لم ينجح أحد! خلاصة نتائج إنتخابات الهيئات المحلية في الضفة المحتلة
أبريل 1, 2022 8:35 ص*أحمد الطناني – غزة:
لم ينجح أحد من المكونات الرئيسية في المشهد السياسي الفلسطيني، وبشكل خاص معسكرات القوى الأبرز، حركتي فتح وحماس والجبهة الشعبية، في تحقيق الإختراق النوعي الذي أراده كل طرف عبر مشاركته العلنية أو الضمنية في الإنتخابات.
أسباب ودوافع المشاركة
حركة فتح والسلطة الفلسطينية ذهبت لخيار الإنتخابات البلدية تحت الضغط الدولي وبشكل خاص الأوروبي، ولحاجتها المُلحة لأي شكل من أشكال ترميم الشرعية حتى لو عبر صندوق الإنتخابات البلدية، خصوصاً بعد إلغاء الإنتخابات العامة التي كانت محطّ إتفاق وطني، والفشل في عقد دورة المجلس المركزي بنصابٍ وطني واسع ليكون بوابةً لتجديد الشرعية، وتقديمه كبرلمان فلسطيني بعد حلّ المجلس التشريعي.
صمّمت السلطة الإنتخابات على مرحلتين ضاربة العرف والقانون بعرض الحائط، حيث أرادت أن تضمن تحقّق نقطتين رئيستين: الأولى، فحص المزاج الشعبي بالمرحلة الأولى وهي في الهيئات المحلية الصغيرة كنموذج أوّلي للإختبار. والثانية، التأكد من عدم مشاركة الخصوم السياسيين وبشكل خاص حركة حماس في الإنتخابات حتى لا تتحول الإنتخابات من بوابة لتجديد الشرعية إلى مدخل للمزيد من إنعدام الشرعيات إذا فشلت في تحقيق النتائج التي تريدها.
حركة حماس والتي أعلنت رسمياً رفضها الإنتخابات البلدية المُجزّأة، ورفضها من حيث المبدأ تجزّؤ العملية الإنتخابية ككل، ودعت إلى عقد الإنتخابات الشاملة، وكنتاجٍ لهذا الرفض أيضاً رفضت عقد هذه الإنتخابات في قطاع غزة، عادت بعد المرحلة الأولى من الإنتخابات المحلية وأعطت ضوءاً أخضر يسمح لعناصرها بالترشّح بالهيئات المحلية بدون الإعلان عن ترشّحهم بإسم الحركة (أي كمستقلين) وبشكلٍ خاص في المدن الكبرى، بهدف عدم ترك الساحة مفتوحة لحركة فتح لتحقيق أهدافها وترميم شرعيتها عبر بوابة الإنتخابات البلدية، وأيضاً لتكسب هي شرعية إنتخابية جديدة ومساحات جديدة للتحرّك في الضفة المحتلة عبر المجالس البلدية الجديدة التي يمكن أن تنجح في الحصول على مقاعدها، وهي فرصة لتعيد إختبار مدى حضورها الجماهيري بعد هذه السنوات من انقطاع العمل “العلني” لها ولماكنتها الجماهيرية.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورغم معارضتها من حيث المبدأ لفكرة تجزئة الإنتخابات، وإلغاء الإنتخابات العامة، ورفضها الثابت لحالة الإستفراد في المؤسسات الرسمية الفلسطينية، إلا أنّها لم تعلن رفضها المشاركة بالإنتخابات البلدية، وسمحت لقواعدها باتخاذ قرار المشاركة وشكلها كلاً حسب بيئته المحلية وظروفها، وذلك لعدة إعتبارات أهمها أنّ هذا الموقف هو تاريخي بالجبهة التي تشارك بالإنتخابات البلدية منذ السبعينيات، وترى في المجالس البلدية شأناً خدماتياً من جهة، وفرصة لتعزيز نماذج الصمود المحلي والتصدي للمخططات الصهيونية على غرار تصدّيها لمشروع روابط القرى آنذاك، وغيره من المشاريع التي هدفت للنّيْل من وحدة الشعب الفلسطيني، ومن جانب آخر فإنّ الجبهة التي تصدّرت حراكاً سياسياً فاعلاً ومعارضاً لنهج السلطة وقمع الحريات والتنسيق الأمني وكانت أبرز المتصدّين لنهج التفرّد بمنظمة التحرير وآخرها إنعقاد دورة المجلس المركزي في رام الله، الذي قاطعته وحشّدت لمقاطعته ولم تعترف بمخرجاته، كل هذا كان لا بد من أن يقترن بقياس حجم الإلتفاف الجماهيري حول هذه المواقف، وحاجتها الميدانية أيضاً لأن تُوفّر المجالس البلدية لكادرها نوعاً من هامش الحركة بعيداً عن الإستهداف الصهيوني المستمر بحقّهم على إختلاف مستوياتهم خصوصاً بعد تصاعد فعل الجبهة بالعمل المقاوم.
القوائم المستقلة عنوان المواجهة، والطريق وعرة أمام الجميع
على أثر تقديم القوائم المترشّحة وبدء الدعاية الإنتخابية، لحظ الجميع حجم المنافسة وإشتدادها، وحجم الدعاية الضخمة، وإستخدام كل الأطراف لمُسمّى القوائم المستقلة في العديد من الهيئات المحلية كوسيلة للمشاركة عبرها، حتى حركة فتح التي تعمل في الضفة المحتلة بعلنية وبدون ملاحقة أمنية مكثفة من الاحتلال، وهي حزب السلطة التي تُنظّم الإنتخابات، فضّلت أن تُسجّل قوائمها في بعض الهيئات المحلية كقوائم مستقلة، مثل نابلس، بيت لحم، بير زيت، البيرة وأريحا.
في ما كانت كل القوائم المدعومة من حركة حماس، أو تلك التي تحالفت فيها مع الجبهة الشعبية، مُسجّلة كمستقلة، وهي السِمة التي غلبت أيضاً باقي قوائم الجبهة الشعبية سواء المنفردة أو ضمن تحالفات، فلم يُسجّل قوائم حزبية بإسم الجبهة الشعبية سوى في 3 هيئات بلدية كلّها تحالفات مع فصائل منظمة التحرير.
لكل تنظيم مبررات في إتخاذ “القوائم المستقلة” وسيلة للمشاركة عبرها بالإنتخابات، مثل الموقف السياسي لحركة حماس، والملاحقة الأمنية الواسعة للجبهة الشعبية وحركة حماس والتي تُشكّل خطراً على مرشحيهم في حال ترشّحهم بقوائم حزبية، أو الخشية من عقاب الجماهير كما في حال حركة فتح في بعض المواقع، مثل مدينة نابلس، التي سبق أن خسرت قائمتها الرسمية مقابل قائمة فتحاوية أخرى معارضة ترشّحت كمستقلة في الإنتخابات البلدية السابقة.
كان واضحاً أنّ المعركة الإنتخابية لن تكون سهلة على أي طرف، وأنّ كل الأطراف سيضعون كل ثقلهم لتحقيق أهدافهم، وهو ما بدأ يتّضح أكثر فأكثر كلما كان موعد الإنتخاب أقرب، حيث أصبحت الدعاية الإنتخابية تستخدم الشعارات السياسية، ووسائل الإعلام بدأت تتحدث عن مدى ثقل القوائم المستقلة، بحيث أصبحت الأمور أكثر وضوحاً للناخب والمتابع.
لم تأتِ الرياح كما تشتهي السفن
إختلفت تقديرات المتابعين للشكل الذي يمكن أن تكون عليه النتائج، إذ توقّع البعض أن تكتسح حركة فتح بعد إستخدامها لكل مواردها وأدوات السلطة وأجهزتها الأمنية ونفوذها في كل المواقع، في ما توقّع آخرون أن يكون الإكتساح لقوائم فصائل المعارضة على إختلافها، لرغبة وحاجة الشعب إلى التغيير ورفض الفساد والقمع الصادر عن السلطة ومؤسساتها.
مع بداية الفرز بعد إغلاق صناديق الإقتراح بدأت تتوالى الأخبار الصادمة لكل الأطراف، فلم يتمكن أحد من حسم العدد اللازم من الهيئات المحلية وبشكلٍ خاص في المدن الكبرى التي تؤهله لجني ثمار سياسية كبرى، أو ترميم شرعيته الإنتخابية، أو تحقيق نتيجة يمكن أن يستند إليها بشكل واضح في قياس جماهيريته.
حركة فتح والتي قالت عبر قيادتها إنّها اكتسحت الهيئات المحلية، كانت نتائجها متواضعة جداً مقارنة بما تمتلكه من حرية في الحركة والموارد والمنظومة الرسمية، إذ أنّها لم تُحسم في المدن الكبرى سوى مدينة رام الله بعدد مقاعد كبير (9 مقاعد) إستخدمت كل موارد قوّتها ونفوذها لتحقيقها مع الأخذ بعين الإعتبار أنّه لم ينافسها فيها سوى قائمة الإئتلاف الديمقراطي (الجبهة الشعبية وفصائل اليسار) والتي حصلت على 4 مقاعد وقائمة أخرى محسوبة على طارق عباس نجل رئيس السلطة والتي حصلت على مقعدين، إضافة لقائمتين مستقلّتين لم يستطيعوا أن يتخطّوا نسبة الحسم، مع أهمية التنويه أنّ مجموع ما حصلت عليه كل القوائم مجتمعةً في مدينة رام الله لم يتجاوز الـ7865 صوت من أصل 22949 ناخب يحقّ له الإنتخاب وهي نسبة متدنية جداً مقارنة بحجم أهمية المدينة سياسياً وأهمية بلديتها.
في ما نجحت أيضاً حركة فتح في حسم 8 مقاعد في هيئة جنين المحلية التي لم تنافس فتح فيها أي قائمة وازنة لا من حركة حماس ولا الجبهة الشعبية أو غيرها، ومع ذلك فقد حصلت قائمتان مستقلتان على ما مجموعه 7 مقاعد مقابل قائمة حركة فتح الرسمية في المدينة.
أما مدينة نابلس، وهي المدينة ذات الوزن والثقل الجماهيري الكبير فتمكّنت القائمة المستقلة المحسوبة على حركة فتح من الحصول على 8 مقاعد مقابل 7 مقاعد حقّقتها القائمة المستقلة المدعومة من حركة حماس والجبهة الشعبية، في نتيجة تقدّمت بها فتح بفارق متواضع (مقعد واحد فقط).
أما قلقيلية فالوضع مغاير، فرغم تمكّن قائمة حركة فتح من حسم العدد الأكبر من المقاعد (7 مقاعد) مقابل 5 مقاعد للقائمة المستقلة المدعومة من حركة حماس والجبهة الشعبية، وحصول قائمة مستقلة معارضة أيضاً لحركة فتح على 3 مقاعد، فقد تحوّل الإنتصار إلى أزمة بسبب عدم تمكّن حركة فتح من حسم رئاسة المجلس بدون التحالف مع أحد الكتلتين، في ما سيكون السيناريو الأصعب هو تحالف الكتلتين معاً وحسم رئاسة المجلس وقلب معادلته ضد فتح.
الحال نفسه في النتائج مع كل الهيئات التي تمكّنت فتح من التقدّم فيها، علماً أنّ العديد من الهيئات المحلية تقدّمت فيها قوائم محسوبة على حركة فتح إلا أنّها معارضة للقوائم الرسمية للحركة على قوائمها الرسمية، وهذا بالمحصلة عدّته فتح بأنّه إنتصار لها، في ما هو يُسجّل إنتصاراً عليها من قِبل المعارضة حتى وإن كانت معارضة داخلية فيها، ويكشف عمق الأزمات الداخلية داخل الحركة، ومدى العزلة الجماهيرية التي يعانيها الخط الرسمي للحركة في الكثير من المواقع.
القوائم المستقلة المدعومة من حركة حماس والجبهة الشعبية بالواقع تمكّنت من حسم عدد من المدن الرئيسية، حيث تقدّمت في الخليل بنتيجة مريحة إذ حقّقت 8 مقاعد، مقابل 6 مقاعد لحركة فتح، وتمكّنت من حسم أغلبية المقاعد في كلاً من مدينتي طولكرم، والبيرة.
في ما تمكّنت الجبهة الشعبية من تحقيق تقدّم ونتائج مهمة في كلاً من بيت ساحور، بيت جالا، بير زيت عبر حصولها على أكبر عدد من المقاعد مما يؤهّلها للتحالف لحسم رئاسة هذه المجالس.
الخلاصة: لم ينجح أحد
إرتباطاً بما سبق، نجد كإستخلاص رئيسي أنّ أي طرف من الأطراف الرئيسية في الإنتخابات البلدية لم يتمكّن من تحقيق النتائج التي يرجوها، وأنّ الخلاصة النهائية للنتائج هي (لم ينجح أحد) في تحقيق أهدافه كاملة، ونجح الجميع في أن يكون حاضراً في مشهد الهيئات المحلية وحصد المقاعد، بينما لم ينجح الجميع في إقناع جمهور العازفين عن المشاركة بالإنتخابات من التوجّه لصناديق الإقتراع وهو ما جعل نسبة المشاركة متدنية جداً في المدن الكبرى، وبشكل خاص مدينتي رام الله ونابلس التي كانت فيها المنافسة ساخنة، أيضاً لم ينجح أحد في إقناع الجمهور أنّ المهنية والكفاءة هي المعيار في الترشّح والنجاح بالهيئات المحلية في القرى، بل إنخرط الجميع في أتون التوازنات القبلية والعشائرية وشرعنتها عبر التحالف معها أو تمثيلها في قوائمه، أيضاً لم ينجح أحد في جعل الصندوق الإنتخابي حكماً وفيصلا، فما إن انتهت عمليات الفرز حتى بدأت مظاهر التخوين وإطلاق الرصاص والهجوم والتنديد والإتهامات المتبادلة بالطفو على السطح، إذا، بالتأكيد، في كل هذا.. لم ينجح أحد.
بينما نجح الناخب الفلسطيني في وضع كل مكوّنات الفعل السياسي الفلسطيني في المجالس المحلية جنباً إلى جنب، وأجبرهم بهذه النتائج المتقاربة على العمل معاً كسبيل وحيد من أجل أن يسير مركب العمل وخدمة المواطنين، والجميع أمام امتحان حقيقي الآن، فإن عملوا معاً سارت الهيئات المحلية في طريقها، وإن عملوا ضد بعضهم، تعطّلت الهيئات المحلية ليصبح الجميع خاسرين، والخاسر الأكبر هو الشعب، وأيضاً من وصل إلى المجلس ليناكف لا ليعمل لأنّ الشعب حتماً سيعاقبه في المستقبل.
نجح أيضا، الناخب الفلسطيني الذي لم يشارك بالإنتخابات، وهم نصف من يحقّ لهم الإنتخاب تقريبا، في إرسال رسالة واضحة لكل مكوّنات النظام السياسي الفلسطيني، بأنّ ثقة الشعب باتت معدومة بالشكل التقليدي للنظام السياسي الفلسطيني الرسمي والفصائلي، ولا ثقة لديه أنّ هناك أفقاً للتغيير طالما بقي الإنقسام سيد الموقف، والتشتّت والتفرّد والهيمنة عنوان الفعل الرسمي الفلسطيني.
ختاما، إنّ القوى والفصائل تحتاج أن تدرس نتائج هذه الإنتخابات بشكل أكثر تعمّقاً من حساب عدد المقاعد لتعرفَ تماماً ماذا يريد الشعب الفلسطيني، ماذا يريد من شارك بالإنتخابات، وماذا يريد من لم يشارك، وأن تُحلّل توجّهات الناخب ونظرته للإنتخابات المحلية، هل تعامل معها كإنتخابات خدماتية بحت؟، أم كان البُعد السياسي حاضراً فيها؟، ومن لن يستخلص الدروس اليوم سيدفع الثمن مستقبلا.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
أحمد الطناني, الإنتخابات البلدية, التنسيق الأمني, الشعارات السياسية, الضفة الغربية, الفصائل الفلسطينية, الهيئات المحلية الفلسطينية, رام الله, صمود, فلسطين المحتلة, قطاع غزة, قلقيلية, نابلس