تهافُت اللُّجوء

التصنيفات : |
مارس 6, 2022 10:56 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

كاملة أبو خزنة (٦٠ عاما) تعيش في مخيّم شاتيلا، تسير في زواريبه والشوارع المحيطة به، ولا تصدق أنّها تعيش بأمان، لأنّها تظنّ أنّ الأمان يبدأ بالأمان الغذائي وهي لا تستطيع تأمين الغذاء اليومي لها ولعائلتها، بسبب الإنهيار المالي والإقتصادي.

تقول أبو خزنة: “لم نمرّ بوضع أسوء من هذا الوضع، وأنا المتنقلة طوال حياتي من مخيّم إلى آخر”.

حصار تلّ الزعتر

تنقّلت أبو خزنة بين العديد من المناطق والمخيّمات بسبب الحروب الأهلية في لبنان، تتذكر حياتها هذه منذ أن كانت في الرابعة عشرة من عمرها. توضح بالقول: “عام ١٩٧٦، كنّا نسكن في مخيّم تلّ الزعتر، وكنتُ في الرابعة عشرة من عمري، عندما حوصر المخيّم مرات عدة، كانت الطرق تُفتح وتُغلق باستمرار، عشنا ظروفاً قاسية، تعرّض فيها المخيّم إلى قصفٍ وقتلٍ عشوائي، إقتصر الأكل على الفتات، كنّا نشرب الشاي بدون سكر. وفي خلال الحصار استُشهد شقيقي فؤاد، من ثم غادرنا مخيّم تلّ الزعتر، وتمّ جمعنا في الدكوانة حيث كنّا نتعرّض للضرب وإطلاق النار فوق رؤوسنا، وقد اختفى عدد من أقربائي خلال تلك الفترة”.

إجتياح برج الشمالي

إنتقلت أبو خزنة بعدها إلى مخيّم البرج الشمالي الواقع شرقي مدينة صور، وبقيتْ هناك في منزلٍ يفتقر إلى شروط الحياة الكريمة، لكنّ فترة وجودها هناك لم تطل، إذ تعرّض المخيّم المذكور إلى القصف والتدمير خلال الاجتياح الإسرائيلي عام ١٩٧٨، ما اضطر عائلتها إلى ترك المخيّم للسكن مؤقتاً في بلدة الدامور الساحلية. أيضاً وأيضاً لم تستطع الإستمرار بحياة هادئة لتعرُّض المنطقة إلى قصف إسرائيلي متقطّع ما دفع بها للإنتقال إلى مخيّم شاتيلا.

في العام ١٩٨٢، تزوجت كاملة وسكنت خلف المدينة الرياضية، في منزل مسقوف بالزينكو.

المجزرة الكبرى

تروي ما حصل خلال مجزرة صبرا وشاتيلا: “يومها سمعنا إطلاق نار وصراخ من الأزقة المحيطة بنا. حاولتُ الهرب وزوجي إلى منطقة أخرى، بقينا ساعات ندور ونركض بدون اتجاه محدد، نلتقي بأناس نعرفهم لكنّ ذلك زادنا خوفا، وطلبتُ من زوجي أن نعود إلى المنزل، وكانت المفاجأة أنّني وجدت بلطةً وسكين طويلة ملطختين بالدماء، وكل الجيران يبكون، ولا يعرفون السبيل إلى الخلاص. هربنا إلى مستشفى غزة حيث أصيبت شقيقتي، بقينا في المستشفى يومين، قبل أن ننتقل إلى الشارع مجددا”.

حرب العار

ولم تنتهِ مأساة أبو خزنة عند هذا الحد، بل استُكملت عام ١٩٨٥ حين عاشت حصاراً آخر بما سُمّي بحرب المخيّمات.

تصمتُ لحظات قبل أن تستطرد: “عام ١٩٨٥ كنّا نعيش حصاراً آخر، يتخلله بعض الفرص التي تسمح لنا بالحصول على تموينٍ يُعيننا على استمرار الحياة. كنت أشارك مع غيري من النساء بالطبخ وتأمين الطعام للمقاتلين المحاصرين يومها”.

تدمع عيناها، قبل أن تضيف: “على الرغم من صعوبة الأيام الماضية، والتقشّف الذي كنّا نعيشه، لكنّها كانت أسهل من الأيام الحالية، زوجي يعمل في دكان صغير ولا نستطيع تأمين الحد الأدنى للحياة الكريمة”.

وماذا عن المستقبل؟

ترنو كاملة بنظرة نحو الأفق المفتوح وتختم: “لا مستقبل لنا سوى في فلسطين، لا حلم لدي سوى بالعودة إلى سعسع بلدتي الأصلية، هي الدنيا كلها بالنسبة لي”.


وسوم :
, , , , , , , , , ,