مخيّم نهر البارد: الأدوار المتوازية بين التدمير وإعادة الإعمار (الجزء الثاني)

التصنيفات : |
مايو 21, 2022 6:17 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

في العشرين من أيار/مايو ٢٠٠٧ وقعت الحرب في مخيّم نهر البارد، وكان سبقها بساعات حادثة شارع المائتين.

يقول الإعلامي اللبناني: “كانت إحدى النساء تحضر دورياً إلى أحد المصارف لاستلام مبالغ مالية، كانت تصلها بصفة تبرعات من الخارج لتنظيم فتح الإسلام، من دون معرفة مصادر الأموال، قبل الحرب بفترة قصيرة، استُبدلت المرأة بشخصين استلما المال لكنّ القوى الأمنية لاحقتهما وحاصرت الشقة التي يشغلانها وحصل اشتباك أدّى إلى مقتلهما، وفي تلك الليلة بدأت الحرب بهجوم على أحد المواقع العسكرية للجيش اللبناني المحيط بالمخيّم.

طُرحت فكرة أن تقوم قوة عسكرية فلسطينية بالدخول إلى المخيّم وإنهاء الظاهرة، وتمّ التوافق على مسؤول القوة وتفاصيل المهمة، لكن المبعوث الدولي تيري لارسون تواصل مع رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة وناقش معه الدور الفلسطيني، وأنّه إذا كُلّفت القوة الفلسطينية بالأمر، فذلك يعني أنّ الجيش اللبناني غير مؤهل، وهذا ما أوقف فكرة التدخل الفلسطيني”.

إستمرت الحرب في نهر البارد ١٠٦ أيام، أعلن الجيش اللبناني في نهايتها انتصاره على المجموعات المتطرفة، لكنّ الثمن كان باهظاً

إستمرت الحرب في نهر البارد ١٠٦ أيام، أعلن الجيش اللبناني في نهايتها انتصاره على المجموعات المتطرفة، لكنّ الثمن كان باهظا، خسر السكان منازلهم، ودُمّرت البنى التحتية تماما، غير أنّ الحكومة اللبنانية تعهدت بعودة سكان المخيّم، ورفعت شعار: “الخروج مؤقت، والإعمار مؤكد، والعودة حتمية”. لكن التأخير في عملية إعادة الإعمار، أخّر العودة، التي لم تكتمل حتى اللحظة.

كمال مدحت

ويشيد الإعلامي الفلسطيني بالدور الذي لعبه كمال مدحت بعد استلامه ملف إعادة بناء مخيّم نهر البارد: “منذ اليوم الأول لوقف القتال، وتكليف كمال مدحت بالملف، كان مهتماً جداً بالسعي لإعادة إعمار المخيّم وتأمين شروط الحياة للاجئين الذين فرّوا إلى خارج المخيّم، وكان مهتماً بالتنسيق مع الجيش اللبناني بصفته صاحب السلطة على المخيّم.

وبعد اغتياله، تولّى مروان عبد العال الملف المذكور، وقد تابعه بكثير من الإنسانية والعاطفة، وخصوصاً أنّه ابن “نهر البارد”، ومحبوب من عامة الناس وقد نجح في التواصل وإدارة الملف مع الجميع بدون استثناء، رغم كونه ملفاً معقداً سياسياً وأمنياً وإنسانيا”.

كان ملف إعادة إعمار “نهر البارد” الإمتحان الأصعب في حياة كمال مدحت

أما الناشط الفلسطيني فيسلط الضوء على جانب آخر من شخصية كمال مدحت، ويوضح ذلك بالقول: “كان مخيّم نهر البارد يعني له الكثير، في البداية لم أعرف السبب ولكنّي اكتشفت لاحقاً أنّه كان مسؤولاً عن قاعدة عسكرية عند الشاطئ في بداية سبعينيات القرن الماضي، وكانت تربطه علاقات وثيقة مع مناضلين من المخيّم، وأخبرني عند تولّيه مسؤولية الملف بأنّه الإمتحان الأصعب في حياته، وهو ملف بحاجة إلى دراسة معمقة، وفي كل الأحوال على القائد أن يبقى بجانب شعبه. وكانت صعوبة الملف تكمن في أنّه جاء في سياق تعقيدات محلية، عربية وإقليمية، وأكون جباناً بحقّ شعبي إن لم اتولّ المهمة”.

وعن خلفه، عبد العال، يقول الناشط: “أعتقد أنّه نجح، رغم الأوضاع الصعبة، في تولّي المسؤولية، ربما حصل تقصير هنا أو هناك، فالظروف أكبر من أي مسؤول، ومع ذلك فقد نجح بتعاونه مع جميع الأطراف”.

واجهت اللجنة المكلَّفة بإعادة الإعمار، عقبات سياسية، قانونية وإدارية إلى جانب عقبة الآثار التاريخية ما أدّى الى تأخير الإعمار، وفي تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠٩ وُضعت المنطقة بعهدة الأونروا

كيف تمّ التحضير لإعادة الاعمار؟

وجّهت الحكومة اللبنانية نداءً إلى المجتمع الدولي لإعادة إعمار مخيّم نهر البارد.

بعد عام على الحرب، عُقد مؤتمر في فيينا بتاريخ ٢٣ حزيران/يونيو ٢٠٠٨ للبحث في تمويل إعادة الإعمار، لكنّ عملية إلزام إعادة الإعمار تمّت في نيسان/أبريل ٢٠٠٩، وبدأ العمل في حزيران/يونيو ٢٠٠٩، باستملاك أراض، إزالة الركام وتفتيت الباطون لإعادة استخدامه. وقبل البدء بالعمل، تمّ تشكيل لجنة رباعية ضمت: الجيش اللبناني، لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، الأونروا والمجتمع المحلي، وسُمح للعائلات بتفقّد منازلهم وأخذ ما يريدون من الموجودات، وأُزيلت مخلّفات الحرب التي لم تنفجر ووصل عددها إلى نحو ١٢٥٠٠ جسما، ووُضعت خرائط الإعمار. وكان من المتفق عليه أن تنتهيَ عملية الإعمار في أيار/مايو ٢٠١١، وبتكلفة قدرها ٢٧٧ مليون دولار أمريكي. وقُدّر عدد الوحدات السكنية التي يجب إعادة إعمارها بـ٥٣٢٢ وحدة سكنية في المخيّم القديم، و٦١ وحدة سكنية في المخيّم الجديد.

وقد واجهت اللجنة المكلَّفة بإعادة الإعمار، عقبات سياسية، قانونية وإدارية إلى جانب عقبة الآثار التاريخية ما أدّى الى تأخير الإعمار، وفي تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠٩ وُضعت المنطقة بعهدة الأونروا. بعد ذلك ظهرت عقبة انخفاض عملية التمويل وخصوصاً بعد الأزمة السورية عام ٢٠١١.

في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠٧، بادر عدد من الفلسطينيين إلى توثيق معالم المخيّم كما كان، وتحديد المواقع، ونظّموا مقابلات وورش عمل مع النازحين، بعد ذلك وقّعت الأونروا مذكرة تفاهم مع هذه المجموعة الأهلية، تستفيد الوكالة بموجبها من البيانات التي توفرها المجموعة وتقوم بأعمال التصميم لإعادة البناء مع الحفاظ على البنية الإجتماعية السابقة.

في أيار/مايو ٢٠٠٩، وافقت الحكومة اللبنانية والجهات المعنية على مخطّط توجيهي نهائي لإعادة الإعمار. ثم تشكّلت اللجنة الفلسطينية العليا لإعادة إعمار مخيّم نهر البارد، بقرار من السفارة الفلسطينية ومشاركة تمثيلية من ثمانية فصائل، وعُرفت هذه اللجنة بـ”لجنة ملف نهر البارد”. وسعت إلى تحسين أداء الملف على عدة مستويات:

الأول، على المستوى الرسمي من خلال العلاقة مع المؤسسات الرسمية.

الثاني، على المستوى الميداني مع الفصائل، ومؤسسات المجتمع المحلي.

الثالث، على المستوى الفني، عبر معرفة الشكاوى ومراقبة العمل التنفيذي، وحل المشكلات.

ماذا عن الشركاء في إعادة الاعمار؟

تمّ تثبيت النهج التشاركي في توحيد الرؤية حول مفهوم المخيّم النموذج، وترتكز هذه الاستراتيجية على الأسس التالية:

-إعتبار اللاجئين الفلسطينيين والمواطنين اللبنانيين في جبهة واحدة ضد الإرهاب.

-إعتبار المنطقة بكاملها منطقة منكوبة واحدة.

-النظر إلى أنّ عملية إعادة الإعمار تأخذ بعين الإعتبار احتياجات اللاجئين ومقتضيات القوانين اللبنانية، وأنّ المخيّم تحت سيادة السلطة اللبنانية.

وقد شكّلت لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني ثلاث وحدات لمعالجة المشكلات: وحدة التوعية، وحدة الإعمار والتنمية ووحدة الإغاثة.

وفي حزيران/يونيو ٢٠١١، أُبرمت إتفاقية جديدة بين الأونروا واللجنة الشعبية في مخيّم نهر البارد، من أجل دعم عملية متابعة الإعمار.

الحلول المقترحة من قِبل الأونروا منقوصة بسبب شحّ التمويل، وإلغاء برنامج الطوارئ، وما رافق تنفيذه من هدرٍ ومصاريف غير واضحة، وكل ذلك على حساب أهل المخيّم ومستقبل إقامتهم.

وبسبب النقص في التمويل، قدّمت الأونروا في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٥ رؤية جديدة للإعمار، واقترحت ثلاثة خيارات واسعة النطاق، هي:

-مواصلة إعادة إعمار البلوكات بشكل متسلسل.

-إنجاز العناصر الهيكلية في الرزم المتبقية عبر المساعدة الذاتية للأعمال النهائية.

-النظر في إمكانية مقاربات بديلة لإعادة الإعمار.

هذه الخيارات أثارت غضب الأهالي، ودفعتهم للقيام بحركات احتجاجية أدّت الى وقف العمل في المشروع مؤقتا.

فالحلول المقترحة منقوصة بسبب شحّ التمويل، وإلغاء برنامج الطوارئ، وما رافق تنفيذه من هدرٍ ومصاريف غير واضحة، وكل ذلك على حساب أهل المخيّم ومستقبل إقامتهم.

هذه الأسباب دفعت بالطرف الفلسطيني إلى تقديم تقييم فني مشترك لتكلفة ما تبقى من المشروع وفق الرؤية الفلسطينية، ودعا أيضاً إلى تقييم برنامج الإعمار وبرنامج الطوارئ.

واعتمدت الرؤية الفنية الفلسطينية على:

-الإتفاق على خطة جديدة لإعادة الإعمار شرط أن لا تتعارض مع رؤية فيينا.

-تشكيل لجنة تقييم مستقلة تحظى بموافقة الأطراف المعنية.

-أهمية اعتراف الأونروا بمسؤوليتها عما آلت إليه الأمور في المخيّم.

-التأكيد على أهمية التوفير في المصاريف شرط أن لا يتمّ ذلك على حساب أهالي المخيّم.

وفي ٥ أيلول/سبتمبر ٢٠١٧ عقدت الأونروا مع الشركاء والدول المانحة ورشة عمل في بيروت، أقرّت الأسس الاستراتيجيّة للرؤية الفنية الفلسطينية، مع أولويات إعادة الإعمار على سواه والإلتزام بالتقييم والشفافية.

وتشير المعلومات إلى أنّ إنجاز ٧٠% من عملية الإعمار، قد تمّ بكلفة ٣٢٨ مليون دولار

التحديات التي واجهت إعادة الاعمار

واجهت عملية إعادة إعمار مخيّم نهر البارد القديم مشكلات عدة أبرزها: استكمال العملية، استكمال عودة المهجرين، الحصول على المياه والكهرباء.

وتشير المعلومات إلى أنّ إنجاز ٧٠% من عملية الإعمار، قد تمّ بكلفة ٣٢٨ مليون دولار.، وهذه الإحصائيات تعود إلى نهاية عام ٢٠٢٠، في ما يحتاج استكمال الإعمار إلى نحو ٥٥ مليون دولار إضافي. وتتابع الهيئة الأهلية بعض المشكلات الناتجة عن ضيق المساحات ويجري البحث عن حلول لها.

وهناك مطالبة من بعض الأهالي بالسماح لهم ببناء طابق رابع وهو الحد الأقصى المسموح به، وقد رُفع هذا الطلب إلى الحكومة اللبنانية.

في المخيّم الجديد، هناك مشكلة الفوضى العقارية، لأنّ البناء لا يلتزم بأحكام التنظيم المُدني، وأنّ أقسام الأرض التي تمّ شراؤها لم تُسجّل في الدوائر العقارية

كما أنّ بعض العائلات كانت تسكن في مشاعات نهرية، وحلّ المشكلة مرتبط بإيجاد عقار قانوني متاح، وتمويل خاص.

ويواجه أهالي المخيّم مشكلة عدم كفاية مياه الشرب وملوحتها، وعلى الرغم من وجود خمسة آبار للمياه، فإنّ الحاجة تتطلب حفر ستة آبار إضافية.

وهناك مشكلة العلاقة مع شركة الكهرباء وعدم تركيب عدّادات للأهالي الذين استلموا منازلهم، على الرغم من دفع ثمن العدّادات.

أما في المخيّم الجديد، فهناك مشكلة الفوضى العقارية، لأنّ البناء لا يلتزم بأحكام التنظيم المُدني، وأنّ أقسام الأرض التي تمّ شراؤها لم تُسجّل في الدوائر العقارية، مثلاً أرض تبلغ مساحتها ٢٠ ألف متر مربع بيعت إلى عدد من المشترين، لكل واحد ١٢٠٠ متر مربع، وهو الحد الأدنى للمساحة، لكنّها لدى الدوائر العقارية ما زالت على إسم المالك الأساسي ولم يتمّ فرزها إلى عقارات مستقلة.

بالإضافة إلى أنّ معظم الأراضي قد تمّ شراؤها قبل الـ٢٠٠١ ولم تُسجّل، والآن لم يعد المالك الفلسطيني قادراً على تسجيلها بسبب قانون التملّك حتى لو تمّت التسوية العقارية.

المصادر :

-مقابلات مع ناشطين وناشطات والعاملين.

-وثائق لبنانية رسمية.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,