في ذكرى النكبة.. فلسطين تختبر إنسانيتنا

التصنيفات : |
مايو 16, 2022 9:25 ص

*وسام عبد الله

وحّدت جائحة كورونا البشرية نحو هدف واحد، واهتمام مشترك في محاولة السيطرة على الوباء وفهمه ووقف انتشاره، فتبادل الناس من مختلف البلدان التعاطف الإنساني، والتزمت الأكثرية بتعليمات منظمة الصحة العالمية، على اختلاف الثقافة واللغة، فالعدو غير المرئي، واضح ومقاومته أيضا معروفة بأدواتها. ألا يمكن أن تكون قضية فلسطين مشتركاً واختباراً يشبه تكافل البشرية مع بعضها لمواجهة مرض الاحتلال والعنصرية؟!.

حين بدأ الإعلام يتحدث عن انتشار “كورونا” في مدينة ووهان الصينية، تعامل البشر مع فكرة المرض على أنّه خبر في أرض بعيدة ولا يمسّ بحياتهم الشخصية، إلى حين انتشر خارج الحدود وبدأ حصد الأرواح، ليتّجه الناس إلى الحذر كون الفيروس أصبح على عتبات منازلهم. من مسألة داخلية إلى قضية عالمية، لأنّ الخطر امتدّ ولا يمكن ضبطه. ثمة مقاربة بين هذا الوباء والاحتلال الصهيوني لفلسطين، يجب الإلتفات إليها في الذكرى الرابعة والسبعين للنكبة.

حين يتمّ التعامل مع القضية الفلسطينية على أنّها شأن داخلي، يمكن حلّها من خلال عملية سلام يتنازل بها طرف لآخر، وأنّ ما يحدث هناك لن يصل إلى أي بلد آخر، حينها نكون كبشر، قبل الحديث عن الحكومات،  نخطأ بحقّ مستقبلنا. لم يكن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا الوحيد في العالم، هناك العديد من الأمثلة، ولم تكن الأنظمة الديكتاتورية محصورة ضمن بقعة جغرافية بل أصبحت نموذجاً يحاول بعض الساسة تطبيقه على مجتمعاتهم. فما مارسه الاحتلال طوال العقود الماضية يمكن أن يصبح فكرة قابلة للتطبيق على أي شعب، وخاصة أنّ القانون الدولي لم يحاسب “إسرائيل” على جرائمها، مما يفتح الباب للهروب من العقاب.  

يتطلب انتشار الرواية الأصلية وجود مراكز حقوقية في مختلف الدول، لتوسيع فكرة الدفاع عن فلسطين وإدانة “إسرائيل”

ولأنّ الحديث ليس عن مجرد تكهنات، ففلسطين لم تكن الخيار الوحيد لليهود لإنشاء كيانهم على أرضها، في المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897، حيث كانت كل من الأرجنتين وكندا وأوغندا وغيرها على لائحة الخيارات، وكان لكل دولة حساباتها الخاصة التي حاول الصهاينة دراستها لمعرفة مدى إمكانية تأسيس كيانهم. أي ما حدث على أرضنا، ربما كان سيحدث في مكان آخر.

الخطر العالمي

على المجتمعات في مختلف بقاع الأرض، أن تفهم طبيعة الكيان الإسرائيلي، لتعيَ مدى خطورته، وهو الذي يروّج عبر دعايته الصهيونية وإعلامه الممنهج، بأنّ “الإرهاب” مصدره الشعب الفلسطيني، وأنّ “الإسرائيلي” يريد السلام، فالاحتلال بسبب سيطرته على العديد من المفاصل الأساسية في الإعلام والمؤسسات الدولية، وبالمال المتنفّذ تحديدا، استطاع تحريف الحقيقة. ورغم صعوبة دحض الرواية الصهيونية يتوجّب علينا كأنظمة ممانعة ومؤسسات مناهضة للاحتلال العمل الحثيث للتذكير بالظلم الذي يطال الفلسطيني منذ ما قبل نكبته بعقود، وأنّ العدو واضح كضوء الشمس ومخالفاته للقوانين الدولية والأعراف لا تنفصل عن وجوده ككيان غاصب.  لذا، يتطلب انتشار الرواية الأصلية وجود مراكز حقوقية في مختلف الدول، لتوسيع فكرة الدفاع عن فلسطين وإدانة “إسرائيل”، تشبه برسالتها إلى حد كبير، مراكز الأبحاث العلمية التي ظهرت في العالم مع انتشار الوباء، لتبادل الخبرات والتجارب والتعريف بالمرض وكيفية مواجهته، هذه المراكز تشبه اللوبيات الصهيونية ومجموعات الضغط التابعة لها.

تُشكّل الرغبة الإسرائيلية الدائمة بنسج التفاهمات والعلاقات مع الدول العربية والأجنبية، خير دليل على أنّ الخطر ليس بين البحر والنهر في فلسطين. فمن “وعد بلفور” من بريطانيا إلى الدعم والغطاء الدوليين من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى التطبيع مع دول عربية وصولاً إلى التفاهمات الإقتصادية مع دول إفريقية.. العدو واحد وفاقد الحقّ لا يعطيه.

المقاطعة والمقاومة صنوان

إنّ الأموال التي تُدفع على آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية، من قِبل الداعمين والمؤيدين للاحتلال في الولايات المتحدة، والدعم الإقتصادي والإنفتاح على المنتجات الإسرائيلية، مقابل الحصار على كل ما يُنتج ويُصدّر من فلسطين، كلها مشارِكة في قتل  الفلسطينيين.

حين نرفض استيراد بضائع من المستوطنات، فنحن نحمي بطريقة غير مباشرة طفلاً في الضفة الغربية من أن يُهدم السقف الذي يأوي خوفه

وحتى لا يكون التضامن مع فلسطين هو مجرد شعار، تُعتبر حركة مقاطعة “إسرائيل”، بمختلف أشكالها، الإقتصادية والسياسية والثقافية ، أحد أهم الإختبارات التي تواجهها إنسانيتنا، فحين يُقام حفل موسيقي داعم للاحتلال الصهيوني ونقاطعه، نكون نأخذ خطوة هامة في مواجهة الثقافة العنصرية والإستعمارية التي ينتهجها الاحتلال لتلميع صورته، وحين نرفض استيراد بضائع من المستوطنات، فنحن نحمي بطريقة غير مباشرة طفلاً في الضفة الغربية من أن يُهدم السقف الذي يأوي خوفه. وهذه الولايات الأمريكية التي تتحدّ لرعاية “إسرائيل”، والتي تُشكّل الممر الرئيس لدعم اليهود الأمريكيين لهذا الكيان وتمويله، تشهد في الوقت عينه ظهور منظمات مناهضة لـ”إسرائيل” من يهود أمريكيين أيضا، وإن كان الاختلاف معهم على كيفية إنهاء الصراع، من خلال حلّ الدولتين، إلا أنّه مؤشر يمكن البناء عليه، بأنّ المجتمعات حين تدرك خطر “إسرائيل” على استقرارها وليس فقط على أمن وأمان الفلسطينيين، يمكن تأسيس عمليات ضغط، ربما لن توقف مصانع الأسلحة وصنّاع القرار من دعم الاحتلال، ولكنّها خطوة على أقل تقدير أمام ضمائرنا، سيكون لها أثر في استرجاع هذا الشعب حقّه بأرضه وخاصة في ما يتعلق بعودة اللاجئين إلى وطنهم، فإن كان ثمة دول أوروبية تفتخر بأنّ جواز سفرها هو حماية لمواطنيها أينما تواجدوا، فليفكر هؤلاء المواطنون بأنّ من لا يملكون جواز سفرٍ ولا أرضٍ يعودون إليها، كيف يصبح شكل الحياة حينها؟ إنّه عيش الفلسطيني مع نكبته الممتدة وخيباته المتصلة.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,