيني غانتس, حركة حماس, حركة فتح, سيف القدس, صمود, محمود عباس, منظمة التحرير الفلسطينية, منير شفيق