شيرين وصورة “إسرائيل” الحقيقة

التصنيفات : |
مايو 24, 2022 9:37 ص

*أحمد حسن

كالعادة، راهن بعضنا على تبدّل صورة “إسرائيل” عربياً ودولياً أو على الأقل إصابتها بشرخ لن يُتاح لها ترميمه قريبا، بعد جريمة إغتيال شيرين أبو عاقلة.

بعض أسباب حماسهم للرهان كان التغيّر السريع في النظرة الغربية إلى روسيا بعد حرب أوكرانيا، بعضها الآخر اعتمد على الجنسية الأمريكية للضحية، أو على كونها شخصية عامة وإعلامية معروفة في قناة فضائية هي من بين الأكثر شهرة في العالم.

قبل ذلك، كان هؤلاء وسواهم، قد راهنوا على ذات الشيء في حالة محمد الدرة وراشيل كوري أو مجزرة قانا، وبعضهم فعلها حين قام سفاح صبرا وشاتيلا أرييل شارون بتكسير أيدي أطفال انتفاضة الحجارة.

بيد أنّهم جميعاً كانوا، رغم نبل دوافعهم، مخطئين، فبعد كل جريمة ترتفع أسهم المجرم، بل وكأنّها، أي الجريمة، تضيف إلى سجلّه نقاطاً مساعدة في سعيه لولوج التاريخ مع “الآباء”، لأنّه في الحقيقة يصبح أكثر تعبيراً من سواه عن صورة “إسرائيل الطبيعية” المقبولة عربياً ودوليا، في ظل تقسيمات المجتمع الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية.

بعد كل جريمة ترتفع أسهم المجرم، بل وكأنّها، أي الجريمة، تضيف إلى سجلّه نقاطاً مساعدة في سعيه لولوج التاريخ مع “الآباء”، لأنّه في الحقيقة يصبح أكثر تعبيراً من سواه عن صورة “إسرائيل الطبيعية” المقبولة عربياً ودولياً

هنا يمكن القول، إنّ المقارنة مع روسيا لم تكن في محلها، لأنّ ما حدث في هذه الحالة كان، في جزء كبير منه، إستعادة لا تغيير، بمعنى أنّ “الروسوفوبيا” كانت متجذّرة، وإن كامنة، في الوعي الغربي، وبالتالي جاءت الحرب كاشفة لا منشئة، أما فعل القتل العمد الذي مُورس ضد شيرين، ومن سبقها ومن سيليها، فهو، على ما يبدو، جزء أساس ورئيس من صورة “إسرائيل” المطلوب إبرازها وترسيخها، وبالتالي فإنّ الجندي الذي أطلق النار -سواء تمّ ذلك بأمر مباشر أو دونه- كان يقوم بما يتوجب عليه، بل، وأكثر من ذلك، بما هو حقّه الطبيعي، الذي لن يُسأل عنه بغض النظر عن جنسية القتيل.

وهنا أيضاً يجب العودة إلى التاريخ، ولو القريب نسبيا، لتفسير حقيقة أنّ الصورة “الإسرائيلية الطبيعية” ليست فقط أمراً مسكوتاً عنه في الوعي الجمعي الغربي بل هي أمر مقبول أيضا، فإذا كنّا نفهم الصمت الرسمي للعالم الحرّ باعتبارها “مخفره” المتقدّم في المنطقة -ووسيلته الناجعة لتغذية إقتصاد الحروب- فإنّنا لن نفهم صمت شعوبه ما لم نفهم حقيقة، ودور، المسيحية الصهيونية في “بناء” ذلك، فالأولى بطبعتها البروتستانتية والربوية، هي جسد الرأسمالية، في ما الثانية هي روحها، وكان لـ”تزاوجهما” في المجتمع الرأسمالي وقبله البرجوازي، بحسب كارل ماركس، أن أعاد “المسيحية التي انبعثت من اليهودية لتندمج ثانية فيها”، إنه امتصاص ثان للمسيحية، بتعبير سربست نبي(1)، وبالتالي فإنّ “إسرائيل” -التي هي “مدينة على التل”- حين تقوم بقتل الأغيار ومن يقف بصفهم، حتى لو كانوا مسيحيين، فإنّها تقوم، بنظرهم، بما يتوجب عليها فعله بصورة “طبيعية”، فهي من جهة أولى، وأساسية، تخدم الإقتصاد الرأسمالي القائم على نهب الآخر، كسلعة ولو من جسد وروح، كما أنّها، من جهة ثانية -وهو أمر مهمته منح سابقه بعداً مقدّسا، وبالتالي التغطية عليه- تساهم باقتراب موعد معركة “هرمجدون”(2) ونهاية العالم التي تفترض قيام “إسرائيل” كمقدمة لها، وهي لن تقوم إلا بالسيف، لذلك يصمتون.

لن نفهم صمت شعوب الغرب ما لم نفهم حقيقة، ودور، المسيحية الصهيونية في “بناء” ذلك، فالأولى بطبعتها البروتستانتية والربوية، هي جسد الرأسمالية، في ما الثانية هي روحها..

ذلك دور “إسرائيل” في السياقين الرأسمالي والديني -وصورتها كقاتل متفلّت من أي عقاب هي جزء أساسي منه- وذلك أمر ضروري لها في سعيها الدائم لترويع “العدو العربي” وإقناعه بـ”لا جدوى” مواجهتها، لأنّ “هذه هي إسرائيل” ولن يغيّرها شيء فلمَ لا نتعايش معها بسلام؟!، وهذا هو تحديداً مضمون السجال الذي دار خلال حرب تموز/يوليو 2006 و”سيف القدس”، وبعدهما، وهو جدال كان، ولا زال، جوهره الرئيس مقولة إنّ المقاومة مغامرة هوجاء وإنّها المذنب المدان لا “إسرائيل” وجرائمها وتدميرها الهمجي للبشر والحجر -التمويل الخليجي لإعادة الإعمار هو جزء من الصورة المطلوبة للخليج وتلك قصة أخرى- وذلك في الحقيقة نجاحها الأكبر.

إنّ قتل شيرين هو قرار واعٍ يؤكد صورة “إسرائيل” المطلوبة، فإذا كانت مراسلة قناة فضائية، عالمية الشهرة، ليس لديها حصانة فأي حصانة لسواها من الإعلاميين؟

خلاصة القول، إنّ قتل شيرين هو قرار واعٍ يؤكد صورة “إسرائيل” المطلوبة، فإذا كانت مراسلة قناة فضائية، عالمية الشهرة، ليس لديها حصانة فأي حصانة لسواها من الإعلاميين؟  إنّ قناة الجزيرة هي أول من فتحت بيوت العرب للإسرائيلي إعلامياً كـ”رأي آخر”، وكانت غالباً ما تمنحه الفرصة الأخيرة للختام، بما لذلك من أثر في وعي المتلقي، وتلك رسالة يريدها العدو الصهيوني للمرحلة القادمة التي تحفل بالكثير، وهنا تحديداً تكمن الفرصة الحقيقية للمقاومين فلا شيء سيغيّر من صورة “إسرائيل” إلا تبيان عجزها عن القيام بدورها المطلوب، هذا بعض إرث “تموز 2006″ و”سيف القدس” وذلك ما يجب استكماله في المرحلة القادمة.

*كاتب سوري

  • بروفسور سوري متخصص بالفلسفة السياسية.
  • وفقاً لكتاب الوحي، هو موقع تجمّع الجيوش للمعركة متى يحين وقت النهاية. كما يُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى أي سيناريو يشير إلى نهاية العالم بشكل عام.