شرخ في معركة الوعي! المعلَن والمضمَر في مسيرة الأعلام الصهيونية

التصنيفات : |
مايو 31, 2022 9:50 ص

*أحمد حسن

ربما ليس لحدث واحد أن يفسّر المعلَن ويكشف المضمَر في أحداث ونتائج مسيرة الأعلام الصهيونية، بقدر ما يمكن أن يفعله حدث زيارة جو بايدن المقبلة إلى السعودية، سواء بأجندتها الأمريكية الرئيسية، والمتعلقة بـ”شدّ” التحالفات ضد روسيا والصين، أو “التطبيعية” المضافة المتعلقة بتوسيع إتفاقيات “أبراهام” واقتراب موعد ضمّ بلاد الحرمين الشريفين إليها.

وربما سيرى البعض في ذلك افتئات على الحدث وتحميله ما لا يحتمل، أو، على الأقل، عدم واقعية في قراءته، لكن متابعة سريعة لمواقف الأطراف كلها قبل “المسيرة” وبعدها، ثم “قراءة” مرورها دون تبعات كبرى، والتمعّن في أسماء الرابحين والخاسرين منها، يوضح أنّ السياق الإقليمي والدولي المعقّد كان حاكماً في إخراجها بالصورة التي خرجت بها، فكما أنّ هذا السياق لا يحتمل، اليوم، حرباً فلسطينية – إسرائيلية -وللحقّ فإنّ المقاومة لا تحتملها اليوم أيضاً لأسباب موضوعية كثيرة- قد تمتد لتغدوَ حرباً إقليمية، فإنّه لا يحتمل أيضاً اهتزاز الحكومة “الإسرائيلية” الحالية وسقوطها، بما سيضع بالمحصلة -أي الحرب والسقوط- بايدن وزيارته ونتائجها المتوخّاة، في مهبّ الريح.

كان من مصلحة الجميع، دولياً وإقليميا -ونخشى القول بعض الفلسطينيين- حماية حكومة نفتالي بينيت ومنع سقوطها لصالح نتنياهو المتحفّز والجاهز، وبالتالي ضرورة منحها نصراً ولو بالنقاط، وهذا ما حصل.

بهذا المعنى، كان من مصلحة الجميع، دولياً وإقليميا -ونخشى القول بعض الفلسطينيين- حماية حكومة نفتالي بينيت ومنع سقوطها لصالح نتنياهو المتحفّز والجاهز، وبالتالي ضرورة منحها نصراً ولو بالنقاط، وهذا ما حصل، لكن هنا من الضروري الإعتراف بأنّه كان نصراً مادياً ومعنوياً لطرف وخسارة مادية ومعنوية لطرف آخر، فلسطين ومقاومتها تحديداً -حيث خيبة الأمل الشعبية منها على أشدّها اليوم- وهي خسارة كانت، للمفارقة، حاجة مصلحية أيضاً لهذه المقاومة كي تتخلص من بعض الحمولات الإنتصارية و”العنتريات” الضارّة -التي أنتجها سياق معركة “سيف القدس” وتوابعها- والعودة لأرض الواقع المطلوبة، وعلى الأقل للتعلم من درس المقاومة اللبنانية، وقائدها السيد نصرالله تحديدا، الذي لا يهدّد إلا بما يقدر عليه ويملك إمكانية تنفيذه حتماً دون الإلتفات إلى حسابات أو “وساطات”، وتلك معضلة كبرى لأنّ الحرب اليوم، في أكبر وجوهها، هي حرب على الوعي أيضا، وأولا.

وفي حرب الوعي هذه لا يمكن نكران أنّ بينت -وبالتالي “إسرائيل”- كان الفائز الأكبر، والمطلوب من الجميع، فقد أنجز المهمة ورفع عدد المشاركين في المسيرة إلى نحو 70 ألف مستوطن، بما يعني أنّها الأكبر منذ عشرين عاماً على الأقل، في ما كان مرورها من باب العامود، الذي تهرّب نتنياهو من إتاحة عبوره أمام مسيرة العام الماضي، لافتا، وبالتبعية، يمكن القول إنّ اليمين “الإسرائيلي” المتطرّف كان فائزاً أيضا، لأنّ نجاح المسيرة و”استفزازاتها” رصيد مضاف له في حربه الداخلية، وسيصرفه حكماً في الإنتخابات المقبلة للكنيست.

“صاحب المكان”، كما تباهى عضو الكنيست، إيتمار بن غفير، لا يحتاج لكل هذه الحماية لزيارة “أملاكه” والسير فيها، لكنّ إخراج هذا “الإنتصار المضمَر” إلى العلن، يحتاج إلى جهد إعلامي كبير وعمل ميداني “فارق” لترميم “الشرخ” الذي خلّفته المسيرة في الوعي الفلسطيني، وهو أمر تعرف المقاومة طريقه بكل تأكيد.

بيد أنّ هناك فائز آخر، وهو الوسطاء -مصر وقطر- فقد ربحا في بلورة “المخرَج” الذي شاهدناه للمسيرة، سواء بالترهيب الذي قام به طرف منهم -وأكّدته “إسرائيل” باستنفار واستعراض مكثف وهائل لقوتها العسكرية وبإظهار اصطفاف حكومي وشعبي خلفه- أو الترغيب -ويُحكى عن “التمويل”- الذي تكفّل به طرف آخر، وهذا النجاح وهذا الدور لم يقوما به بالطبع لمصلحتهما الخاصة، وإن كانت موجودة، بل لمصلحة السياق الإقليمي والدولي ذاته، الرافض للتصعيد في فلسطين أو سقوط حكومة بينت، والذي تندرج فيه زيارة بايدن للسعودية.

غير أنّ ذلك كله لا يجب أن يحجب عنا حقيقة أنّ هذه الصورة الإنتصارية الظاهرة للمسيرة، ورغم كل خيبة الأمل الفلسطينية الشعبية التي رافقتها من أداء المقاومة ومحورها بالكامل، قياساً على السقوف الكلامية المرتفعة قبل الحدث، والتي تورّط فيها المستوى القيادي ذاته، إلا أنّ اضطرار الكيان إلى استنفار كل جيشه وكل هذه الوساطات الإقليمية والدولية لتمرير مسيرة أعلام في “عاصمته الموحّدة” و”الأبدية”، كما قال بينت مزهوا، يعني بصورة أو بأخرى انتصارا، ولو مضمَرا، لفلسطين ومقاومتها، فـ”صاحب المكان”، كما تباهى عضو الكنيست، إيتمار بن غفير، لا يحتاج لكل هذه الحماية لزيارة “أملاكه” والسير فيها، لكنّ إخراج هذا “الإنتصار المضمَر” إلى العلن، يحتاج إلى جهد إعلامي كبير وعمل ميداني “فارق” لترميم “الشرخ” الذي خلّفته المسيرة في الوعي الفلسطيني، وهو أمر تعرف المقاومة طريقه بكل تأكيد.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,