تشكيل الهيئة الوطنية لمساندة فلسطينيي الداخل المحتل، التوقيت والدلالات

التصنيفات : |
مارس 25, 2022 8:57 ص

*أحمد الطناني – غزة:

اُعلن في قطاع غزة منتصف شهر آذار/مارس الحالي عن تشكيل الهيئة الوطنية لدعم وإسناد شعبنا الفلسطيني في الداخل المحتل، كإمتداد للهيئة الوطنية لمسيرات العودة وكسر الحصار، ونِتاج لتوافق بين القوى الوطنية والإسلامية وتجمعات شعبية ومؤسسات وطنية، لتكون جسماً وطنياً واسعاً داعماً لنضالات شعبنا الفلسطيني في الداخل المحتل.

جاء تشكيل هذه الهيئة في وقت لم تتوقف فيه مراكز البحث الصهيونية الإستراتيجية، وبؤر التفكير الإستخباراتية والتحليل المعلوماتي عن دراسة رد فعل أهل الداخل المحتل وإنتفاضتهم نُصرة للقدس وغزة خلال معركة “سيف القدس”، هذه الدراسات التي أفضت إلى تغيير واسع في تقييم صانع القرار الصهيوني للمهددات الإستراتيجية على كيانه، ليضع في أولوياته الأولى ما يسميه بـ”القنبلة الديمغرافية” للشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، ويُحدّث خططه لمواجهة هذا البركان الذي اتضح أنّه يغلي تحت الرماد.

لم تكن القوى الوطنية والإسلامية ومكونات شعبنا بعيدة عن هذا التشخيص ولم تمر مرور الكرام على أهمية عمقها الإستراتيجي المتمثّل بالشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، ولم تتجاهل مخططات الاحتلال الساعية لتعزيز الإستهداف لهذا المكون الرئيسي من مكونات شعبنا، ومن هنا إنطلقت المبادرة لتشكيل هذا التجمع الواسع الداعم لنضالات الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل.

قيمة التوقيت وموعد الإنطلاق

كان واضحاً أنّ الفصائل والقوى في قطاع غزة لم تختر موعد تدشين الهيئة الوطنية الجديدة عبثا، بل إختارت موعداً ذهبياً سبق يوم الأرض بأيام، وهي التي أعلنت أنّ باكورة إنطلاق فعالياتها سيكون في “يوم الأرض” الخالد والموافق 30 آذار/مارس من كل عام، وهو يوم يحمل في طياته ذكرى الإنتفاضة والغضب من أهلنا في الداخل المحتل ضد مصادرة الاحتلال لأراضيهم عام 1976، والذي واجهوه بالإضراب الشامل والمواجهات الشعبية، يوم غضب عُمّد بدماء الشهداء الـ(6) الذين ارتقوا ورسموا خارطة الوطن إنطلاقاً من سخنين، عرابة، كفركنا، الطيبة إلى الجليل والنقب، وصولاً لكل فلسطين من نهرها إلى بحرها، آذنين بإنطلاق مرحلة جديدة من كفاح ونضال أهلنا في الداخل المحتل ضد مصادرة حقّهم وأرضهم.

هذا الكفاح لم ينقطع وإن تذبذب ومرّ بمراحل من المد والجزر، ومحاولات صهيونية محمومة لـ”أسرلة” المناطق العربية وكيّ الوعي الفلسطيني لأهلنا الصامدين في الأراضي المحتلة عام 1948، إلا أنّ كل هذه المحاولات كانت تتحطم، في كل محطة مفصلية من تاريخ نضال شعبنا، على صخرة الإنتماء الوطني والتمسّك بالهوية الفلسطينية والروح الكفاحية والنضالية، فكان أهلنا على العهد في إنتفاضة الحجارة، مروراً بإنتفاضة الأقصى ومشاركتهم الفاعلة، ضاربين بعرض الحائط كل الدعوات المشبوهة والمشاريع التصفوية لتقسيم الشعب الفلسطيني.

تَصوّر الاحتلال أنّ تقديم نماذج مثل “منصور عباس” عضو في الكنسيت الصهيوني، والشريك في الحكومة يمكن أن يخلق جيلاً جديداً من الفلسطينيين المُدجّنين القابلين لوجود الاحتلال، إلا أنّ الهبّة الوطنية العارمة لأهلنا في الداخل إنتفاضاً للأقصى والشيخ جرّاح، والتحاماً مع المقاومة الفلسطينية في غزة، وتهليلاً لصواريخها، وغضباً على قطعان المستوطنين وشرطة الاحتلال، قد صدمت كل المتابعين والمحللين ومراكز التفكير الذين نُسفت مشاريعهم ورؤاهم الإستراتيجية مع أول هتاف فلسطيني غاضب للقدس وغزة وللمقاومة من قلب الداخل المحتل، من اللد وعكا وأم الفحم، من النقب الثائرة، من الجليل والمثلث.

وبالعودة للتوقيت، فإنّ إنطلاق الهيئة الوطنية في غزة في يوم الأرض سيُشكّل تكاملاً مهماً مع الفعاليات الوطنية التي سينفّذها أهلنا في الداخل المحتل، ليكون المشهد في غزة والداخل متكاملاً بالتوقيت والفعل، ومحفّزاً لتتحرك الضفة المحتلة والشتات ليكتمل بهم مشهد الفعل الفلسطيني.

لا يتوقف التوقيت ولا فعاليات الهيئة الوطنية حديثة التشكيل عند إحياء يوم الأرض، بل تنطلق بجدول من الفعاليات الشعبية والجماهيرية المساندة لأهلنا في الداخل المحتل، لتكون أمام محطة فارقة ومهمة في المستقبل القريب، وهي الذكرى السنوية الأولى لمعركة “سيف القدس” التي شكّلت العلامة الفارقة الأحدث في تكامل الفعل الفلسطيني، وأظهرت من الميادين مدى عمق وتجذُّر الهوية الفلسطينية في نفوس أبنائها على إمتداد خارطة الوطن، وفي القلب منهم أهل الداخل المحتل، الذين قدّمواً شهيداً على مذبح الحرية، الشهيد “موسى حسونة”، الذي ستكون ذكراه يوماً للغضب والعهد والوفاء مع دمائه التي روت مدينة اللد المحتلة، والتي ستحتضن فعاليات وطنية واسعة لإحياء هذه الذكرى، وستكون لـ”غزة” وجماهيرها أيضاً فعالياتها للوفاء لدماء شهداء معركة “سيف القدس” وعلى رأسهم شهيد اللد “موسى حسونة”.

لذلك، فإنّ التوقيت الذي تنطلق فيه الهيئة الوطنية، هو توقيت جوهري ويحمل رسائل مهمة، فأي إمتداد لأهلنا في الداخل المحتل دون الإنخراط في المناسبات التي رسمت ملامح الصمود والتثبُّت بالهوية، وتكامل دماء وتضحيات شهداء يوم الأرض بالعام 1976 مع شهداء “سيف القدس” بالعام 2021 وليس انتهاءً بالشهيد الفدائي محمد أبو القيعان إبن قرية “حورة” في النقب المحتل بالعام 2022، ليكونوا منارة لشعبهم وصمودهم وشرارة متواصلة لإنتفاضاتهم.

الأهمية والدلالات

أولاً، توجه إستراتيجي لإسقاط تجزئة الشعب الفلسطيني إلى “كانتونات”:

ينطوي على إنطلاق الهيئة أهمية كبرى ومجموعة من الدلالات المهمة التي تحمل بُعداً إستراتيجياً في شكل وطبيعة الفعل الفلسطيني، وإنعطافة مهمة في طريقة التفكير لدى القوى الوطنية والإسلامية لإسقاط فكرة تجزئة الشعب الفلسطيني إلى “كانتونات” إلى غير رجعة، صحيح أنّ هذا التغيير في الإستراتيجيات لم يبدأ مع تشكيل الهيئة، إلا أنّه تعزّز بوضوح، فالتوجُّه هنا ليس تكتيكيا، بل هو توجُّه إستراتيجي في كل برامج وشكل العمل الفلسطيني وتعامُل قيادته مع ساحات الفعل الفلسطيني.

ثانيا، مراكمة على ما أُنجز في “سيف القدس” من ترابط الساحات:

نجحت المقاومة أولا، عندما أعلنت أنّها ستواجه “مخطط الضم” الذي كانت تنوي حكومة الاحتلال تنفيذه كجزءٍ من “صفقة القرن” بكل السبل والأدوات إلى أن توقّف بشكله العلني الفج عند صخرة صمود شعبنا، وثانياً في معركة “سيف القدس” التي أكّدت تثبيت معادلة ترابط الساحات الفلسطينية، عندما تدخلت لمنع تهجير أهالي الشيخ جرّاح، وإجهاض محاولة حشود المستوطنين إقتحام باحات المسجد الأقصى، وتكاملت بصواريخها وفعلها المسلح مع الغضب الشعبي الممتد على طول الأراضي الفلسطيني، وكان لأهلنا في الداخل المحتل كلمتهم وفعلهم الملموس والواضح تكاملاً مع باقي ساحات الفعل الفلسطيني، واليوم تجدّد الفصائل التأكيد على هذا التكامل، وتعطي الداخل المحتل خصوصية إستثنائية بتعزيز تكامل الفعل جماهيريا، والإستعداد لتكامله بشتى الوسائل الأخرى في حال لزم ذلك.

ثالثا، مواجهة محاولات الإستفراد بأهل الداخل، بالمزيد من التكامل والوحدة:

منذ انتهاء أحداث معركة “سيف القدس” لم تتوقف الإعتداءات وإجراءات التضييق الصهيونية بحقّ أهلنا في الداخل المحتل، بدءاً من حملات الإعتقال الموسعة بحقّ من شاركوا في التظاهرات والفعاليات الغاضبة خلال معركة “سيف القدس”، وليس انتهاءً بالإعتداءات المستمرة وحملات التهجير الواسعة تحت ستار “التشجير” في النقب المحتل، وصولاً لإعلان المتطرف “بن غفير” تشكيل ميليشا إجرامية تحت إسم (وحدة بارئيل) بغرض تكثيف الإستهداف والجرائم بحقّ أبناء شعبنا الفلسطيني في النقب المحتل.

والهيئة، بشكلها الحالي وتوقيتها، تؤكّد أنّ غزة وشعبها الفلسطيني وقواها الوطنية والإسلامية وتكويناتها المجتمعية لن تسمح بأن تترك الداخل المحتل يواجه عصابات القتل الصهيونية منفردا، ولن يكون أهلنا في الداخل المحتل هدفاً سهلاً ومجانياً لهؤلاء القتلة، بل ستكون غزة وأهلها ومقاومتها عند عهدهم ووفائهم لأهلهم وشعبهم في الداخل المحتل.

رابعا، إسقاط أوهام “الحل الإقتصادي” للقضية الفلسطينية:

تُسقط القوى الوطنية والإسلامية بالبرامج والمشاريع فعلياً أوهام إنهاء القضية الفلسطينية برزمٍ من “الحلول الإقتصادية” وخيارات الرفاهية والتسهيلات الشكلية التي يمكن أن تُقدّمها حكومة الاحتلال كمدخلٍ للتدجين لكل تجمع فلسطيني على حدى، حيث كان الرد الفلسطيني بتعزيز تكامل الساحات، وإعلاء المطالب الوطنية الكبرى والحفاظ على الثوابت وتعزيز العمق الفلسطيني وتكامل شعبه على أي مكاسب حياتية أو تسهيلات إقتصادية تُقدّم على شكل “رشاوي” مقابل السكوت عن القضايا الكبرى.

خاتمة:

تُشكّل الهيئة الوطنية لمساندة أهلنا في الداخل المحتل خطوة جديدة في إطار تعزيز التلاحم الوطني بين أبناء الشعب الفلسطيني، وتكامل ساحات الفعل الفلسطيني، ووحدة المصير والموقف، وتسخير الإمكانيات الكامنة لكل ساحة في إطار الدفاع والتكامل مع الساحات الأخرى ومواجهة أي محاولة للإستفراد بمكوّن من مكونات شعبنا بمعزل عن باقي الشعب، وهي بارقة أمل جديدة في ظل مشهد سياسي رسمي يسوده الإنقسام والتفتّت، وقيادة متنفّذة تتماهى وخيارات الحلول الإقتصادية حتى وإن لم تقبلها جهارا، فهي تمرّرها سراً وفعلا.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,