تفريغ القدس من الأوقاف المسيحية: الكنيسة في خدمة الصهيونية

التصنيفات : |
مارس 31, 2022 10:23 ص

*وسام عبد الله

سيطرت الكنيسة اليونانية على قرار بيع وتأجير الأوقاف المسيحية في فلسطين، ما جعل منها يداً غير شرعية تستغلّها دولة الاحتلال للهيمنة وفرض سلطتها على العقارات والأراضي، تحت عباءة الدين، لتكون علاقة متبادلة بين البطريرك اليوناني والمنظمات الصهيونية.

صفقات بيع الأوقاف

صدر مؤخراً قرار عن المحكمة “الإسرائيلية” يُلزم البطريركية الأرثوذكسية دفع 13 مليون دولار لشركة “هيمنوتا” اليهودية، وهي تشمل أراضي أول حيّ عربي بُني خارج أسوار القدس، ليعيدَ إلى الواجهة الصفقات التي تُنفّذ بين الطرفين: الكرسي البطريركي اليوناني وحكومة الاحتلال، تحت غطاء المصلحة المتبادلة.

يعود أصل القرار إلى اعتراف “إسرائيل” بسلطة البطريرك على الأوقاف المسيحية، وهو ليس مستجدّا، ففي سنة 1951 عقد الطرفان إتفاقية تأجير من قِبل الكنيسة لحكومة العدو يتمثّل بحوالي 560 دونما، أُقيم عليها حوالي 1500 وحدة إستيطانية، حينها مثّل البطريركية القنصل اليوناني العام، وهو ما يؤشر أيضاً إلى علاقة الحكومة اليونانية  بحكومة الكيان.

قبل النكبة، كانت البطريركية تملك 30% من الأوقاف المسيحية والإسلامية في فلسطين، ومع إمتلاك الحقّ بالبيع، بدأت عملية تسريب وتفريغ العقارات، فمعظم رموز المؤسسات الإسرائيلية الرسمية في القدس موجودة على أراضي البطريركية، مثل الكنيست وحديقة الجرس ومنزل رئيس الدولة. أدّت التبرعات من الأهالي والحجّاج (خاصة في فترة الحج الروسي قبل قيام الإتحاد السوفيتي 1917) دورها في تملّك أوقاف الكنيسة، لكن مع توقّف الحجّ بدأت الورادات المالية بالتراجع.

في فترة الإنتداب البريطاني، أُقيمت لجان تحقيق بأوضاع البطريركية تناولت علاقتها مع الرعية ووضعها المالي، حينها أشارت التحقيقات إلى الفساد المستشري في البطريركية، ليصار إلى إجبارها على إستدانة قرض من المال من بنك “باركليز”، وتحديد قائمة من العقارات ليتمّ بيعها بُغية تسديد عجزها.

بعد إنشاء الكيان الصهيوني، عُقدت إتفاقيات لفترات طويلة، تمتد أغلبها بين 99 عاماً ولغاية 135 عاما، مثل إتفاقيات الطالبية ورحافيا في القدس. واستمر العمل بذات الأسلوب مع الشركات اليهودية التجارية وصولاً إلى سنة 2005 واستلام البطريرك الحالي ثيوفيلوس سدّة الكرسي، لتدخل الأزمة في مرحلة جديدة وخطيرة بشكل أكبر.

إرتفاع وتيرة البيع

صادقت الحكومة الإسرائيلية سنة 2006 على قرار السينودس المقدس للبطريركية اليونانية الأرثوذكسية في القدس، الصادر في سنة 2005، على إنتخاب ثيوفيلوس الثالث بطريركاً يونانياً أرثوذكسياً في القدس.

وقررت اللجنة الوزارية الإسرائيلية، التوصية للحكومة بالإعتراف بإنتخاب ثيوفيلوس الثالث، وتكليف وزير الداخلية الإسرائيلي بأن يمنح كتاب إعتراف للبطريرك المنتخب بإسم الحكومة الإسرائيلية التي قبلت التوصية، وإعترفت سنة 2007، بالمطران ثيوفيلوس بطريركاً للروم الأرثوذكس في القدس وسائر الأراضي المقدسة. فما سبب التأخر سنتين للإعتراف؟.

تقول التقارير إنّ الحكومة أوقفت الإعتراف بالبطريرك بسبب تسريبات تُشير إلى أنّ ثيوفيلوس، حين كان مطرانا، قدّم تعهدات، إلى الأردن والسلطة الفلسطينية، بالإمتناع عن عمليات بيعٍ العقارات وتمديد التأجير لعقارات البطريركية -خاصة في القدس- لجهات إسرائيلية. ليتمَّ التواصل من قِبل الأخير والتوضيح أنّ ما جرى الإتفاق عليه كان قبل تولّيه سدّة الكرسي، وهو غير معني بها.

قام البطريرك ثيوفيلوس بتنفيذ صفقات أوّلها كانت أرض الشماعة في القدس وعقار حيفا، وعشرات الصفقات الأخرى ومنها إتفاقية الطالبية ورحافيا التي كان عقد الإيجار سنة 1951 لمدة مائة عام أي لغاية عام 2051، فقام البطريرك بعقد صفقة تمديد للإيجار عام 2011 لمستثمرين يهود من داعمي الجمعيات الإستيطانية في البلاد، وفي عام 2016 قام ببيع كافة حقوق العقار الذي يشمل ما يزيد عن 570 دونماً مُقام عليها قرابة 1200 وحدة سكنية ومجمّعات ترفيهية وغيرها، حينها قُدّرت قيمة العقود 40 مليون دولار، في حين تُشير التقديرات لتخمين العقارات أنّها تبلغ  3 مليار دولار. ومن الصفقات الحديثة، في بيت لحم، تمّ بيع أراضي مساحتها 120 دونماً لبناء خمس فنادق، ولتحويل دير مار إلياس في المنطقة إلى فندق.

أين الموقف الفلسطيني؟

تُطرحتساؤلات عديدة حول قضية بيع الأوقاف، فأين الموقف الفلسطيني الرسمي مما يحصل، ولماذا يتمّ الترحيب بالبطريرك اليوناني ضمن المناسبات، فلا تصدر بيانات واضحة مندّدة بما يحصل من تسريبٍ للعقارات، وعدم إتخاذ أية تدابير عملية لمنعها؟. وما السبب في المواقف الخجولة من قِبل الفصائل والأحزاب والهيئات الإسلامية والمؤسسات المسيحية غير الفلسطينية، واعتبار ما يحصل هو شأن كنسي داخلي/فلسطيني لا علاقة لها به؟.

فهل فشلت الجهات المسيحية الفلسطينية في تحويل قضية بيع أوقاف المسيحيين في القدس إلى قضية وطنية وليست دينية، وإذا كان البطريرك ثيوفيلوس واضحاً من أفعاله أنّ عمله هو لإحداث تغيير ديموغرافي وإجتماعي في القدس، وضرب الكنيسة الفلسطينية من الداخل، فما حُجّة السكوت العربي عن ما يحصل، وهو إمتداد لتفريغ كل فلسطين من هويتها؟. 

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , ,