أطفال “الحنون” للاحتلال: “كِشّ ملك”
يناير 17, 2022 1:54 م*خاص – صمود:
داخل غرفة صغيرة تستقبلك لوحة تختلف عن الملصقات التي تغطي جدارن مخيّم شاتيلا، المليئة بشعارات وأعلام الفصائل الفلسطينية وشخصياتها القيادية، على الحائط ملصق للعبة الشطرنج يحيط بها العلم الفلسطيني والكوفية، لتدخل في مكان، ربما، تحرص وسائل إعلامية على الإبتعاد عنه كونه يُقدّم صورة أخرى عن اللاجئين الفلسطينيين، لا تريد جهات سياسية الإضاءة عليها.
“الملتقى الفلسطيني للشطرنج”، بهذه الكلمات يُعرّف المكان عن نفسه ونشاطه، صور جورج عبد الله وسماح إدريس وجورج حبش معلقة على الحيطان، كتب تملأ رفوف المكتبة الخشبية، ورسوم للأطفال عبّروا فيها عن أفكارهم تجذب العين بمواضيعها، مثل رسمة تشير إلى إتجاه فلسطين من منطقة الناقورة في جنوب لبنان لتوزايها رسمة مناهضة للعنف الأسري.
يجلس محمود صالح هاشم، الكاتب ومؤسّس الملتقى، متحدثاً عن المخيّم والأرض والمركز والأطفال، هي ليست أسماءً لكيانات مختلفة بالنسبة له، إنّما طريق كل دروبها تؤدي إلى فلسطين.
لماذا الشطرنج؟
عن سبب إختياره لعبة الشطرنج، يقول: “اللعبة كفيلة بتنمية القدرات الذهنية وتساهم في التمييز بين الخطأ والصواب”، ليوضح بأنّ: “كل عملنا يصب بإتجاه فلسطين، العمل الوطني وليس السياسي، نحن لا نريد إعادة إنتاج الفشل كحال الفصائل الفلسطينية، فأساس خدمة قضيتنا هو تنمية قدرات الأطفال وتعزيز مواهبهم، ليبتعدوا عن الآفات الخطيرة الموجودة في المخيّم، المخدرات مثلا”.
يبلغ عدد الأطفال ستين فتاة وفتى من أبناء المخيّم، تتراح أعمارهم بين 7 و15 عاما. يعتبر صالح أنّ الطفل في مرحلة معينة يجب أن يكون مسؤولا، وعن كيفية تمكينه من تحمُّلها، يشير إلى الهيكل الإداري للملتقى: “لدينا إنتخابات سنوية للأطفال، يختارون سبعة أشخاص لعضوية للهيئة الإدارية، وتجري الإنتخابات تحت إشراف متطوعين، يجتمعون وينتخبون رئيس الهيئة والأعضاء ثم يتمّ توزيع العمل على اللجان التي تتشكل ضمن الإجتماع، ويعملون على إعداد الأنشطة لمدة سنة كاملة، وهناك سلطة أعلى منهم، هي الهيئة التأسيسية، المؤلَّفة أيضاً من الأطفال الأقدم في المركز”.
فعلاً لا قولاً
حين يتحدث محمود صالح عن تفاصيل العمل مهما كانت بسيطة يربطها بالعمل الوطني، ويؤكد: “نحن نضع خطة واضحة، لا نرفع شعاراً أكبر من قدرتنا على تنفيذه كما تفعل القيادات السياسية، وهي لا تستطيع أن تحارب الفساد ضمن مؤسساتها، شعارنا يجب أن يُنجز وأن يكون قابلاً للتنفيذ، ومن ثم ننتقل إلى المرحلة الثانية”.
أثناء الحديث مع “الحنون”، وهو لقب يشتهر به في أوساط المخيّم، يدخل شاب صغير بإبتسامة بسيطة، ليعرّف عنه محمود صالح، أيمن عضو الهيئة الإدارية، وهو إبن الـ13 ربيعا، لينضمَّ إلى حوارنا، مُصغياً ومُدركاً لكل كلمة، إن كان الحديث عن نشاط الملتقى أو عن التعقيدات السياسية للقضية.
تتنوّع نشاطات الملتقى، من دروس تعليم الشطرنج وساعة قراءة أسبوعية، إلى عروض أفلام وندوات حوارية، إضافة لتمارين الدبكة بهدف المحافظة على تراث البلاد كونه جزءاً من الهوية الفلسطينية.
يضع الملتقى أدبيات محددة، فيُحرّم دخول منتجات داعمة للاحتلال ضمن سياسة المقاطعة للبضائع، ويَمنع الحديث بالدين والسياسة، ولا يسمح بالتمييز بين فلسطيني وسوري.
لا للتمويل السياسي
يرفض صالح أن يكون المركز تابعاً لجهة سياسية أو منظمة مانحة: “لا نقبل الدعم الدولي لأنّ من يدعم يفرض شروطه ويُجرّدك من إستقلاليتك ووطنيتك ويدفعك لتؤمِن بالسلام مع العدو على أساس حلّ الدولتين، نحن مؤمنون بأن فلسطين هي من النهر إلى البحر، نحب السلام ولكن العادل، الذي يعني أنّ الاحتلال هو إرهاب، ويجب أن يندحر من فلسطين”.
يشير “الحنون” إلى وجود متطوعين أجانب، مؤمنين بعدالة القضية، كانوا يؤمنون بحلّ الدولتين ولكنّهم عملوا على إقناعهم بأنّ “الإسرائيليين” إرهابيون، ليؤمِنوا بعدها بحقّ الشعب الفلسطيني بأرضه كاملة.
بالنسبة لمحمود صالح، إنّ الدعم الدولي هو خط أحمر، فيقول: “لا يجب أن نكون سلعة في سوق الجمعيات، نرفض تحويل الطفل إلى مُتسوّل على أبوابهم، فنحن بذلك نساعدهم على تجريده من المبادئ وتهميش شخصيته وتربيته على النفعية، يجب أن يكون الولد منتمياً للمكان، والإنسان المنتفع يُشرى ويُباع”.
سأحدّثكم عن أيمن
ما يعمل عليه المركز لتحقيقه ليس بحاجة لورقة وقلم ليصل إلى نتائج واضحة، يكفي أن تسأل أيمن عن فلسطين حتى ينطق لسانه بما صمت عنه الكبار، وقبل أن تصل بسؤالك، الذي يعتبره الكثيرون أنّه أصبح وهماً أو مُعقّدا: “هل تؤمن بتحرير فلسطين؟” فلا ينتظر التفكير وبدون تردد، ليجيبك: “أكيد، فلسطين مزروعة في قلوبنا ولن نتخلى عنها، حتى آخر شبر سنحررها، هي مزروعة في وعينا، والفكرة نمت أكثر بفضل عمي “الحنون”، واتّسعت في عقولنا أكثر، هي أغلى من حياتنا ومستعد أن أفديَ بروحي.. فلسطين”.
يُدرك أيمن أنّ القضية ليست مجرد شعار إنما أسلوب حياة يومية، فيوضح أنّه “بالتعلُّم نستطيع محاربة العدو الصهيوني، ليس كل شيء بالسلاح، بالعلم أيضاً يمكننا مواجهته حتى التحرير”، ليدخل صالح على الخط ويقول: “هي مدرسة جورج حبش وسماح إدريس وجورج عبد الله وناجي العلي وغسان كنفاني، لم يصافحوا ولم يتنازلوا، نحن نأخذ الدروس منهم ونعطي دروساً عنهم”.
وسوم :
أطفال الشطرنج, التراث الفلسيني, اللاجئون الفلسطينيون في لبنان, الملتقى الفلسطيني للشطرنج, جورج حبش, جورج عبد الله, سماح إدريس, صمود, غسان كنفاني, لعبة الشطرنج, محمود صالح هاشم, مخيّم شاتيلا, ناجي العلي