الدَّحْلان

التصنيفات : |
فبراير 11, 2022 10:18 ص
دحلان مع خالد أبو النور (مسؤول منطقة الشمال)

*خاص – صمود:

تتفاوت الآراء ووجهات النظر حول المسؤول الفلسطيني محمد دحلان، وما يُمثّله من حالة فلسطينية جديرة بالقراءة والدراسة.

البعض ينظر إليه كحالة سياسية، والبعض الآخر يرى أنّ دوره يقتصر على الجانب الأمني، وآخرون ينسبون إليه أدواراً إقليمية عدة.

يروي أحد النشطاء الفلسطينيين القدماء والمقيم في لبنان، حادثة حصلت معه في فلسطين حين زارها للمشاركة في مؤتمر لحركة فتح: “عُقد المؤتمر في قاعة كبيرة لمعهد تدريس في بيت لحم. وكان عدد المشاركين يقارب ١٢٠٠ شخصا، يتقدمهم أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري، وكان أعضاء المؤتمر يقدّمون مداخلاتهم، وأبواب القاعة مفتوحة والأحاديث الجانبية مستمرة، وكثير من المشاركين كان يخرج من القاعة للتدخين، كنت أضطر للتقدم والجلوس في الصفوف الأمامية لسماع المداخلات، وفي اليوم الذي قدّم فيه الرئيس محمود عباس مداخلته، أقفل أمن الرئاسة الأبواب وفرض الهدوء في القاعة للإستماع للأخ محمود عباس. وفي اليوم الذي تلاه، كانت هناك مداخلة للأخ محمد دحلان، كانت الأبواب مفتوحة وغابت الإجراءات الأمنية، لكنّ الصمت كان سيد الموقف، الجميع يصغي، ويستمع إلى مداخلة دحلان التي تحدث فيها عن مجريات معارك غزة حين استولت حماس عليها، وعن أسباب هزيمة فتح.”

كاريزما الداهية

يصف الناشط الفلسطيني دحلان: “أعتقد أن لديه شخصية مميزة، وما يحصل حالياً لا علاقة له بخلافات سياسية. أذكر يومها، أنّ عدداً من مسؤولي فتح في لبنان كان يتوسط لعقد لقاء مع دحلان، وبعضهم طلب ذلك من رمضان أبو جزر ومن أبو علي شاهين الذي كان يحتل الموقع الثالث في غزة بعد دحلان والمشهراوي”.

من هو محمد دحلان وكيف ينظر فلسطينيون إليه من مواقع مختلفة؟

يقول ناشط فلسطيني: “برز محمد دحلان خلال إنتفاضة ١٩٨٧، وكان من كوادر فتح الشابة التي اكتسبت خبرات متطورة في مجالات مختلفة، وصعد إلى مواقع تنظيمية مختلفة مع عدد من المناضلين الذين أُطلق عليهم اسم أبطال الإنتفاضة. إحتضنه القائد أبو عمار كما إحتضن جبريل الرجوب إبن الضفة.

ما يميز تلك المرحلة بروز حالة جديدة من القيادات، التي أسست الشبيبة الفتحاوية، التي ربطت الدم الجديد الشاب الذي برز في إنتفاضة الحجارة بالعمل السياسي الوطني”.

يضيف الناشط: “كان لدحلان خاصية تُميزه عن غيره حتى في وسط القيادات الجديدة، إذ أسّس وبنى نفوذه الشخصي بإستثمار الدور الذي لعبته الصيغة الجديدة عبر الشبيبة الفتحاوية، فكان إذا انتقد أحدهم المشهراوي مثلا، يأتي الجواب جاهزا: إنّه من مؤسسي الشبيبة وكان له دور أساسي في إنتفاضة الحجارة.

لذلك، أعتقد أنّ ما عشناه خلال الفترة الماضية هو صراع بين أجيال وليس إنشقاقا سياسياً لخلق حالة منظمة مستقلة. وما يُطلق على وصفه بالتيار الإصلاحي ما هو إلا قاعدة خلاف مع الرئيس محمود عباس، والجميع يعلم أنّ دحلان كان مُمسكاً بنصف الأجهزة الأمنية، وجبريل الرجوب بالنصف الآخر أيام المرحوم أبو عمار”.

يصمت قليلاً وكأنّه يستعيد ذكريات عاشها في فلسطين، ويتابع موضحا: “عندما أصبح في موقع قيادي، عمل دحلان على بناء نفسه، درس اللغة الإنجليزية وتدرّب على إدارة النزاعات والتواصل والمفاوضات وذلك في أرقى المعاهد المتخصصة في أوروبا، وكان ينظر إلى نفسه خليفة للمرحوم أبو عمار وأنّه يحمل الرقم ٢ في حركة فتح، لذلك يمكن النظر إلى الخلاف مع أبو مازن، أنّ دحلان كان يرى نفسه الأجدر في قيادة حركة فتح والسلطة. إذا، جوهر الخلاف ليس سياسياً بل خلاف حول الندية الشخصية.

وهذا ما أوجد إصطفافات جديدة داخل حركة فتح حول آليات عمل جديدة وليس حول توجهات سياسية متناقضة. وعندما هُزمت فتح في غزة جرت محاولة لتحميله المسؤولية الكاملة عن ذلك، بديلاً عن قراءة الأسباب والسلوكيات التي أدّت إلى تلك الهزيمة. يومها، عندما قمعت حماس كل الكوادر الفتحاوية، دعا دحلان إلى مؤتمر في الملعب البلدي في غزة حضره ٥٠٠ ألف فلسطيني مقيم في القطاع.

وبديلاً من أن تقوم السلطة الفلسطينية وحركة فتح بإحتواء هذه الحالة والبحث عن قواسم عمل حول النقاط في الممارسة التي جرى الخلاف عليها، لجأت السلطة والحركة إلى إجراءات قمعية لإبعاده، بدون الإهتمام بما يريد دحلان ومن يُمثّل داخل حركة فتح. ولم يستطع أحد محاكمته وفق القوانين الوطنية، بل لجأوا إلى قضاء الحركة. وهذا ما دفعه إلى الخروج، لكنّه لم يستطع البقاء في عمان بسبب العلاقة المتأزمة ما بين السلطة الفلسطينية والملك الأردني، كذلك فإنّ النظام المصري لا يستطيع تحمّل مثل هذه الحالة، وخصوصاً أنّه، أي النظام المصري، يُقدّم نفسه وسيطاً بين الأطراف الفلسطينية. وهذا الأمر، دفع به للإقامة في الإمارات العربية المتحدة بتغطية أمنية إقليمية ودولية، وربّ من يقول: ألا يؤشر ذلك إلى الدور الأمني الكبير الذي يمكن أن يقوم به، الجواب واضح: إنّ دحلان والرجوب هما أهم رجلا أمن في الشرق الأوسط، وهما المُمسكان بالأجهزة الأمنية في فلسطين التاريخية وفي أماكن الوجود الفلسطيني المختلفة، هذا إذا وضعنا الأمن في سياقه السياسي”.

وماذا عن وضعه في لبنان؟

يجيب الناشط الفلسطيني: “تُشكّل حالة دحلان في لبنان ظاهرة أمنية مضبوطة من الجهة اللبنانية المُمسكة بالملف الفلسطيني، كما أنّ هذه الحالة لا تملك ناطقاً سياسياً بإسمها ولا خطة سياسية أيضا، وأنّ سياسة الصرف المالي التي تقوم بها، يمكن وصفها بسياسة الإستيعاب وليس الإنشقاق”.

لكن هذا الرأي ليس وحيداً في النظر إلى ظاهرة الدحلان، فإنّ آخرين ينظرون إلى الحالة كسياسة أمنية خالصة في سياق مشروع كبير.

ناشط فلسطيني آخر يوضح رأيه بالقول:”إستند دحلان في غزة إلى بنى عشائرية ليصير القوة الأولى في فتح، واستثمر ذلك ليبنيَ موقعاً سلطوياً له في الضفة على حساب قيادات تاريخية في محاولة التسلق إلى موقع القرار، بصفته قائداً ميدانيا، ليقول: إنّ القوة للسلاح وليس للفكر.

بعد أحداث غزة توجّه إلى الضفة، وتساءل البعض، بعد خسارته لغزة “كيف يتجرأ على العمل في الضفة؟””.

ويكمل الناشط الفلسطيني الحديث عن رؤيته الأمنية: “لقد بنى علاقات أمنية مع أجهزة إقليمية ودولية واستخدم العامل الإقليمي ضد العامل الوطني، واستطاع الحصول على تمويل خارجي لتنفيذ مشروعه الخاص المتعلق بالسيطرة على السلطة. وهو لم يفقد الصلة مع غزة وعمل في الساحات الفلسطينية الخارجية. وعندما إنتزعت حركة فتح الصلاحيات منه، بقي في الخارج وأقام في دولة الإمارات، وأنا أعتقد أنّه لا يحمل مشروعاً بل هو موظف في خدمة مشروع كبير، وأشير إلى أنّه يحمل أكثر من جنسية أجنبية. ومن جهة أخرى يسعى إلى عدم الصدام مع فتح، ولديه علاقات مع كوادرها في لبنان ويطلب منهم البقاء داخل الحركة والمعارضة من الداخل”.

أدوار مشبوهة

يسعى الدحلان لإيجاد حالة فلسطينية في مخيّمات لبنان تلعب لاحقا، دوراً في السيطرة على المخيّمات وخصوصاً أنّ علاقاته مع القوى الإسلامية جيدة. ويحاول جذب الشباب خصوصاً بعد وقف التفرغ في فتح، كما يقوم بتمويل بعض الجمعيات والفرق الرياضية ويُقدّم منحاً مدرسية وتعليمية، ويجري أنصاره على شن حملات على اللجان الشعبية ووصفها بالعاجزة. وتكفّلت الأموال التي تُوزَّع بإسمه في تلميع صورته في مخيّمات لبنان.

وينظر البعض إلى أنّ دحلان من أهم رجال الأمن في المنطقة، وبالتالي له علاقات واسعة مع أجهزة أمنية مختلفة يمكن من خلالها تبادل المعلومات. لكن أحد الناشطين في لبنان يروي أنّ “اللينو” (أحد أنصار دحلان) بعد عودته من أبو ظبي قبل عامين، بقي في بيروت لمدة يومين قابل خلالها مسؤولين أمنيين لبنانيين قبل توجّهه إلى مخيّم عين الحلوة.

ويلفت أحد الناشطين الفلسطينيين النظر إلى أحد المعاونين الأساسيين لدحلان في لبنان، بأنّه يتعاون مع أكثر من جهاز أمني، وأنّه يلجأ إلى تمويل جمعيات في نشاط معين لأهداف أمنية محددة. ويروي أنّ نفس الشخص عرض الدعم على الهيئة الشبابية للجوء الإنساني في جميع نشاطاتها شرط عدم الإشارة إلى حقّ العودة.

والمثير للدهشة، أنّ مدير إحدى الجمعيات اللبنانية تفاجأ من عرضٍ قدّمه نفس الشخص لتنفيذ مشروع وصفه بالمشروع “المخيف” بأهدافه، ورفض الإفصاح عن مضمون المشروع خوفا.

متابع فلسطيني يوضح:” إنّ تيار دحلان في لبنان حاليا، يشهد هدوءاً تاما، لا نشاط سياسي أو إعلامي. وإنّ بعض الجمعيات المُموّلة من قِبله تُقدّم مساعدات غذائية للعديد من العائلات المحتاجة، كما تستعين ببعض الناس في النشاط الذي تقوم به. ويشهد مخيّما البارد والبداوي تجميعاً لعدد من الناشطين الفلسطينيين، كما لوحظ بناء علاقات واسعة في مخيّم البرج الشمالي، أما في مخيّم عين الحلوة حيث يوجد أحد أهم مناصريه “اللينو”، فيدور الحديث عن مساعدة عدد من الشباب ومنحهم مبالغ مالية شهرية لقاء حراسات أسبوعية، ويجري تجنيد الشباب خاصة في حي حطين والزيب وحي البركسات”.

جميع هذه القراءات قد لا توحي أنّ للدحلان مشروعاً وطنياً مختلفاً عن مشروع السلطة بقدر ما هو خلاف حول إدارة الوضع الفلسطيني.


وسوم :
, , , , , , , , , , ,