الإنتخابات الطلابية في جامعات غزة، حقٌّ طال إنتظاره

التصنيفات : |
أبريل 8, 2022 8:40 ص

*أحمد الطناني – غزة:

إنتهت الإنتخابات البلدية في الضفة المحتلة، والتي سبقها بأيام قليلة إنجاز إنتخابات مجلس طلبة جامعة بيت لحم والتي سيليها منتصف أيار/مايو القادم إنطلاق قطار الإنتخابات الطلابية في جامعة بيرزيت التي تحظى بالعادة بإهتمام ومتابعة واسعة، وصولاً لإنجاز إنتخابات العدد الغالب من الجامعات في الضفة المحتلة (بإستثناء جامعة النجاح في نابلس التي تتعطل فيها الإنتخابات منذ سنوات).

رغم أنّ هذا المشهد الإنتخابي منقوص بسبب غياب الإنتخابات العامة التي تشمل المجلس الوطني والتشريعي والرئاسة، إلا أنّ هذا الجو الإنتخابي يوجّه الأنظار نحو قطاع غزة، ويحفز جموع الطلبة في جامعات القطاع والمتابعين لشؤون الحركة الطلابية الفلسطينية حول ضرورة تحريك المياه الراكدة بملف الإنتخابات الطلابية في جامعات القطاع، والمعطَّل منذ أكثر من 15 عام مر خلالها أجيال من الطلبة الذين بدأوا وأنهوا مشوارهم التعليمي دون ممارسة حقّهم الديمقراطي في إنتخاب من يُمثّلهم.

هذا الحقّ الطلابي الذي لا يملك أي أحد حقّ تعطيله، هو ليس شأن طلابياً فقط، بل إنّ كل المجتمع الفلسطيني بقواه السياسية والإجتماعية يتأثّر بدرجة مباشرة بهذا التعطيل، إذ أنّ سنوات التعطيل ساهمت في التراجع الكبير في دور الحركة الطلابية، وإنحصار فعلها ونشاطها، وركود كادرها وتعزّز شعوره المتنامي بفقدان كل حقوقه وإنعدام أهمية دوره، مما يحرم المجتمع من قوى وكوادر شبابية كان يمكن أن توفّر الحياة الطلابية الطبيعية فرصة لهم لصقل تجربتهم وخوض معارك ديمقراطية يحسمها صندوق الإنتخابات، وتنمية قدرات العمل النقابي، والقدرة على ربط البرنامج الوطني بالبرنامج المطلبي، إضافة لتقديم كوادر شبابية واعدة كل عام مع كل موسم إنتخابي جديد، كانت هذه الكوادر ستُشكّل بلا أدنى شك إضافة نوعية للقوى السياسية، وللمجتمع الأهلي الفلسطيني.

مرّ ملف الإنتخابات الطلابية في جامعات قطاع غزة بعدة مراحل بدءاً من التعطيل مررواً بالمماطلة وصولاً للتغييب والتهميش للملف ككل، إلا أنّ الآونة الأخيرة شهدت حراكاً جديداً على صعيد القوى الوطنية والإسلامية في القطاع، لإستكمال الجهود السابقة لإعادة الحياة الديمقراطية وصندوق الإنتخابات إلى جامعات غزة، جهود يجب أن لا تفشل، ومن غير المقبول أن نقبل أن تفشل، رغم الواقع الطلابي الصعب الذي تعيشه جامعات القطاع.

العمل الطلابي في قطاع غزة، تجربة متأخرة سادها الإستهداف والإستنزاف

لم تستطع الحركة الطلابية في قطاع غزة عبر تاريخها، بلورة أي تجربة كاملة لحالة من الفعل الطلابي المتواصل والمتكامل لعدة ظروف، أهمها تأخر تأسس الجامعات في قطاع غزة مقارنة بالضفة الغربية، إستهداف الاحتلال المتواصل للجامعات وكوادر العمل الطلابي إبان إنتفاضة الحجارة، ومع مرحلة أوسلو وتأسُّس السلطة لم تخلُ الجامعات من التدخل الأمني الفجّ من الأجهزة الأمنية للسلطة، وعدم التوافق على النظام الإنتخابي والذي أدّى لمقاطعة شبه دائمة من الأطر الطلابية اليسارية للعمليات الإنتخابية القليلة التي جرت، وصولاً لمرحلة الإنقسام التي ألقت بظلالها على الجامعات وأدّت لإتخاذ قرار حظر الأنشطة الطلابية بما يشمل عدم تنظيم الإنتخابات الطلابية في موعدها.

التمثيل النسبي كخيار وتوافق

بعد سنوات من النضال من الأطر الطلابية وفي المقدمة منها الأطر اليسارية في جامعات قطاع غزة، وعلى أثر جولات من التفاوض والحوارات المتعددة التي تُوّجت بمبادرة من النائبين بالمجلس التشريعي جميل المجدلاوي وجمال الخضري، تمكنت الأطر الطلابية من الوصول لإتفاق على النظام الإنتخابي يقضي بإعتماد التمثيل النسبي الكامل بمجالس الطلبة في القطاع، وقد عالج هذا الإتفاق كل الملاحظات التي كانت لدى الأطر الطلابية وأوصلها إلى إجابات توافقت عليها كل الأطراف.

هذا الإتفاق الذي اتّضحت ملامحه بالعام 2008 بقي حبيس الأوراق الموقعة من كل الأطر، ومن رعاة الإتفاق نائبا التشريعي ورؤساء مجالس الأمناء في جامعات قطاع غزة، وما لبث أن اصطدم بعقبة موعد إجراء الإنتخابات، الذي رفضت الإتفاق عليه كلاً من الأطر الطلابية لحركتي فتح وحماس.

الفيتو على إجراء الإنتخابات في جامعات القطاع

بقي موضوع تحديد الموعد معطلاً ورهينة للفيتو الذي وضعته كلاً من الكتلة الإسلامية الإطار الطلابي لحركة حماس، والشبيبة الفتحاوية الإطار الطلابي لحركة فتح.

الكتلة الإسلامية إشترطت التزامن في إجراء الإنتخابات بين كل الجامعات في قطاع غزة وبشكل رئيسي بين الجامعة الإسلامية التي تسيطر على مجلس طلبتها، وجامعة الأزهر الذي تسيطر فيها الشبيبة على مجلس الطلبة.

وضعت الشبيبة الفتحاوية عدة إشتراطات لقبولها تحديد موعد لإجراء الإنتخابات، تمثّلت أهم هذه الإشتراطات في توفُّر ضمانات أمنية بعدم الإعتقال السياسي لأي من كوادرها، وإعادة فتح مقراتها في قطاع غزة التي أغلقت بسبب الإنقسام.

أخذ كلا الإطارين جموع الطلبة الجامعيين في قطاع غزة رهينة لإشتراطاتهم وهي بالمعنى الجوهري مطالب شكلية وإن كان جزءاً منها مُحق، إلا أنّها شكلية وقد عالجتها ملحقات الإتفاق مثل ميثاق الشرف وضمانات اللجنة المشرفة على الإنتخابات، إلا أنّ هذه الإشتراطات هي بالتأكيد مرتبطة بشكل أساسي بعدم توفُّر رغبة سياسية حقيقية لدى طرفي الإنقسام بتحقيق إختراق فعلي في إنجاز ملف الإنتخابات الطلابية.

الأساس أنّ العمل الطلابي هو عمل نضالي وليس نوعاً من أنواع الرفاهية، وهذا العمل النضالي جزء أساسي منه النضال من أجل توفير بيئة عمل ديمقراطية لنشطاء العمل الطلابي خالية من الملاحقة الأمنية والتضييقات من قِبل إدارات الجامعات بحقّ كوادر الحركة الطلابية، هذا النضال لا يتمّ عبر منح فرصة مجانية للإنقضاض على الحركة الطلابية بتعطيل إنتخابات مجالس الطلبة التي يمكن أن تقدم هيئات إدارية قوية تدافع عن حقّ الطلبة في ممارسة أنشطتهم دون أي تدخل من أي طرف، فبالمحصلة الحقوق تُنتزع ولا تُستجدى.

إدارات للجامعات مستفيدة ومتواطئة من غياب المجالس الطلابية

منذ أحداث الإنقسام، سارعت إدارات الجامعات في قطاع غزة إلى حظر النشاط الطلابي داخل أسوار الجامعات تحت مبرّر تجنيب الجامعات أتون الإنقسام وإشكالياته، وتبِعه القبول برهن إجراءات الإنتخابات الطلابية بموافقة الأطر الطلابية من جانب، وبتوفر الأجواء لإجراء الإنتخابات من جانب آخر، وفي الحقيقة كلا المبررين هما من مبررات لا علاقة لها لا بالنظم الجامعية، ولا بالقيم الأكاديمية للجامعات وإستقلالية قراراها بمعزل عن التأثير السياسي، وهو ما فعلته جامعات الضفة بعد الإنقسام مباشرة، إذ حافظت على إستقلالية قرارها بمعزل عن رغبات الأطر الطلابية، فرغم مقاطعة الكتلة الإسلامية الإنتخابات لعدة سنوات، إلا أنّ الجامعات صممت على الإلتزام بلوائحها ونُظُمها التي تنصّ على عقد إنتخابات مجلس الطلبة كل فصلين دراسيين (عام دراسي كامل)، وهو ما اضطر الكتلة الإسلامية في ما بعد إلى الإلتحاق بركب الإنتخابات، وخوض نضال طلابي لمواجهة الإعتقالات السياسية لنشطائها من قبل أجهزة أمن السلطة.

رأت إدارات الجامعات بكل ما حدث في قطاع غزة فرصة للتخلص من الأجسام الطلابية المنتخبة، وهي فرصة للإنقضاض على الحقوق الطلابية حيث شهدت السنوات العشر الأخيرة تصاعداً متسارعاً في الإجراءات التي تستهدف الطلبة من منع للنشاط الطلابي وتضييق هامش النشاط اللامنهجي عموما، ورفع الرسوم، ووضع إشتراطات مالية للتسجيل، وطرد الطلبة الغير مسددين من قاعات الإمتحانات، وتقليص عدد المنح المقدمة، وتجميد أموال صناديق الطلبة في الجامعات، والإستفراد بالعديد من الملفات التي كانت من إختصاص مجالس الطلبة، وهو ما صبّ في مصلحة إدارات الجامعات على حساب الحقوق الطلابية.

لذلك تتذرع إدارات الجامعات بأنّها تنتظر الوفاق بين مكونات العمل الطلابي، وتضع نفسها رهينة لإشتراطات بعض الأطر، والأساس أنّها ترى في كل عام يمرّ بدون جسم طلابي منتخَب، هو فرصة للمزيد من الإجراءات التي تتعدى على الحقوق الطلابية وتحوّل الجامعات لشكل أشبه بالشركات التجارية الربحية.

الجديد بخصوص الإنتخابات الطلابية في قطاع غزة

كان لافتاً ما ورد بالبيان الصادر عن الإجتماع “التشاوري” الذي عقدته الفصائل الفلسطينية في غزة والذي ضم كلاً من حركة المقاومة الإسلامية حماس، حركة الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حركة المبادرة الوطنية، الجبهة الشعبية – القيادة العامة، الصاعقة بتاريخ الثالث من نيسان/أبريل الجاري، والذي تضمّن في مخرجاته بنداً ينصّ على “العمل لإنجاز توافق وطني طلابي على إجراء الإنتخابات الطلابية في جميع جامعات قطاع غزة، وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل” وهو ما يعني أنّ هناك حجراً سيُلقى في المياه الراكدة لتحريك ملف الإنتخابات الطلابية في قطاع غزة والمُعطّل منذ سنوات.

اللافت في البيان المذكور، أنّ أحد الموقعين عليه هي “حركة حماس” التي تحكم فعلياً القطاع، وإن كان ما ورد بالبيان يعكس نية جدية منها لنزع كل الذرائع والمبررات والذهاب لإنتخابات طلابية في جامعات القطاع، فهذا يُبشّر بأنّ هذا الملف ومع توفُّر الضغط اللازم من القوى الوطنية والإسلامية والنضج الكافي المقترن بالحرص على المصلحة الوطنية عامة والطلابية خاصة لدى الأطر الطلابية، يمكن أن يوصلنا لنكون أمام مشهد إنتخابي في جامعات القطاع يمكن أن يُشكّل خطوة مهمة في إطار إستعادة الحياة الديمقراطية في الأجسام الفلسطينية، التي نتمنى أن تبدأ من الجامعات وأن تُكمل مروراً بالنقابات والبلديات، وصولاً لإنتخابات عامة لكل مكونات النظام السياسي الفلسطيني.

أمام هذا التطور اللافت والمهم، الدعوة مفتوحة لكل القوى الوطنية والإسلامية، ومكونات المجتمع الأهلي الفلسطيني لممارسة الضغط اللازم على كل مكونات المشهد السياسي الفلسطيني لأجل تجنيدهم لصالح إنجاح أحداث هذا الإختراق في هذا الملف الحيوي والمهم، وضمان أوسع مشاركة ممكنة في هذه الإنتخابات.

إلا أنّني أدعو الموقعين على البيان أن لا يقبلوا بأن يكون هذا الملف رهينة للرغبات السياسية أو المصلحة الفئوية لأي طرف كان، والإصرار على أن يمضيَ قطار الإنتخابات في الجامعات إلى الأمام وليشارك من يشاء وليقاطع من يشاء، فعودة الحياة الديمقراطية إلى جامعاتنا أهم وأولى من أي مصلحة فئوية لأي طرف سياسي.

ختاماً لا يمكن أن يبقى هذا الملف رهينة التجاذبات السياسية، ولا أيضاً أن يبقى رهينة الرغبات المصلحية لإدارات الجامعات، بل الأساس أن تكون الجامعات هي مجتمعات صغيرة فاعلة ومتحركة وتقدّم نموذج أكثر إشراقاً عن التعددية واحترام الآراء والتبادل السلس للمواقع القيادية والإحتكام لصندوق الإنتخابات، لا أن تكون ساحات الجامعات هي ساحات للمزيد من القمع والتجاوز على الحقّ الطلابي، وحظر الأنشطة الطلابية وقمع الآراء المختلفة مع توجه إدارات الجامعات أو الحزب المهيمن عليها.

يجب أن يلتقط الجميع التطور الحالي والذي يُشكّل فرصة للدفع باتجاه إستعادة الحركة الطلابية لدورها وحيويتها لتعود لدورها الطبيعي كطليعة رئيسية في الحركة الوطنية الفلسطينية، وفي تطورها وصحتها وتعاظم فعلها، والتي تعني تطور للفعل الوطني الفلسطيني ومصلحة وطنية بحتة تقدّم كادراً قيادياً جديداً متمرساً وصاحب خبرة.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , ,