حال القدس 2021: هبّة باب العمود وسيف القدس في مواجهة “حارس الأسوار” وإقتحامات الأقصى وتهجير الشيخ جرّاح

التصنيفات : |
أبريل 7, 2022 8:03 ص

*خاص – صمود:

أصدرت مؤسسة القدس الدولية، الأربعاء 30 آذار/ مارس 2022، تقريرها السنوي “حال القدس 2021: قراءة في مسار الأحداث والمآلات”، الذي يتناول أبرز التطوارت في القدس عام 2021 على مستوى مشروع التهويد ومقاومته والمواقف حيال ذلك، مستشرفاً المآلات والتطورات لعام 2022 مع جملة من التوصيات للجهات المعنيّة.

في التهويد

إستعرض التقرير تطورات أبرز سياسات الاحتلال لتغيير هوية القدس على المستوى الديمغرافي، حيث واصل الاحتلال الترويج لبناء الوحدات الإستيطانية بوتيرة عالية، وبلغ عددها 14549 وحدة إستيطانية جديدة في القدس المحتلة خلال عام 2021، في مقابل نحو 12 ألف وحدة إستيطانية في عام 2020. وفي ما يتعلّق بالهدم، هدمت سلطات الاحتلال نحو 187 منشأة في القدس في عام 2021، من بينها 115 منشأة هُدمت ذاتياً تجنباً للغرامات الباهظة، في ما استمر في عام 2021 تسليم أهالي الأحياء المهددة بالتهجير أوامر الهدم، من بينها تسليم 172 أمر هدم في سلوان. واستعرض التقرير تطوّرات مساعي الاحتلال لتهجير حي الشيخ جرّاح، ورفض أهالي كرم الجاعوني التسوية – الخديعة  التي عرضتها محكمة الاحتلال والتي تقضي ببقائهم في منازلهم كـ”مستأجرين محميين”، في مقابل إعترافهم بملكية منظمة “نحلات شمعون”.

وسلّط التقرير الضوء على واقع الإعتقالات وأسرى القدس، فرصد تزايد نسبة إعتقالات المقدسيين بنحو 40% في عام 2021، مقارنةً بعام 2020، وأشار إلى وجود قرابة 350 أسيراً في سجون الاحتلال، من بينهم 48 طفلا، و13 فتاة وامرأة، و42 أسيراً يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد. إضافة إلى ذلك، أوقفت ما تُسمّى “مؤسسة التأمين الوطني” التابعة للاحتلال التأمين الصحي ومخصصات التأمين لنحو 16 أسيراً مقدسيا.

وعلى مستوى التهويد الديني، فنّد التقرير واقع الإعتداء على الأقصى، وقال إنّ الاحتلال سعى في عام 2021 إلى تعويض ما عجز عن تحقيقه في عام 2020؛ بسبب تفشّي جائحة كورونا وما نتج عن ذلك من تقييد لبعض مساراته التهويدية وأدواته المعتادة في الإعتداء على المسجد، ولا سيما الإقتحامات.

الإعتداء على المقدّسات

واستعرض التقرير المسارات الأساسية التي سلكها الاحتلال في عام 2021، لفرض مزيد من السيطرة على الأقصى، وشملت هذه المسارات تثبيت إستراتيجية “التأسيس المعنوي للمبعد” خاصة في الأعياد اليهودية، وتحويل أداء الطقوس اليهودية المتصلة بـ”المعبد” إلى ثابت دائم، وتكثيف هذه الصلوات، وتحقيق مزيد من المكاسب عبر الشراكة بين المنظمات المتطرفة وأذرع الاحتلال الأمنية والسياسية والقضائية، ومحاولة الإستحصال على مزيد من القرارات التي تؤيّد إقتحام المسجد وصلاة اليهود فيه، علاوة على الاستمرار في إقتحام المسجد في الأعياد الإسلامية كسلوك تصاعد بقوّة في عامي 2019 و2021، لا سيما تحت ذريعة تزامن الأعياد العبرية مع تلك الإسلامية.

وفي الأرقام، رصد التقرير مشاركة 34112 مستوطناً في إقتحام الأقصى عام 2021، بزيادة 84% مقارنةً بعام 2020، من بينهم نحو 1540 مستوطناً في “ذكرى خراب المعبد”، و5597 مستوطناً في أسبوع “عيد العُرش” ما بين 20 و27 أيلول/سبتمبر. وأصدرت سلطات الاحتلال 357 قرار إبعاد عن الأقصى، ما شكّل إرتفاعاً بنحو 13.3% عن القرارات الصادرة في عام 2020، في ما وُثّقت 30 حالة إعتقال لموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية وخاصة من الحراس والسَدَنَة وموظفي لجنة الإعمار.

ولفت التقرير إلى إعتداء الاحتلال ومستوطنيه على المسيحيين والمقدسات المسيحية في القدس، ومن ذلك التضييق على المسيحيين الوافدين إلى كنيسة القيامة بالتزامن مع أول أيام عيد الفصح، وإعتداء مستوطنين على رجال دين مسيحيين قرب كنيسة القيامة ومهاجمة رجال دين مسيحيين من كنيسة الأرمن الأرثوذكس والإعتداء عليهم بالضرب.

المقاومة الشعبية

على مستوى المقاومة، بيّن التقرير أنّ المقاومة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين رسّخت نفسها أبرز عوامل إقلاق الاحتلال وزعزعة أمنه، وقد استمرّت في إستهدف المستوطنين والمستوطنات، ضمن إطار مواجهة الاحتلال وتغوّله، والإستجابة لما تشهده القدس والمقدّسات من اعتداءات.

وأشار التقرير إلى أنّ المقاومة الشعبية والمسلّحة شكّلت في عام 2021 نقطة مفصلية في الصراع مع الاحتلال، مع مشاركة كلّ الفلسطينيين في أعمال المقاومة التي إنطلقت من القدس المحتلة ووصلت حتى الأراضي المحتلة عام 1948، وقد أسهم إطلاق المقاومة في قطاع غزة معركة “سيف القدس” في رفد هذه الهبة التي ساهمت هبة باب العمود في إطلاقها، لتشمل كلّ فلسطين التاريخية، وهي معطيات حقّقت بأنساقها الشعبية والمسلحة تحولاً إستراتيجيا، وألقت بظلالها على إقتصاد الاحتلال وقدرته على “الردع”.

وفي المعطيات، أشار التقرير إلى تصاعد عمليات المقاومة بنحو 68% مع إرتفاعها من 912 عملية عام 2020 إلى 1539 في عام 2021، وفق “الشاباك”. أمّا المعطيات الفلسطينية فأحصت نحو 10850 عملية، من بينها نحو 441 عملية مؤثرة، و2170 عملية في القدس المحتلة.

تراجع التضامن

وعلى مستوى المواقف، بيّن التقرير أنّ الموقف الرسمي الفلسطيني كان عاجزاً في خطابه ومواقفه وأدائه، بالمقارنة مع حجم الإنتهاكات والإعتداءات الإسرائيلية على القدس والأقصى والمقدسات، بالتوازي مع إستمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال، في ما دعت القوى والفصائل الفلسطينية إلى تصعيد المقاومة الشعبية والمسلحة لمواجهة مخططات الاحتلال في القدس والأقصى، وإتفاقيات التطبيع، وكانت معركة “سيف القدس” التعبير الأبرز عن توافق خطاب المقاومة وأفعالها على الأرض.

وأشار التقرير إلى إستمرار تراجع القضية الفلسطينية على مستوى إهتمام الدول العربية والإسلامية، مع تصاعد الإنفتاح الخليجي على دولة الاحتلال، في حين تراوحت ردات الفعل الأردنية الرسمية على سياسة الاحتلال في القدس، بين بعض الجهود القانونية والدبلوماسية، وتصريحات الشجب والإستنكار.

أمّا على المستوى الدولي، فاستمرّ الفشل في توفير الحماية للمقدسيين ومقدّساتهم، ولم يتمكن مجلس الأمن من إصدار إعلان مشترك لوقف العمليات العسكرية في معركة “سيف القدس”، ولم يصدر عن الإتحاد الأوروبي أيّ إجراءات تردع الاحتلال عن اعتداءاته، في ما استمرّ إنحياز الولايات المتحدة إلى دولة الاحتلال، وتجلّى ذلك خصوصاً في أثناء معركة “سيف القدس” مع تأييد واشنطن العدوان الإسرائيلي تحت عنوان “حقّ “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها”.

وفي ما خصّ المآلات، رأى التقرير، إستناداً إلى مسار الأحداث في عام 2021، أنّ “منظمات المعبد” ستصعّد من مطالبها الرامية إلى فرض المزيد من التحكم بالأقصى وأبوابه، ومحاولة تحويل بعض هذه المطالب إلى حقائق على أرض الواقع، والإتجاه إلى تثبيت أداء الصلوات اليهودية العلنية في المسجد، وتصعيد أدائها في الأعياد اليهودية، بالتوازي مع سعي الاحتلال إلى مزيد من التدخل في دور الأوقاف الإسلامية.

ورأى التقرير أنّ سلطات الاحتلال ستستمر في إستهداف عوائل الشيخ جرّاح لتهجيرهم من الحي، عبر فتح المزيد من القضايا وتشتيت الجهود القانونية والشعبية لمواجهة أطماع الاحتلال، علاوة على تصعيد سلطات الاحتلال هدم منازل الفلسطينيين ومنشآتهم، في سياق فرض العقوبة الجماعية على المقدسيين، وإستمرارها في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الخاصة بالإستيطان، لتغيير بنية المدينة وطمس هويتها العربية والإسلامية.

الذئاب المنفردة

ورجّح التقرير تصاعد العمليات الفردية النوعية في عام 2022، وإستمرار مسار المقاومة الشعبية، لا سيّما في ظلّ إصرار الاحتلال والمستوطنين على السير بمخططات تهويد الأقصى، وتمسّك الاحتلال بتنفيذ مسارات التهويد في القدس المحتلّة، وتصاعد الإعتداءات في فلسطين المحتلّة عموما. وفي مقابل ذلك، فإنّ سلطات الاحتلال ستستمر في إستهداف مسار العمل المقاوم بكلّ تجلياته، عبر تصعيد فرض الإجراءات العقابية و”الردعية” وإحكام أطواق المراقبة لتوقّع العمليات ومنعها قبل تنفيذها.

ولا يبدو التقرير متفائلاً في سيناريوهات المواقف العربية والإسلامية الرسمية إذ يتوقّع تصاعد مستوى التطبيع العربي مع الاحتلال، وما يرافق ذلك من إستمرار تراجع موقع القضية الفلسطينية والقدس في سلّم أولويات النظم الرسمية للدول العربية والإسلامية.

ولا يتوقّع التقرير خروج الموقف الأمريكي والأوروبي عن مساراته المعتادة، إن لجهة الانحياز الأمريكي لدولة الاحتلال، وتبريري جرائمها تحت مسمّى “حق الدفاع عن النفس”، أو إكتفاء الأوروبيين بمواقف الشجب والإدانة من دون خطوات عملية لحمل دولة الاحتلال على وقف إعتداءاتها في القدس والأقصى أو فلسطين عموما.

أوقفوا التنسيق الأمني

وقدّم التقرير جملة من التوصيات إلى الجهات المعنية، ومن أبرزها توقف السلطة الفلسطينية الفوري والتام عن التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإبقاء الفصائل الفلسطينية المقاومة على تفاعلها الحثيث مع ما يجري في القدس والأقصى. وتوجّه التقرير إلى الجماهير الفلسطينية مشدداً على أهمية التنبّه لما يحاول الاحتلال تنفيذه في القدس عامة، وفي المسجد الأقصى على وجه الخصوص، من إفراغ للمسجد من المصلين، والسماح للمستوطنين بأداء الصلوات اليهودية العلنية، وهذا ما يرفع من سقف مسؤولية الجماهير الفلسطينية القادرة على الوصول إلى الأقصى، خاصة في الأوقات التي تتزامن فيها الأعياد اليهودية مع الأعياد الإسلامية.

وشملت التوصيات الموجهة للأردن ضرورة تدارك ما يجري في الأقصى، إذ تقضم سلطات الاحتلال دوره في رعاية المقدسات في القدس المحتلة، وفي مقدمتها المسجد، ما يستوجب العمل الفعلي وليس الإكتفاء بالشجب وحسب، وحماية العنصر البشري الإسلامي في الأقصى، وتحصين دور الأوقاف الإسلامية في القدس.

وبالنسبة إلى الحكومات العربية والإسلامية، أكّد التقرير أنّ التطبيع لن يكون طوق النجاة للدول العربية إزاء ما تعانيه من مشاكل داخلية بل سيزيد العبء السياسي والأمني عليها، ما يستوجب عدم الإنزلاق إلى هذا المستنقع. وأوصى التقرير بتقديم الدعم المباشر والسخي للمشاريع التي تُعنى بعمارة الأقصى، ورفد المرابطين بالرعاية القانونية والمالية اللازمة، خاصة الفئات التي تتعرض للإعتقال والإبعاد بشكلٍ متكرر، إضافةً إلى إيجاد حلول مالية مباشرة للذين يتعرضون لهدم منازلهم في القدس المحتلة.

كذلك، شدّد التقرير على ضرورة توفير الدعم للقطاعات الحياتية للمقدسين، خاصة قطاعي التعليم والصحة، وهي قطاعات يمكن أن توفّر للمقدسيين مظلة رعاية تقيهم الوقوع فريسة منظومات الاحتلال.


وسوم :
, , , , , , , , , ,