وقفة أمام سبع موضوعات
أبريل 13, 2022 3:04 م*منير شفيق
ـ 1 ـ
مثّلت العمليات الأربع في النقب والخضيرة وشارع بني براك وشارع دوزينغوف، مستوى أعلى من الناحية العسكرية في العمليات الفردية الشجاعة التي أُطلقت في 2015 ولم تتوقف، وإن تباعدت المسافة ما بينها أحيانا.
فقد اتسّمت العمليات المذكورة بدرجة جيدة من التخطيط والإعداد من قِبَل المنفذ، والذي اتسّم بالهدوء ورباطة الجأش أثناء التنفيذ. فضلاً عن المهارة في الأداء ودقته، ولا شك في أنّ الذروة عبّر عنها البطل الفدائي رعد حازم زيدان الذي هاجم أكبر، وأهم شارع في تل أبيب دوزينغوف.
ـ 2 ـ
حدثت ثلاث أو أربع مواجهات أثناء عمليات الإقتحام العسكري ضد مخيّم جنين. وقد باءت جميعها بالفشل من خلال الإشتباك، والتضامن الجماهيري والشبابي مع المقاومين المطلوبين. وهم يردّون على النار بالنار، وكان من بين الشهداء المقاوم الجهادي أحمد السعدي.
هذه المواجهات أعادت ذكرى المعركة البطولية الإشتباكية التي خاضها مخيّم جنين عام 2002. ولكنّها اليوم تمثّل مرحلة جديدة في التصدي الشعبي، والمسلح الناجح في إفشال الإقتحامات من قِبَل القوات الصهيونية، بالرغم من التواطؤ مع القوات الأمنية الفلسطينية.
ـ 3 ـ
الظاهرة التي كشفها المراسل العسكري الصهيوني أور هلير أثناء مشاركته لهجوم عسكري من 50 آلية على مخيّم جنين، وتصدّى ألف شاب له بالحجارة والقذائف الحارقة، إذ قال: “إنّ أحد الفتية ضرب على باب الجيب العسكري صارخاً إفتح… إفتح وبيده حجر”. وتابع: “غريب جداً هذا الجيل لا يخاف أبداً رغم إصابة سبعة منهم بالرصاص الحي. وكثرة الجنود في أكثر من 50 دورية وجرافة دخلنا.. ولم نُرعب هؤلاء؟!!!”.
المغزى في هذه الحادثة أنّ الفتى الذي هاجم الجيب، ومعه بالطبع مئات من عمره، هو من الجيل القادم الآتي، بعد الجيل الذي يمثّله الشهداء الأربعة، في العمليات الأربع المذكورة أعلاه. أي الجيل القادم بعد جيل سيف القدس، وإنتفاضات باب العامود، والمسجد الأقصى، والشيخ جرّاح وشباب الـ48، وتظاهرات الضفة في رمضان المبارك وأيار/مايو 2021.
هذا يعني من نموذج هذا الفتى وإخوانه أنّ الجيل الذي هو، في العاشرة، أو الحادي عشر من عمره الآن، سيكون “أشد رقبة” من الجيل الحالي الذي راح يهز الكيان الصهيوني هزاً لم يسبق له مثيل منذ 75 سنة.
لعل المؤشر على أنّ المرحلة المقبلة، قد لا تكون مرحلة ما شهدناه من هروب وفزع في شارع دوزينغوف، أو ما شهدناه في سيف القدس من هروب في الملاجئ، وإنّما مرحلة بدء الرحيل، أو التفكير جدياً بالرحيل بالنسبة للهاربين والفزعين (جنوداً و”مدنيين”) في دوزينغوف. يا لمنظر جندي صهيوني يحمل بندقية إم 16 يولي هارباً فزعا.
ـ 4 ـ
يجب أن يُلحظ أنّ من بين أبطال العمليات الأربع، وقد سبقهم الأسير الفتحاوي زكريا الزبيدي الذي شارك الأسرى الخمسة الذين صنعوا معجزة الهروب من سجن جلبوع، كما المقاومون الثلاثة الذين اغتالهم العدو الصهيوني الشهداء صائب عباهرة وخليل طوالبة وسيف أبو لبدة، ثم الشهيد صاحب مأثرة دوزينغوف البطل رعد حازم زيدان، هم كوادر من أعضاء حركة فتح التي على رأسها اليوم محمود عباس الذي دان العمليات الأربع، وكل مقاومة مسلحة ضد الاحتلال والإستيطان. واعتبر التنسيق الأمني مقدساً، ومارسه، وما زال، بأعلى همّة وعزيمة.
هذا يعني أنّ هذه الظواهر الجديدة قد تشير إلى مرحلة تصدّع في فتح إتفاق أوسلو، فتح الإنقسام، ونبذ المقاومة. كما تشير إلى بداية عودة، من جانب البعض، إلى فتح المنطلقات والرصاصة الأولى.
الأمر الذي يؤكد أنّ إنهاء الإنقسام لا يكون إلاّ بتشديد المقاومة والإنتفاض ضد الاحتلال والإستيطان. ولا يكون إلاّ بالإشتباك مع العدو بكل أشكال الإشتباك المتاح.
ـ 5 ـ
من اللافت للنظر أنّ رئيس وزراء حكومة الكيان الصهويني نفتالي بينيت طالب إثر عمليتي النقب والخضيرة بتسليح “الشعب” ليتصدى لمثل هذه العمليات.
إنّ التأمل الجيد بهذا التصريح يكشف عن مدى هُزال الكيان الصهيوني أمام تلقي ضربات ما زالت ضمن القدرة على الإحتمال كما يُفترض. إذ كيف يطالب رئيس الوزراء من جمهوره التسلح، وهنالك جيش وجهاز الشاباك والأجهزة الأمنية؟ لأنّ التسلح بوجود هؤلاء يعني إنهاء دور “الدولة” والدخول بالفوضى الميليشياوية.
حقاً السؤال: كيف ستكون ردات الفعل والتلقي، إذا ما ثقل العيار أكثر فأكثر، وأصبح عليهم أن يتحملوا ويصبروا كعُشر ما صبر وتحمّل الفلسطينيون طوال مائة عام؟
ـ 6 ـ
إنّه لمن المهم متابعة ردود الفعل الشعبية بين الفلسطينيين، كما بين الشعوب العربية، أو قل ردود فعل كل من أخذت تصلهم أنباء عملية رعد حازم في تل أبيب، وخصوصا، مشاهد الهرب والفزع في شارع دوزينغوف، حيث وصل التأييد إلى حد الفرح الغامر والسعادة المتناهية، في ظروف معيشية وأوضاع لا تحتمل الفرح والسعادة.
طبعاً لا يستطيع كل من يتابع ردود الفعل تلك أن يشك في الإجماع الفلسطيني حول المقاومة ودعمها. الأمر الذي يشكل استفتاءً لا يقبل التشكيك فيه بأنّ الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني هي مع سيف القدس والإنتفاضات، وما تفعله الأسود والفهود المنفردة، وليست مع سياسات استجداء دويلة فلسطينية هزيلة من عدو وجوده أصلاً غير شرعي. هذا ولا يفهم غير اللغة التي خاطبته بها إنتفاضات الأقصى وسيف القدس، وعمليات الشهداء الأربعة. ومن سبقهم من شهداء وأسرى وجرحى وأبطال.
ـ 7 ـ
كان العام 2021، عام سيف القدس والإنتفاضات في رمضان المبارك أيار/مايو، هو الرد العملي الحاسم على مشروع صفقة القرن التي أراد ترامب من خلالها تصفية القضية الفلسطينية، وفقاً للرؤية الصهيونية: إقتلاع كل الفلسطينيين وتحويل فلسطين إلى دولة يهودية قومية خالصة ليهود العالم.
وجاء العام 2022 وما زال حبله على الجرار، مبتدئاً بالعمليات الأربع ليكون رداً على ظاهرة الهرولة التي أطلقها دونالد ترامب وأراد جو بايدن إحياءها من خلال وزير خارجيته بلينكن في لقاء النقب، حيث عُقد في بيت بن غوريون الذي أسّس قيام الكيان. مما يفرض التراجع على الذين راحوا يعتبرون ظاهرة التطبيع تمثّل المستقبل العربي، بما ترمز إليه من عدم إعتبار الكيان الصهويني عدوا، أو عدم إعتبار القضية الفلسطينية القضية المركزية للعرب والمسلمين. فأحداث العمليات الأخيرة، ومن قبل حرب سيف القدس وجهتا صفعات لظاهرة التطبيع، وكانتا الرد الأنسب على الأوهام التي بُنيت على الإستعراضات الإستفزازية لظاهرة التطبيع المُعيب والعار.
*المصدر: عربي 21
وسوم :
إتفاق أوسلو, الإستيطان, الشاباك, العدو الصهيوني, القضية الفلسطينية, باب العمود, بن غوريون, بني براك, جو بايدن, حي الشيخ جرّاح, زكريا الزبيدي, سيف القدس, شارع دوزينغوف, صمود, عملية الخضيرة, عملية النقب, مخيّم جنين, منير شفيق, نفتالي بينيت