إنّه الأكثر هدوءا..
يناير 22, 2022 12:00 م*وفيق هوّاري – صمود:
“المية ومية” مخيّم صغير يقع على الطرف الغربي من بلدة المية ومية القريبة من مدينة صيدا. بُنيت مساكنه على تلة تبعد أربعة كلم إلى الشرق من مدينة صيدا، وهو يطلّ على مخيّم عين الحلوة، أكبر المخيّمات الفلسطينية في لبنان.
في عام النكبة ١٩٤٨، لجأت إلى هذا المكان عائلات تركت منازلها وممتلكاتها قسراً في صفوريه، الجش، ميرون، دشوم وطيرة حيفا. لكنّ هذه العائلات عانت مجدداً “الأمرّين” خلال وجودهم في هذا المخيّم.
إستأجرت وكالة الأونروا أرض المخيّم رسمياً عام ١٩٥٤ من أصحابها الأصليين، لكنّ المخيّم توسّع بعد عام ١٩٦٩، وصار يُقسم إلى قسمين: القسم الأول، المخيّم التحتاني. والقسم الثاني، المخيّم الفوقاني.
الأمن والأمان
عام ١٩٨٢، إجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلي المنطقة، وتعرّض المخيّم التحتاني إلى الحرق وتهجير أهله الذي لجأ قسم كبير منهم إلى المخيّم الفوقاني، في ما لجأ قسم آخر إلى خارج المخيّم. وبعد مقتل الرئيس اللبناني بشير الجميل في أيلول/سبتمبر ١٩٨٢ تعرّض أهالي المخيّم لتهجير وتخويف كبيرين. كذلك حصلت حوادث عسكرية مختلفة خلال حرب شرق صيدا عام ١٩٨٥، ليعود ويعاني أهله من المعارك التي حصلت في تموز/يونيو ١٩٩١، عند دخول الجيش اللبناني إلى المنطقة، ويومها دُمّر نحو ١٥ % من منازله، بالإضافة إلى المدرسة ومركز توزيع الإعاشات التابعين للأونروا.
وشهد “المية ومية” نزاعات مسلحة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة على خلفيةمن يسيطر على المخيّم، وانتهت المعارك بإنسحاب “أنصار الله” وهو تنظيم إسلامي على علاقة وثيقة بحزب الله، وإمساك الجيش اللبناني بمداخل المخيّم، ويلاحظ من يزور المخيّم خُلوّه من المظاهر المسلحة، الموجودة في المخيّمات اخرى.
ديموغرافيا المخيّم
لا يوجد إحصاء دقيق للمقيمين في مخيّم “المية ومية”، لكنّ إحدى الناشطات تشير إلى أنّ عدد المقيمين حالياً لا يتجاوز الخمسة آلاف شخص. حتى أنّ عدد العائلات الفلسطينية التي لجأت إليه من سوريا تتناقص بسبب الهجرة إلى أوروبا أو الإنتقال إلى أماكن أخرى.
من يجول في طرقات المخيّم الضيقة، يلاحظ غياب المؤسسات الإقتصادية المختلفة وإقتصارها على عدد محدود من الحوانيت التي تؤمّن إحتياجات المقيمين البسيطة، إذ يلجأ الأهالي إلى التسوق من صيدا أو من مخيّم عين الحلوة القريب.
يشير أحد الناشطين إلى ارتفاع نسبة المتعلمين بشكل لافت، وخصوصاً خرّيجي الجامعات الأجنبية، لكنّ معظمهم يعمل خارج لبنان.
ويعمل قسم كبير من أهالي المخيّم بمهنٍ تتعلق بقطاع البناء، كما نجد أعداداً ملحوظة تعمل بمهن حرفية لها علاقة بالسيارات والكهرباء.
طرقات المخيّم نظيفة ونادراً ما يرى الزائر نفايات في الشوارع، لأنّ المستوعبات موزّعة بطريقة صحيحة في كل الأحياء، والناس تلتزم بإيصال النفايات إلى المستوعبات.
أدوات العيش
في “المية ومية” مدرسة إبتدائية ومتوسطة تابعة للأونروا، هي مدرسة عسقلان وتضمّ أكثر من ٦٠٠ تلميذ من المقيمين في المخيّم.
كما يوجد روضتان للأطفال، الأولى تحمل إسم روضة الشهيدة هدى زيدان، وهي على علاقة بالإتحاد العام للمرأة الفلسطينية، والثانية تحمل إسم روضة براعم الإيمان وهي على علاقة بحركة حماس.
تُقدّم عيادة الأونروا خدماتها الطبية على مدى ٣ أيام أسبوعيا، ويجد المريض الأدوية الأساسية في صيدلية الأونروا، ولكن مؤخراً بدأت الأدوية بالنفاذ وفقدان الكثير منها.
من جهة أخرى، يعاني اهالي المخيّم من إرتفاع فواتير مولدات الكهرباء مقارنةً مع الأسعار التي يدفعها أهالي مدينة صيدا، “ولكن لا خيار آخر لدينا” حسب تعبير إحدى السيدات.
ويبدو أنّ المخيّم قادم على تغيير بشبكات توزيع الكهرباء، خصوصاً أنّ الصليب الأحمر الدولي بصدد مدّ شبكة كهربائية جديدة وإقامة محطة تحويل جديدة لأنّ هناك خطرا حالياً بسبب تآكل الخط الرئيسي في المخيّم.
المشهد الفلسطيني
على الصعيد السياسي، تنشط في مخيّم المية ومية فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك حركة حماس والعلاقة بين الطرفين جيدة، ولم يشهد المخيم أي نزاع بين القوى المختلفة خلال الفترة الماضية.
وترعى لجنة شعبية واحدة في المخيّم الشؤون الإجتماعية والمدنية للأهالي، وهي لجنة شعبية تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتضمّ عدداً من النساء الناشطات في المجتمع المحلي. ومن مشاريع اللجنة الشعبية التي تسعى إلى تحقيقها: مشروع إضاءة شوارع المخيّم عبر الطاقة الشمسية.
وينسحب على أهالي “المية ومية” الإنهيار المالي والإقتصادي الذي يعاني منه المقيمون في لبنان، لكنّ وضع المقيمين في المخيّم أفضل نسبياً من المقيمين في المخيّمات الأخرى، وتوضح إحدى الناشطات ذلك بالقول: “عدد كبير من الأشخاص يتقاضون رواتبهم بالعملة الأجنبية إن كانوا في فصائل منظمة التحرير أو في حركة حماس، كما أنّ عدداً من العائلات تستفيد من مساعدات أبنائها العاملين خارج لبنان، بالإضافة إلى ذلك، هناك ظاهرة تكافل إجتماعي واضحة، إذ يُقدّم البعض مساعدات مالية للأُسر التي يقتصر مدخولها على العملة اللبنانية أو التي لا مدخول لها أساسا.
في مخيّم المية ومية ظاهرة إجتماعية تُميّزه عن المخيّمات الأخرى، وهي وجود “مضافة” لعائلة كعوش من ميرون، أُقيمت “المضافة” بعد النكبة وبناء المخيّم، وتُشكّل مكاناً مفتوحاً للإستقبال وإقامة المناسبات الإجتماعية المختلفة، وهي جزء أيضاً من التقاليد والعادات الفلسطينية المستمرة.
وسوم :
أنصار الله, الأونروا, الاجتياح الإسرائيلي, الاحتلال الصهيوني, الشتات الفلسطيني, الصليب الأحمر الدولي, اللجان الشعبية, المضافة, حزب الله, عسقلان, عين الحلوة, فلسطين المحتلة, فلسطين المحتلة صمود, مخيّم المية ومية, مخيّمات لبنان, مدينة صيدا, وفيق هوّاري