“حرباء” الجيش الإسرائيلي اغتالت شيرين أبو عاقلة
مايو 14, 2022 7:46 ص*منى العمري – صمود:
ينشغل أحرار العالم بجريمة اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة برصاص قوات الاحتلال الصهيوني، وهي تؤدي عملها كمراسلة لقناة الجزيرة من مخيّم جنين داخل الأراضي المحتلة.
وقد أفادت صحيفة هآرتس العبرية أمس، أنّ أحد قنّاصي “وحدة دوفدوفان”، وهي قوات خاصة إسرائيلية مكونة من خليط من الشرطة وجيش الاحتلال وحرس الحدود، هو من أطلق الرصاص في مخيّم جنين باتجاه المنطقة الشمالية، حيث تواجدت شيرين أبوعاقلة والفِرق الصحفية.
الإستتار بالمألوف
المستعربون أو “مستعرفيم” بالعبرية، تعني في المصطلح الأمني الإسرائيلي، الوحدة السرية الخاصة في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقد تكاثرت وحدات المستعربين ومسمّياتها: كـ”شمشون” في محيط قطاع غزة، “دوفدوفان” في الضفة الغربية المحتلة، و”يمام” التابعة لحرس الحدود، وتختلف مهماتها لكن جميعها تخدم الأهداف التي يحدّدها الاحتلال الإسرائيلي.
إنّ أغلب أفراد المستعربين هم من اليهود الشرقيين، الذين يتنكّرون بهيئة الشباب الفلسطينيين ويلبسون لباسهم وكوفيتهم ويتحدّثون بلسانهم، وبالتالي ينزرع أعضاء الوحدة بملامح تشبه الملامح العربية، وسط المحتجّين والمتظاهرين الفلسطينيين وينتشرون بينهم ومن ثم ينقضّون عليهم حين تأتي الفرصة.(١)
النشأة والتأسيس
بدأ ظهور وحدات المستعربين منذ ثلاثينيات القرن الماضي، حيث عمل أعضاؤها ضمن عصابات صهيونية من قِبل “الهاغاناه” و”ايتسل” و”ليحي”، حيث تتشكّل هذه الوحدات من جنود ينتقون من بشرة وملامح مشابهة للملامح العربية، ويخضعون لتدريبات وتكوين في معهدٍ خاص، عبارة عن قرية صناعية تشبه القرى الفلسطينية لتعلّمهم تفاصيل الحياة الفلسطينية، كما تستغرق دورة التدريب الخاصة لأفراد وحدات المستعربين ما بين 12-15 شهرا، وتتوزع على خمس مراحل أو فترات، أهمها الفترة الخامسة والأخيرة من التدريب، لأنّها تتضمّن تحسين قدراتهم في مجال اللغة العربية، حيث يتعلّمون اللغة والنطق بالعامية الفلسطينية، كذلك المصلحات التي يستخدمها الشبّان العرب، وعبارات المجاملة والشكر والدعاء التي تُظهرهم كأولاد البلد، ثم يتمّ تعريفهم بالعادات الرئيسية الشائعة وعلى بعض جوانب الثقافة العربية وبعض الممارسات الدينية.(٢)
وفي وقتٍ سابق، حملت أول وحدة مستعربة أسّستها منظمة “البلماخ” إسم “الدائرة العربية”، وعملت في التجسّس وتنفيذ العمليات التخريبية داخل فلسطين التاريخية والدول المجاورة، واستمر عمل الوحدة بين عامي 1943 و1950.
في ما تولّى إقامة هذه الوحدة عام 1943 رئيس الدائرة السورية في منظمة “البلماخ” يروحام كوهن، وشكّلها من يهود منحدرين من طوائف يهودية شرقية.
وبحسب المعطيات والدلائل، فقد انتحلت عناصر وحدات المستعربين شخصيات مزيّفة وصفات مزارعين وباحثين أنثروبولوجيين وطلاب، ويعيشون فترات طويلة في بوادي وقرى دول عربية.
خليةّ الدبابير: المهام والتنفيذ
ينقسم المستعربون إلى ثلاث وحدات:
١- وحدة مستعربين تابعة لحرس الحدود، تنشط في القدس لاعتقال الفلسطينين ولا سيّما الفتية غير المسلّحين.
٢- وحدة تابعة للجيش، وهي الأكثر احترافا، تنفّذ عمليات اعتقال مقاومين مسلّحين أو اغتيالهم.
٣- وحدة في “الشاباك”، مهمّتها الإعتقال أو التجسّس في المجتمع وثمة وحدة تُسمّى “متسادا” تابعة لمصلحة سجون الاحتلال الإسرائيلية تعمل على قمع اضطرابات الأسرى، وكذلك الدخول في صورة مسجونين يُسمّون “العصافير” للحصول على معلومات مهمة منهم، مما تُدينهم وتُبرّر سجنهم.
ويندسّ المستعربون بين الفلسطينيين أو العرب، لدقائق أو لساعات أو حتى أيام وقد تمتدّ لشهور، والهدف في معظم الأحوال: جمع معلومات أو اختطاف شخصيات أو تصفية مقاومين فلسطينيين، أو تفريق متظاهرين، حيث لا يتورّعون عن انتحال صفة طواقم طبية أو صحافيين!
وبحسب ما ورد في بعض الدراسات وفي كتاب “المستعربون: فِرق الموت الإسرائيلية” للكاتب غسان دوعر، أنّ أفراد وحدة المستعربين قاموا باغتيال 422 فلسطينياً بين عامي 1988 و2004.(٣)
أساليبهم الخبيثة
تختلف أساليب المستعربين التي يعملون بها في الإندساس بين الفلسطينيين باختلاف المهام المطلوبة منهم لإنجازها، وطبيعة مسرح الأحداث.
ففي تشرين الثاني/أكتوبر 2005، أقرّ جيش الاحتلال بزرع مستعربين بين المتظاهرين الفلسطينيين ضد “جدار الفصل العنصري” في بلدة بلعين غرب مدينة رام الله، وجاء هذا الإقرار بعد أن كشف المتظاهرون عدداً من المستعربين الذين حرّضوا بعض الشباب على رشق جنود الاحتلال بالحجارة، بل قاموا هم بإلقاء الحجارة بأنفسهم على الجنود لتسخين الأجواء بشكلٍ متعمّد، ما يوفر مبرراً لجنود الاحتلال كي يهاجموا المحتجّين بوحشية.
لكن، تمّ اكتشافهم بعد أن طلب منهم بعض المتظاهرين الكشف عن بطاقات هوياتهم الشخصية، وعندما تبيّن أنّهم لا يحملون بطاقات الهوية الفلسطينية، وأنّ بحوزتهم مسدسات، تدخّل جنود الاحتلال بسرعة وسحبوا هؤلاء المستعربين من الساحات لحمايتهم!
وفي أوقاتٍ أخرى، يراهم البعض يرتدون قبعة كُتب عليها بالعبرية “משטרה” وتعني “شرطة”، حيث يسحبون مسدساً صغيراً مدسوساً تحت ملابسهم الفضفاضة، وغالباً ما يحاولون إخفاء وجوههم حتى لا يتمّ التعرّف على هويّتهم الحقيقية.(٢)
شهادات الشهود
قال المُعتقل يوسف مريش (19 عاما)، الذي اعتدت عليه وحدات المستعربين قبل اعتقاله في بلدة وادي الجوز في القدس: “هجم عليّ أفراد وحدة من المستعربين من الخلف، اثنان منهم يرتديان ملابس مدنية، إنقضوا عليّ بسرعة كبيرة، وبدأوا بضربي على وجهي ورجلي، ثم ألقوني على الأرض وثبّتوا رأسي بالأرض، واستمر أحدهم بركلي وضربي على وجهي، حتى قيّدوني بأربطة بلاستيكة وأخذوني إلى الجيب العسكري”.(٢)
وفي رواية أخرى، أفادت صحيفة “إندبندنت عربية”، في إحدى تقاريرها المنشورة عام ٢٠٢١، بأنّ “سيدة حامل تصرخ من الألم، وبرفقتها أفراد من عائلتها يدخلون على عجل إلى المستشفى الأهلي في الخليل جنوب الضفة الغربية، فالولادة طارئة، والأطباء ومن معهم من ممرضين كانوا على أهبة الإستعداد لإنقاذ السيدة وجنينها. دقائق قليلة حتى بدأت العائلة بإطلاق الرصاص بشكلٍ كثيف في إحدى غرف المستشفى، ليتبيّن في ما بعد أنّ السيدة الحامل ومن معها ليسوا إلا قوة من الوحدات الخاصة الإسرائيلية، دخلت لإتمام مهمة أمنية سريعة تقضي بتصفية أحد الشبّان الفلسطينيين المطلوبين واختطاف آخر”.(٤)
وحدة تشغيل العملاء
لا زال جيش الاحتلال يحتفظ بـ”وحدة تشغيل العملاء”، وهي وحدة خاصة تضمّ فرقة مستعربين وتُسمّى بـ”الوحدة 504″.
تعمل وحدة تشغيل العملاء خارج الحدود، وتنشط في دول الطوق وكذلك في الضفة الغربية بشكل محدود، وعلى الحدود مع قطاع غزة.
ويحتفظ جهاز “الشاباك” بوحدة عمليات خاصة تشترك في الكثير من العمليات برفقة جيش الاحتلال، ومهمّتها القيام بعمليات سرية خاصة في عمق الأراضي الفلسطينية.
وتُعرف وحدة تشغيل العملاء بسرعة التكيّف مع بيئة الهدف، والتطوّر الحثيث في ظلّ التقدّم التكنولوجي العالمي، حيث تنتهج وحدات المستعربين أساليب عمل متجددة وغير كلاسيكية.
كما لا تعتمد على وحدة عملياتية واحدة في الميدان، بل تتعمّد تلك الوحدات العمل بعدة خلايا حول الهدف، بحيث تشترك جميعاً في الوصول إليه، وفي حال فشل إحداها تُكمل الأخرى.(٥)
المستعربون مخالفون للقانون “الإسرائيلي”
يوضح المحامي في “مركز عدالة” وسام شرف، أنّ “البند 5 من قانون شرطة الاحتلال الإسرائيلية ينصّ على وجوب إرتداء الشرطي ملابسه الرسمية، وحمل بطاقة تعريف تحمل إسمه وإسم عائلته، وتنصّ صراحةً على أنّه شرطي في دوام رسمي. وفي حال إرتدائه الزيّ المدني، عليه التعريف عن نفسه قبل ممارسة أيّ من صلاحياته القانونية، كما لا يوجد أيّ بند في القوانين يمنح الشرطة صلاحية إقامة مثل هذه الوحدة”.
ويضيف شرف: “هذا قرار عنصري ويقع في خانة التمييز العرقي، خاصةً أنّه يُطبّق في البلدات العربية فحسب. وعندما نتحدّث عن نظامين لتطبيق القانون، واحد في البلدات العربية وآخر في غيرها، فهذه إحدى خصائص أنظمة الفصل العنصري “أبارتايد” المحظورة في العالم، والتي تخالف القانون الدولي”.(٤)
المصادر المتعلّقة:
وسوم :
أبارتايد, الشاباك, الضفة الغربية المحتلة, الكوفية الفلسطينية, المستعربون, الهاغاناه, اليهود الشرقيون, حرس الحدود, شيرين أبو عاقلة, صمود, فرق الموت, فلسطين المحتلة, قناة الجزيرة, قوات الاحتلال الصهيوني, مخيّم جنين, منى العمري, وحدة دوفدوفان