عام على معركة “سيف القدس”: إستخلاصات وعِبر

التصنيفات : |
مايو 13, 2022 7:23 ص

*أحمد الطناني – غزة:

يصادف هذه الأيام مرور عام كامل على معركة “سيف القدس” التي خاضتها المقاومة وإلى جانبها كل الشعب الفلسطيني دفاعاً عن القدس، عن المسجد الأقصى وأهالي الشيخ جرّاح وسلوان، حيث شهدت هذه المعركة وما تبعها وصولاً للحظة كتابة هذا المقال تطورات متلاحقة مهمة وجوهرية، لم تُغيّر في مشهد قطاع غزة والمقاومة فيه فقط، بل في المشهد الفلسطيني ككل، وفي التوجهات الإستراتيجية لقوى المقاومة سواء في فلسطين، أو في محور المقاومة عموما.

ساهمت معركة “سيف القدس” في رسم ملامح واضحة لتطور الفعل المقاوم، والإلتفاف والتكامل الشعبي مع المقاومة، في مشاهد لم تكن لتتحقق لولا اختيار التوقيت والعنوان الأنسب مترافقاً مع الإعداد الجيد والإلتقاط المتميز للحظة، حيث قالت المقاومة كلمتها وفتحت الإشتباك، والذي انتهى بشكله الواضح بعد 11 يوم من الإستبسال في القتال، إلا أنّ مفاعليها لم تنتهِ حتى هذه اللحظة، وكان هذا العام حافل بالمحطات المهمة التي تراكم على ما حدث في معركة “سيف القدس” وتعيد الإيمان للشعب الفلسطيني بحتمية النصر والتحرير على المشروع الصهيوني.

تجلّت العديد من الإستخلاصات والِعبر في مختلف الأصعدة خلال العام المنصرم، نلخص أبرزها بالتالي:

أولا، على الصعيد العملياتي للمقاومة:

  • أثبتت المقاومة قدرتها على استخلاص الدروس والعِبر من المعارك السابقة، حيث تجاوزت غالبية الثغرات الأمنية التي يمكن أن تحقّق إنجازات نوعية للاحتلال.
  • نجحت المقاومة وأمنها في تأمين الغالب الأكبر من القيادة السياسية والعسكرية، مما أضعف قدرة العدو على استهداف هذه القيادات وأفشلت غالبية محاولاته.
  • استطاعت المقاومة إدارة القوة النارية وكثافتها وتركيزها بتمكّن منقطع النظير، حيث وجّهت ضربات صاروخية مكثفة لمراكز المدن المحتلة وبشكل متزامن، نتج عنها إيقاع خسائر محقّقة في العدو، ونجحت في إجهاض فعالية القبّة الحديدية.
  • ظهر بشكل واضح حجم التطور النوعي للمقاومة في سلاح المُسيّرات، حيث كان للطائرات المُسيّرة دور واضح في المعركة وخصوصاً في استهداف محطة الغاز في بحر شمال غزة وتجمعات الجنود، إضافة للطلعات الإستطلاعية.
  • تماسُك القيادة والسيطرة لقيادة المقاومة ومتابعتها اللحظية للمعركة وإدارة النيران، حيث ظهر هذا واضحاً من خلال الرشقات الصاروخية التي حملت أسماء الشهداء في المواجهات بالضفة.
  • نجاح وصمود شبكة الإتصالات المؤمّنة للمقاومة، إذ برز بشكل واضح أنّ خطوط الإتصال والتواصل لم تتأثر بالضربات الصهيونية ومحاولات الإستهداف.
  • التنسيق العالي والمتميز بين مكونات غرفة العمليات المشتركة للمقاومة، حيث برز واضحاً من خلال الضربات المشتركة التي نفّذتها الأجنحة العسكرية على اختلافها، إضافة لتكامل الخطاب والشعار في المعركة.
  • تطور ملفت للقدرات الإستخباراتية للمقاومة، حيث أنّ التقدير الإستخباري الدقيق والمتمكّن والمبني على تغذية معلوماتية وتحليل نوعي ساهم في كشف العديد من المخططات الصهيونية وإجهاض أهدافها، وبشكل خاص فشل المناورة الكبيرة لاستهداف الأنفاق في شمال غزة.
  • أثبتت المقاومة أنّ قدراتها التصنيعية نوعية وتتقدم وتتطور بشكل لافت وبشكل خاص التطور المُتلاحق في المديات والقوة النارية للصواريخ المصنعة محليا، والتي وصل مدى أبعدها 250 كيلومتر إستهدفت فيه المقاومة مطار (رامون) الصهيوني.
  • الرشقات الصاروخية التي انطلقت من جنوب لبنان والجولان كانت رسائل مهمة حول أهمية تكامل الساحات وتضامنها في أي معركة قادة، وأربكت الاحتلال.

الرشقات الصاروخية التي انطلقت من جنوب لبنان والجولان كانت رسائل مهمة حول أهمية تكامل الساحات وتضامنها في أي معركة قادة، وأربكت الاحتلال.

ثانيا، على الصعيد السياسي:

  • أثبتت المقاومة قاعدة أنّ المقاومة في قطاع غزة، ليست مقاومة للقطاع، بل لفلسطين كلها من نهرها إلى بحرها، وسلاحها حاضر في كل قضية ومحطة.
  • قطعت المقاومة الشك باليقين بأنّ خيارات (السلام الإقتصادي) ساقطة بكل امتياز، فالقضايا الوطنية الكبرى هي الأولوية والأساس، وفي سبيلها يُبذل الغالي والنفيس.
  • أدارت المقاومة خطاب سياسي متماسك، ركّز على وقف الإنتهاكات في القدس ووقف تهجير أبناء شعبنا في الشيخ جرّاح، ولم تقبل أي حديث يستثني القدس والشيخ جرّاح.
  • دشّنت المعركة بوضوح بداية عملية لسياسة (ترابط الساحات الفلسطينية) حيث تكامل الفعل المقاوم المسلّح مع الحراك الشعبي الواسع في الضفة والأراضي المحتلة عام 1948 والشتات.
  • في مشهد مليء بالشرعيات المنتهية والمتهالكة، أثبتت المعركة أن الشرعية لمن يقاوم ويضحي ويتصدى، فصاحب هذا الخيار على اختلاف لونه وتوجهاته سيحمله الشعب ويهتف بإسمه في الميادين والساحات.
  • حرّكت المعركة المستويات السياسية في الإقليم والعالم، حيث تحركت الإدارة الأمريكية التي لم تكن تولي الملف الفلسطيني أي اهتمام، واضطرت لإرسال موفدها إلى الأراضي المحتلة، وتكثفت الإتصالات بين السلطة ومصر، إضافة للتواصل الحثيث والمتسارع مع الوسطاء على اختلافهم للضغط على قيادة المقاومة، وهو ما أعاد الملف الفلسطيني إلى طاولات البحث الدولي.
  • بدّدت المعركة الأوهام التي ساقتها أنظمة التطبيع إلى شعوبها حول ربط التطبيع بتحقيق مصالح للشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه.
  • شكّلت المعركة إضافة نوعية في التقدم الذي يحقّقه محور المقاومة في المنطقة، ونموذجاً نوعياً حول أهمية تكامل الساحات وتطور القدرات النارية والتعامل الصهيوني معها.

بدّدت المعركة الأوهام حول ربط التطبيع بتحقيق مصالح للشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه.

ثالثا، على الصعيد الجماهيري:

  • أعطت المعركة دفعة معنوية كبيرة جداً لجماهير الشعب الفلسطيني التي انطلقت إلى الساحات في كل أماكن تواجدها.
  • عودة الروح والزخم للحراك الجماهيري للفلسطينيين في الداخل المحتل، والذي وصل لحد الإشتباك والمواجهة مع قطعان المستوطنين وشرطة الاحتلال.
  • أسقط شعبنا في الداخل المحتل بشكل عملي مشاريع “الأسرلة” وأثبت فشل سياسة إغراق التجمعات الفلسطينية في مسلسل القتل والإفساد والعصابات، حيث مثّلت التحركات الجماهيرية المساندة للقدس والمقاومة صفعة قوية لكل هذه المشاريع.
  • توسُّع حالة المواجهة في الضفة المحتلة وانطلاق الجماهير لنقاط التماس، والتي تطورت لاستخدام السلاح الناري في مهاجمة حواجز ونقاط الجيش، وهي الحالة التي تصاعدت وصولاً لما تشهده ساحات الضفة من مجموعات مقاومة مسلحة.
  • التكامل في الفعل ما بين المقاومة والحراك الجماهيري الفلسطيني، حيث وجّهت المقاومة عدة رسائل تؤكد فيها أنّ فعل الجماهير الفلسطيني حاضر بقوة في حسابات قادة المقاومة، حيث حملت العديد من الرشقات الصاروخية أسماء شهداء المواجهات ورسائل داعمة للفعل الجماهيري.
  • الزخم الكبير الذي غاب طويلاً في ساحات الشتات وبشكل خاص في شوارع أوروبا والولايات المتحدة، التي تحركت فيها الجماهير الفلسطينية والجاليات العربية والأصدقاء بكثافة، وهتفت للقدس والمقاومة وفلسطين.

إستعادة الزخم الكبير الذي غاب طويلاً في ساحات الشتات وبشكل خاص في شوارع أوروبا والولايات المتحدة

خلاصة

حقّقت معركة “سيف القدس” نقلة نوعية في شكل وطبيعة المعركة المستمرة مع الاحتلال وتدشين إستراتيجي لترابط الساحات والفعل الفلسطيني، وتعزيز لترابط قوى محور المقاومة، إضافة للدفعة المعنوية والتحفيز المهم الذي فجّر طاقات الشعب الفلسطيني التي كان يسود أوساطها الإحباط والتردد في ضوء المشهد المنقسم فلسطينيا، والهرولة للتطبيع عربياً والتهميش دوليا.

معركة “سيف القدس” كانت البداية ولم تكن النهاية، وهي معركة انتهى الإشتباك بالنيران فيها، إلا أنّها مستمرة على مدار العام في تصعيد المواجهة مع الاحتلال في كل مكان، وأربكت كل الحسابات وبشكل خاص أوهام تقسيم الشعب الفلسطيني إلى كانتونات، وإغراقه بالحلول الإقتصادية الحياتية على حساب التنازل عن القضايا الوطنية الكبرى.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,