ميناء حيفا: حين أُغلق المنفذ البحري بوجه الداخل العربي
يونيو 1, 2022 2:00 م*وسام عبد الله
بعد كارثة إنفجار مرفأ بيروت، ولحظة إعلان التطبيع بين دول خليجية والعدو الإسرائيلي، ومع إعلان شركات عربية رغبتها بالاستثمار في كيان الإحتلال، كان العنوان المشترك بينها جميعا: دور ميناء حيفا على الساحل الفلسطيني المحتل. وهذه الميزة، والمنافسة، والرغبة ليست حديثة العهد، إنّما تعود إلى أوائل القرن العشرين، لحظة تحوّله من ميناء صغير للصيادين إلى التوسّع لاستقبال السفن والحاويات التجارية.
ميناء حيفا.. تاريخياً
لو أعدنا النظر إلى الخريطة السياسية لمنطقة بلاد الشام والعراق ومصر في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، نقرأ على جغرافيتها التنافس بين الدول الإستعمارية، فرنسا وبريطانيا وروسيا وألمانيا، على تركة “الرجل المريض” الإمبراطورية العثمانية. والساحل الشرقي للمتوسط أحد أوجه المنافسة للسيطرة على المنفذ البحري للداخل العربي – الآسيوي، والنقاط المحورية تبدأ من ميناء الإسكندرون شمال اللاذقية السورية، والمعروف بميناء حلب والموصل، وصولاً إلى ميناء بيروت الذي سعى الإستعمار الفرنسي بإدارته لربطه مع دمشق ضمن منطقة نفوذها وتقسيمات سايكس – بيكو مع بريطانيا، التي بدورها، امتدت يدها نحو الساحل الفلسطيني فكان ميناء يافا هو المُجهّز قبل حيفا، لكنّ الإنتداب البريطاني اتخذ قراره بأن يكون الميناء الجديد على ساحل حيفا.
أرادت الحكومة البريطانية أن تواجه التمدد الفرنسي شمالاً وتقطع عليه الطريق نحو مصر وقناة السويس، وتستكمل تواصلها مع مستعمراتها في الهند، ولطمعها في النفط العراقي، أعلنت مخططها لبناء ميناء حيفا، بحيث يكون النافذة البحرية التي تمتد من فلسطين والأردن وصولاً إلى العراق، أي افتتاح طريق تجاري يعاكس تماماً الطريق الفرنسي، على الرغم أنّ خيار حيفا لم يكن الأول، إنّما كانت المقارنة مع ميناء الإسكندرون لقطع الطريق أمام روسيا ولقربه من أوروبا، لكن وقع الإختيار على قرية متاخمة لجبال الكرمل. وكانت حيفا تتصل بمدينة درعا السورية عبر خط سكة الحديد المتفرّع من خط الحجاز – دمشق، الذي بناه العثمانيون، فكانت السيطرة عليه، جزءاً من التوسع نحو الأراضي العربية الواقعة تحت السيطرة العثمانية.
أثّرت الحرب العالمية الأولى على كافة موانئ ساحل بلاد الشام، وعادت لتنشط مع انتهاء الحرب، ليعلن عن انتهاء العمل ببناء حوض الميناء سنة 1933، العاصمة البريطانية لندن أرادت احتفالاً واسعاً يُعلن من خلاله عن انطلاق العمل، ولكن الشعب الفلسطيني رفض وضع الإنتداب البريطاني يده بشكل كامل على حقّه بالميناء، فعمل المندوب البريطاني على بيع أوهام مستمرة بأنّ الفائدة ستعم على كامل الشعب الفلسطيني، مع تأكيده المتواصل أنّ بلاده، صاحبة الإدارة على الميناء، لها الفضل الكامل.
ونتيجة المواجهات بين السكان وقوات الإنتداب تمّ إلغاء الحفل. وفي الجهة المقابلة، من الناحية الشمالية لميناء بيروت، بدأت العيون الفرنسية تراقب تطور ميناء حيفا وكيف استحوذ على الضوء واستقطب التجار، حتى صار المرفأ الأول على ساحل شرق المتوسط، والثاني على مستوى حوض البحر المتوسط. وازدادت الأهمية مع إنشاء مصفاة لتكرير النفط العراقي، ليصبح مركزاً للصناعات البيتروكيماوية.
احتلال الميناء قبل البلاد
لم يكن وضع ميناء حيفا تحت سلطة الإحتلال الإسرائيلي ينتظر النكبة، بإعلان تأسيس دولة الإحتلال، فقد بدأ العمل منذ لحظة البناء، وكان العمل يُقسّم بين العرب واليهود، وطبعاً ساعات العمل الطويلة والأجر المنخفض من نصيب العرب، بخلاف ساعات العمل القليلة والأجر المرتفع كانوا لليهود حكما، وعمل الإنتداب البريطاني على تسهيل وصول السفن المحمّلة بالمستوطنين عبر ميناء حيفا ونقلها عبر سكة الحديد إلى الداخل. مع تمدد الاحتلال قبل النكبة، من خلال السيطرة على المراكز الأساسية في المدينة، والمناطق المحيطة بها، لتكون الضربة القاسية عام 1948 حين انقضّ العدو الإسرائيلي على حيفا وقام بتهجير سكانها، بالتوازي مع باقي المدن الإقتصادية الفلسطينية، مثل يافا واللد، فكان الهدف الواضح، تدمير العصب الإقتصادي الفلسطيني، وتهجير الأهالي المالكين والعاملين والمؤسسين لتلك المناطق الحضرية.
التطبيع.. والإستثمار
لم تكد تجف أوراق إتفاقيات التطبيع بين دول عربية (خليجية) والصهاينة، حتى بدأ الحديث عن مشاريع لربط ميناء حيفا بالخليج العربي عبر خط يمتد من الإمارات مرورا بالسعودية وصولً إلى الكيان، أي عن مشروع يُشكّل حاجزاً ومنافساً لقناة السويس، وضربة جديدة لمرفأ بيروت بعد انفجار الرابع من آب/أغسطس 2020. وكانت شركة “موانئ دبي العالمية” أكثر الأسماء تداولاً وأقربها بحسب المتابعين، للحصول على مناقصة الإستثمار في الميناء، حيث أبرمت إتفاقاً سنة 2020 مع شركة “شيبياردز إندستريز” الإسرائيلية للتعاون حصرياً في خصخصة ميناء حيفا، ليأتيَ الخبر قبل أشهر بانسحاب الشركة الإماراتية من الإتفاق، مع عدم صدور تبرير رسمي لفك التفاهم.
تصف مواقع إقتصادية إسرائيلية، أنّ أحد الأسباب الرئيسية، بالإضافة إلى المناقشات الإستثمارية، هي المتعلقة بالشؤون الأمنية والحفاظ على المصالح الإقتصادية لكيان الاحتلال. المفارقة، أن تلهث شركات عربية للإستثمار في الكيان، بينما تضع حكومة الاحتلال العراقيل أمامها لأنّ مصلحتها قبل أي مسألة حتى لو كانت التطبيع وكسب دوله في صفّها.
يُعتبر ميناء حيفا خسارة إقتصادية كبيرة للداخل العربي، كما لغيره من المناطق الفلسطينية، التي قطعت بشكل كبير شرياناً مالياً وتجاريا، كان يمكن أن يُشكّل بالتوازي مع باقي الموانئ على ساحل بلاد الشام مساحة للتطور الإقتصادي والتنموي.
*كاتب لبناني
وسوم :
إنفجار مرفأ بيروت, الإنتداب البريطاني, الاحتلال الصهيوني, المدن اٌتصادية الفلسطينية, حيفا, ساحل بلاد الشام, سكة الحديد, شركة موانئ دبي العالمية, شيبياردز إندستريز, صمود, فلسطين المحتلة, قناة السويس, كيان الاحتلال, ميناء حيفا, وسام عبد الله