جريمة “الإضطهاد” وأثرها النفسي على الأسرى اليافعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي
مارس 27, 2022 11:10 ص*منى العمري – صمود:
إنّ الإضطهاد باعتباره فعل لا يقتصر فقط على كونه “قهري”، بل هو جريمة شنيعة ومصنّفة “ضد الإنسانية”، إذ يُعدّ من أكبر وأفظع الجرائم بحسب القانون الدولي.
ورغم أنّ الإضطهاد له تداعيات جمّة في شتّى النواحي، سواء النفسية أو الإجتماعية أم الجسدية، فقد عانى الشعب الفلسطيني من كلّ أشكال الإضطهاد على مرّ السنين.
ومن هذا المنطلق، يُعرّف نظام روما الأساسي جريمة الإضطهاد المرتكبة ضد الإنسانية على أنّها “حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرماناً متعمداً وشديداً من الحقوق الأساسية، وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع، بما في ذلك على أسس عرقية أو قومية”. (١)
إستهدافٌ ممنهج يطال “أطفال فلسطين”
يُعتبر الإضطهاد أحد أسلحة الاحتلال التي يستخدمها ضد الشعب الفلسطيني خصوصاً في مرحلة إعتقالهم وأسرهم داخل السجون، إذ يطال -هذا الجُرم- جميع الفئات العمرية، والذي لا يميّز بين صبي وفتاة، إمرأة، شيخ، عجوز وشاب.
ولعلّ أبرز فئة -وهي الفئة الأكثر إستهدافا- يمكن أن تتأثر عن غيرها، هي فئة الأسرى اليافعين، والذين هم أكثر عرضةً للتأثّر بوحشية الاحتلال والإجراءات التنكيلية بحقّهم، بما فيه “الإضطهاد” وتداعياته على الشق النفسي لديهم.
بالأرقام والبيانات: الاحتلال يعتقل آلاف اليافعين
أما عن الإعتقالات فالحديث يطول، خصوصاً عند معرفة أنّه “منذ بداية الاحتلال عام النكسة 1967 تمّ إعتقال عشرات الآلاف من الأطفال كما أنّ ما لا يقلّ عن عشرة آلاف طفل فلسطيني إعتُقلوا منذ إنتفاضة الأقصى عام 2000”. (٢)
وفي هذا السياق، إعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي 1149 قاصراً وطفلاً فلسطينياً (من الإناث والذكور) منذ العام الماضي 2021 حتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وتُشير الإحصاءات والشهادات الموثقة للمعتقلين الأطفال إلى أنّ ثلثي الأطفال المعتقلين تعرّضوا لشكلٍ أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي، في ما تعرّض جميع المعتقلين للتعذيب النفسي خلال مراحل الإعتقال المختلفة”. (٣)
“إسرائيل” تخرق المواثيق والإتفاقيات الدولية
إعتمدت “إسرائيل”، كدولة إحتلال، سياسة التكييف القانوني لمصالحها السياسية والأمنية، وسنّت الأوامر العسكرية لفرض السيطرة على حياة السكان الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال بدون الإلتزام بقواعد القانون الإنساني الدولي.
أما بالنسبة للأطفال الأسرى الذين تعتقلهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فإنّها تحرمهم من أبسط الحقوق التي تمنحها لهم المواثيق الدولية.
كما أكّدت المادة 77 من الملحق الأول الإضافي لإتفاقيات جنيف، الذي أُقرّ في حزيران / يونيو 1977، والمتعلّق بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلّحة، لدى تطرّقها إلى قضية حماية الأطفال، على ما يلي: “يجب أن يكون الأطفال موضع إحترام خاص، وأن تُكفل لهم الحماية ضدّ أيّة صورة من صور خدش الحياء. ويجب أن تُعِدَّ لهم أطراف النزاع العناية والعون اللذين يحتاجون إليهما.. ويجب وضع الأطفال في حالة القبض عليهم، أو إحتجازهم أو إعتقالهم، لأسباب تتعلق بالنزاع المسلّح، في أماكن منفصلة عن تلك التي تُخصّص للبالغين”.
وورد في المادة 37 من “إتفاقية حقوق الطفل”، التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، وصادقت “إسرائيل” عليها في عام 1991، ما يلي:
“تكفل الدول الأطراف ألاّ يتعرّض أيّ طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ولا تُفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم، وألاّ يُحرم أيّ طفل من حريّته بصورة غير قانونية أو تعسفية”.
لكنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا تلتزم بهذه القوانين الدولية. وهي قرّرت منذ العام 1967 عدم خضوع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين لإتفاقية جنيف الثالثة على الرغم من توقيعها عليها، الأمر الذي جعل الأسرى والمعتقلين تحت سياط القرارات العسكرية التي لا تخضع لأيّ ضوابط أو معايير دولية.
ويُشكّل إعتقال الأطفال الفلسطينيين من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلي خرقاً فاضحاً للقوانين والمواثيق الدولية والإتفاقيات الخاصة بحماية حقوق الطفل، وخصوصاً إتفاقية الطفل المادة (16) التي تنصّ على أنّه: “لا يجوز أن يجريَ أيّ تعرّض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أيّ مساسٍ غير قانوني بشرفه أو سمعته”. (٤)
أطفال فلسطين عرضة لكل أشكال التعذيب
في كلّ عام، تحتجز سلطات الاحتلال مئات الأطفال الفلسطينيين. وهم الأطفال الوحيدون في العالم الذين تتمّ مقاضاتهم بشكلٍ منهجي من خلال المحاكم العسكرية، وليس المدنية. والتهمة الأكثر شيوعاً هي “إلقاء الحجارة” والتي تصل عقوبتها القصوى إلى السجن 20 عاما. (٥) حيث تلجأ شرطة الاحتلال وحرس الحدود الإسرائيلي لإستخدام القوة والضرب ضد المعتقلين منذ اللحظات الأولى لوصولهم إلى مركز التحقيق وقبل الشروع في عملية التحقيق، ويكون الضرب مصحوباً بالشتائم والإهانات بهدف خلق جوّ من الرعب من البداية تمهيداً للتحقيق معهم، كما ويركّز المحقّقون في الإستجواب على جانب الإضعاف والضغط النفسي على المعتقلين في فترة التحقيق. (٦)
وفي المقابل، أظهرت دراسة قامت بها منظمة “Save the Children” ما يلي:
- · 81٪ من الأطفال المعتقلين تعرّضوا للضرب الجسدي و89٪ تعرّضوا للإساءة اللفظية.
- · 52٪ تعرّضوا للتهديد بإيذاء عائلاتهم.
- · 86٪ تعرّضوا لتفتيشٍ عارٍ مما تركهم في حالة إذلال وخجل.
- · 88٪ لم يتلقوا رعاية صحية كافية وفي الوقت المناسب، حتى عندما طُلب منهم ذلك صراحة.
- ما يقرب من النصف (47٪) حُرموا من الإتصال بمحامٍ. (٥)
كان عيسى -وهو أسير فلسطيني- يبلغ من العمر 15 عاماً عندما تمّ القبض عليه، قد أوضح قائلاً: “أثناء إستجوابي، ظلوا يصرخون في وجهي، ووضعوا مسدساً على المنضدة أمامي لتخويفي. قالوا كلمات سيئة. لا أريد أن أفكّر في ذلك”.
وتابع: “كان السجن مكاناً قبيحا. كانوا يطلقون أجهزة الإنذار في منتصف الليل، الثالثة والسادسة صباحاً حتى لا نتمكن من النوم لفترة طويلة. وإذا لم نستيقظ عند هذه الإنذارات، فسوف نتعرّض للضرب. لقد تعرّضتُ للضرب بالعصي الخشبية. ما زلت أعاني من آلام الظهر الآن بسبب الضرب المبرح”. (٧)
وعن الظروف القاسية التي يعايشها الأسير “الطفل” -في تجربة إعتقاله- تروي كريمان سويدان -14 عاما- (عندما تمّ إعتقالها في 2015/12/27)، تفاصيل إعتقالها فتقول: “عندما أمسكني المستوطن قام بإلقائي على الأرض، قال لي باللغة العبرية في البداية: إرفعي يديك واستلقي على الأرض، لكنّني لم أفهم ما قاله، فأمسكني من معطفي وألقى بي على الأرض، بعدها جاء الجنود ونزلوا من سيارة الجيب ووقفوا فوق رأسي، ثمّ بدأوا بسؤالي والتحقيق معي، سألوني: ماذا تفعلين هنا؟ فأجبتهم بأنّني كنتُ عائدة من المدرسة وأنتم قمتم باختطافي ووضع السكين بجانبي، وأريد أن أنوّه هنا بأنّه قبل أن يقوم الجنود بوضع السكين بجانبي قام إثنان منهم بالدوس على ظهري وقام مستوطن من الذين تجمهروا حولي بضرب رأسي بحديد السيارة”.
وتُضيف كريمان: “تعرّضتُ للتفتيش العاري من قِبل المجنّدة وكانت يداي مقيدتان وذلكَ بعدَ أن تمّ نقلي إلى “أرائيل” لإستكمال التحقيق، وكنتُ أتعرّض للضرب، وأذكر مرة أنّه تمّ ضربي بكفٍّ على وجهي فقدتُ على إثره القدرة على السمع لمدة نصف ساعة، وخلال التحقيق كان يتمّ التطاول عليّ لفظياً بأبشع الألفاظ، وكان يتمّ شتمي أنا وعائلتي وأمي وأبي، كذلك كانوا يصرخون علي، وقاموا بتهديدي بتدمير مستقبلي”. (٨)
تجربة الإعتقال وأثرها على البناء النفسي عند الأطفال
إنّ الإنتهاكات التي يتعرّض لها الأطفال الأسرى في سجون الاحتلال، وبحسب الجوانب للطبيعة القاسية التي يوضعون فيها، يمكن القول بأنّ معاناة هؤلاء الأطفال لا تقتصر على فترة وجودهم في السجن، بل تتعداها إلى مرحلة ما بعد السجن، حيث أنّهم يخرجون من السجن وهم في حالة نفسية حرجة تظهر إنعكاساتها في حياتهم، فعدا عن الكوابيس التي تلاحقهم خلال النوم، وعدم القدرة على ضبط الإنفعال، ومشكلة التبوّل اللاإرادي نتيجة الخوف الذي يرافقهم فترة طويلة بعد التحرّر، هناك مشكلة خطيرة تَلحق بهم وتظهر في عدم قدرة الكثير منهم على الإندماج في المجتمع، والعودة إلى الحياة الطبيعية كما كانوا قبل الإعتقال، حيث يميلون إلى العزلة والوحدة، ويصبحون أكثر عدوانية، كذلك فإنّ الأطفال الذين يمضون عدة سنوات في السجن يجدون صعوبة في العودة إلى مقاعد الدراسة؛ لشعورهم بالحرج من الوجود في الصفوف مع أطفال يصغرونهم عدة سنوات. (٨)
ولم يكن الطفل الفلسطيني يوماً “كبش الفدى” وحده، بل أضحى الشعب الفلسطيني بأمّه وأبيه من يقاوم في ظلام الاحتلال، ووحده هذا الشعب من يتجرّأ على رفع صوته بوجه العدوّ الذي يغتصب أرضه وبيته وينتهك حرمته ومن ثم يُقذف به إلى سجنٍ دامس.
المصادر المتعلقة:
1- https://www.hrw.org/ar/report/2021/04/27/378469
4- https://bahethcenter.net/essaydetails.php?eid=37031&cid=24
6-
وسوم :
SAVE THE CHILDREN, أطفال الحجارة, إتفاقية جنيف الثالثة, الأسرى الأطفال في سجون الاحتلال, الإضطهاد, التبوّل اللاإرادي, التعذيب في السجون الإسرائيلية, السجون الصهيونية