عن “فلسطينيّة” الإنتخابات اللبنانية

التصنيفات : |
مايو 17, 2022 6:47 ص

*أحمد حسن

بصورة أو بأخرى، وبغض النظر عن حقيقة مشاكل ومآسي الداخل اللبناني وأهميتها، كانت هذه إنتخابات فلسطين أيضا، وربما أولا، وبالطبع ليس بمعنى أنّه وبمجرد فتح صناديق الإقتراع سيخرج منها جيشاً يتّجه فوراً نحو القدس ليحرّرها، لكن بمعنى أنّ ما ستفرزه هذه الصناديق سيصب، حكما، إما في طاحونة “إتفاقات أبراهام” -بما تعنيه فلسطينيا- أو ضدها على أضعف الإيمان، وتلك الحقيقة هي، على الأقل، ما فهمه، وعمل به، وعليه، كل المعنيين بها سواءً كانوا مشاركين، أم مراقبين، أم “رعاة” لم يعودوا يرون للبنان اليوم سوى دور “الممانع” والحافظ للحدود الشرقية لفلسطين المحتلة، بعد أن انتهى، أو أُنهي، دوره كـ”مصرف” و”دار نشر” و”مركز سياحي” و”مرفأ”، وحتى كمقر دولي لاستخبارات العالم، لصالح دول خليجية معينة أصبحت تقوم بهذه الأدوار كلها بجرأة وعلنية تُحسد عليهما.

بمعنى أنّه لو وُجد السلاح بكميات أكبر من ذلك بكثير وبنوعية أهم وأخطر لكن للإستخدام في وجهة أخرى، نحو الفلسطينيين تحديدا، لأصبح شرعياً وضرورياً بالمطلق

وإذا كان السلاح، أي سلاح حزب الله، ومصيره هو شعار هذه الإنتخابات العلني والمرفوع، سيادياً ومدنيا، فإنّ وجهته، لا مجرد وجوده، هي المقصودة فعليا، بمعنى أنّه لو وُجد بكميات أكبر من ذلك بكثير وبنوعية أهم وأخطر لكن للإستخدام في وجهة أخرى، نحو الفلسطينيين تحديدا، لأصبح شرعياً وضرورياً بالمطلق، وأما شعارات مثل بناء الدولة، وسيادتها، ومحاربة الفساد، فهي، على أحقّيتها وضرورتها الماسّة، لم تكن إلا “زعبرة” إنتخابية من فريق لم يوجد -ولا يعيش- إلا بالفساد من جهة أولى، وبدلالة الخارج ودعمه المالي والسياسي المعروف من جهة ثانية، خاصة، في ظل معرفة الجميع، أنّ دور البلد الإقليمي، بل وظيفته للدقة، هي من يمنع الإصلاح وقيام دولة حقيقية فيه وهي من يشرعن الفساد ويحميه كأسلوب حياة يستدعي بطبيعته -بالتساوق مع الطائفية الضاربة جذورها عميقا- الخارج للتدخل الدائم في المسار والمصير.

تكفّل سمير جعجع -المعروف بعلاقته بـ”الإسرائيليين” وقاتل رشيد كرامي رئيس الوزراء السنّي على ما تيقّنت منه السرديّة الوطنية- بالمواجهة جعله قائداً وطنياً وزعيماً

وهكذا.. على السلاح، ووجهته الفلسطينية تحديدا، جرى الإنقسام وتحدّدت المصائر. فشلُ سعد ابن رفيق الحريري -رئيس الوزراء السنّي السابق وضحية حزب الله الشيعي على ما تقول السرديّة الدولية- في مواجهته، عجزاً أو تحسّباً للكلفة، أبعدته نهائياً عن الواجهة بل عن الحياة السياسية ذاتها. تكفّل سمير جعجع -المعروف بعلاقته بـ”الإسرائيليين” وقاتل رشيد كرامي رئيس الوزراء السنّي على ما تيقّنت منه السرديّة الوطنية- بالمواجهة جعله قائداً وطنياً وزعيما، حتى للسنّة ذاتهم، في نظر رعاة الخارج، فكل شيء يهون كرمى لعيون “إسرائيل”، ولعيونها بُذل الكثير الكثير، وربما كان أهمه، وأخطره، نقل “طائفة” عبد الناصر –بدلالة إسمه الوطنية لا المذهبية- إلى كنف أبناء رعاة مشروع “المساكين اليهود” المعروفين، لذلك كله، يصحّ القول: إنّ هذه الإنتخابات، ورغم كل الضجيج المدني والسيادي الذي سبقها ورافقها، ليست إلا إحدى المحاولات المستمرة للحصول بالسياسة، والصناديق، على ما عجزت عنه حرب السلاح “الإسرائيلي” في تموز 2006.

إنّ هذه الإنتخابات، ليست إلا إحدى المحاولات المستمرة للحصول بالسياسة، والصناديق، على ما عجزت عنه حرب السلاح “الإسرائيلي” في تموز 2006.

وبهذا المعنى، يمكن إعادة التأكيد مرة جديدة، وبمزيد من الثقة، على أنّ كل الكلام عن السيادة -وهي بعرفهم لا تعني سوى الإنتقال من “عنجر” إلى “عوكر”- والمجتمع المدني والدولة القادرة ومحاربة الفساد وحصرية السلاح لم يكن، على أهميته وضرورته، إلا تمويهاً وتدليساً على الهدف الحقيقي، أي وجهة السلاح لا السلاح بحد ذاته، وبالتالي على الموقف من فلسطين.

وبهذا المعنى أيضا، هذه إنتخابات فلسطين، صحيح أنّ فريق المقاومة، وحلفاءه، لن يحرّروها غدا، كما أنّ عليهم العديد من الملاحظات بشأن سياستهم الداخلية ككل، لكنّ الفريق الآخر سيضعها فورا، وبالكامل، على المذبح الإبراهيمي من جديد.

أما من ينتظر من هذه الإنتخابات أن تجيب على سؤال: أي لبنان سيكون؟!، فهذا، ومهما كانت نتيجتها، ما لن يحصل، لأنّ لبنان مبني، وفق إرادة “غورو”، بمن وما يمثّل، على ألا يكون..

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,