“الدولة الفلسطينية” بين تصريحات بينيت وتخبّط السلطة.. هل تقول المقاومة كلمتها؟
فبراير 24, 2022 8:31 ص*سنان حسن
لم يكن تصريح رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت في مقابلة مع صحيفة يسرائيل هيوم: “أنا أعارض قيام دولة فلسطينية، ولن أسمح بمفاوضات سياسية على خط الدولة الفلسطينية، ولست مستعداً للقاء أي من قادة السلطة”، خارجاً عن الإجماع الإسرائيلي أو مخالفاً لما وقّعته “إسرائيل” من إتفاقيات مع منظمة التحرير الفلسطينية في أوسلو (1) أو أوسلو (2) أو ما يُسمّى إتفاق طابا، بل على العكس هو ترجمة فعلية لسياسة الكيان الرافضة رفضاَ قاطعاً لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ولو على حدود 67، ولكن ما يدفع إلى السؤال هو إصرار سلطة أوسلو على الهرولة للقاء قادة العدو الإسرائيلي وإطلاق الوعود أمامهم، ومن ذلك تصريح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد لقائه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بني غانتس، الذي أكد فيه أنّه “لا تراجع عن التنسيق الأمني تحت أي ظرف”، فهل بالفعل ما زالوا أي -مسؤولو السلطة- يأملون من وراء هذه اللقاءات تحقيق حلم قيام الدولة الفلسطينية، أم أنّ هناك أهدافاً أخرى تتعلق بوجود السلطة وحمايتها في ظل الرفض الفلسطيني المتزايد لوجودها؟.
“أوسلو” التنازل الأكبر
على الرغم من إعلان منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الكيان التوصل إلى إتفاق أوسلو للسلام، إلا أنّه لم يتضمّن بشكل واضح وصريح إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على الأراضي التي تمّ التفاوض عليها، بل كان الهم الأول والأخير للعدو الإعتراف الفلسطيني بوجود “إسرائيل” ونسف كل الكفاح الفلسطيني وتغيير الميثاق الوطني الفلسطيني ودعم وجودها في محيطها مع العرب، فالإتفاق نصّ على فترة إنتقالية من خمس سنوات لتشكيل سلطة حكم إنتقالي مع بداية السنة الثالثة، ولكن لم يذكر فكرة الدولة، وحتى في المفاوضات اللاحقة والإتفاقات التي تمّ التوقيع عليها رفضت “إسرائيل” فكرة إقامة دولة فلسطينية، وكذلك عندما توصّل رئيس السلطة الحالي محمود عباس مع وزير العمل الصهيوني يوسي بيلين إلى إتفاق “أبومازن – بيلين” في عام 1995 نصّ على إقامة دولة فلسطينية على أجزاء من الضفة وغزة واقتسام القدس بعد ضمّ بلدات مجاورة لها (أبو ديس) بأن تكون العاصمة للدولة المنشودة “القدس الشرقية”، إغتيل إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي ولم يتمّ التوقيع عليها، رغم أنّ “إسرائيل” والسلطة طبّقا كل البنود التي تخدم مصلحة العدو إلا إقامة الدولة الفلسطينية، وحتى في “صفقة القرن” التي روّج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حُرم الفلسطينيون من حقّ إقامة الدولة والحضور في القدس مقابل ميزات إقتصادية وتنموية أخرى.
السلطة في خدمة الكيان
في مقابل كل هذا الموقف الإسرائيلي المتعنّت كان لافتاً الموقف الرسمي للسلطة التي أنتجها إتفاق أوسلو وبالتحديد منذ وصول محمود عباس إلى السلطة بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات، حيث أصرّت وبشكل غير مسبوق على رفض العمل المسلح، ضد “إسرائيل” معلنةً الإعتماد على الخيار السلمي ورفض أي عمل عنيف في مواجهة “إسرائيل”، ولم تكتفِ بذلك بل حوّلت أجهزة السلطة إلى مخفر متقدم للاحتلال في مواجهة الفلسطينيين المدافعين عن أرضهم وحقّهم المشروع في التحرّر من الاحتلال وبناء الدولة، من بوابة التنسيق الأمني الذي بات السمة الأبرز للتعامل مع الاحتلال، على الرغم من أنّ المجلس المركزي الفلسطيني علّق في 2018 الإعتراف بـ”إسرائيل” وأنهى التزامات السلطة الفلسطينية بالإتفاقيات معها ومنها التنسيق الأمني، إلى حين اعترافها بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ومع ذلك لم يتمّ تنفيذ هذا القرارات، ولعلّ في تصريح عباس بعد لقاء غانتس، ما يؤكد أنّ كل قرارات المجلس المركزي لا تُساوي الحبر الذي كُتبت به، وأنّها اتُّخذت في لحظة كانت تريد فيها السلطة الفلسطينية إلهاء الفصائل الرافضة لكل نهجها العبثي من جهة، والضغط على “إسرائيل” من جهة أخرى، فلو كانت السلطة صادقة في ما تعلنه لكانت نفّذت تهديداً واحداً من التهديدات التي أطلقتها بخصوص صفقة القرن مثلا، ولكن النتيجة كانت واضحة أنّها غير قادرة على فعل شيء سوى الهرولة والاحتماء بالإسرائيلي، فلماذا كل هذا التسليم والخنوع؟.
المقاومة تُربك السلطة
لقد شكّلت معركة سيف القدس نقلة نوعية في العمل المقاوم الفلسطيني بداية من تحقيق إلتحام شعبي بين الضفة والقدس وغزة وأراضي الـ48 والشتات لأول مرة منذ النكبة، وانتهاءً بنقل ميدان المعركة من الدفاع عن حدود غزة إلى الدفاع عن كل فلسطين، الأمر الذي أربك السلطة قبل “إسرائيل” ولا سيما بعد عملية “نفق الحرية” للأسرى الستة في سجن جلبوع، وما تلاها من تعاطف شعبي كبير خاصة في الضفة الغربية التي باتت اليوم تغلي تحت الرماد بفعل العمليات الفدائية التي يقوم بها الأبطال في جنين ونابلس والخليل، حيث بدأت الأمور تخرج عن سيطرة أجهزة السلطة، وما يجري في جنين دليل على ذلك، ما يعني أن وجودها أي -السلطة- اليوم يقف أمام مفترق طرق، إما البقاء كشرطي متقدم للعدو الإسرائيلي والإستفادة من أموال المساعدات والهبات، وإما السقوط والخروج من الميدان الفلسطيني، لذا كان واضحاً مدى التخبّط الذي تعيشه السلطة وأركانها من خلال المسارعة إلى لقاء قادة العدو الإسرائيلي وتقديم فروض الطاعة أمامهم للحفاظ على مناصبهم ومكاسبهم المالية تارة، وتارة أخرى إلى إصدار القرارات التي تحصّن وجودهم على رأس الهرم في منظمة التحرير “الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني حتى الآن”، وما جرى في إنعقاد دورة المجلس المركزي الفلسطيني الأخير مثال فاضح على ذلك، إذ تمّ الكشف كيف يجري التحضير لخليفة عباس عبر تسمية مسؤول التنسيق الأمني مع الاحتلال عضواً في المجلس المركزي.
أمام كل ذلك يمكن القول: إن تصريح بينيت عن رفضه التام البحث في فكرة إقامة دولة فلسطينية، لم يأتِ من فراغ بل بعد اليقين أنّ الطرف الآخر الممثَّل بالفلسطينيين سلطة وفصائل منقسم على فلسطين نفسها، وهل بالفعل يريدون دولة لهم أم مكاناً للكسب والإنتفاع؟.
وعليه، فإنّ ما حصل ويحصل على الساحة اليوم يفرض على القوى الفلسطينية الحية وفي مقدمتها قوى المقاومة أن تتقدّم وتأخذ زمام المبادرة نحو إعادة تصحيح المسار، فما أُخذ بالقوة لا يستردّ بغير القوة، و”إسرائيل” وعبر سبعة عقود ونيّف من اغتصابها أرض فلسطين والأراضي العربية لم تذعن إلا للقوة، ومعركة سيف القدس دليل راسخ على ذلك، فهل نشهد تصحيحاً قريباً لوضع المؤسسة الشرعية الفلسطينية الوحيدة “منظمة التحرير” بتشكيل مجلس وطني إنتقالي يعيد صياغة مشروع وطني جامع يكون في مقدمة أهدافه إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.. لننتظر ونرَ.
*كاتب سوري
وسوم :
إتفاق أوسلو, السلطة الفلسطينية, الضفة الغربية, العدو الصهيوني, الفصائل الفلسطينية, القدس, المجلس المركزي, المقاومة الفلسطينية, سجن جلبوع, سنان حسن, سيف القدس, صفقة القرن, صمود, فلسطين المحتلة, قطاع غزة, محمود عباس, منظمة التحرير الفلسطينية, نفتالي بينيت, نفق الحرية