مخيّم البصّ منفتحٌ على محيطه

التصنيفات : |
يونيو 2, 2022 11:12 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

“وصلتُ الى مخيّم البصّ أواخر العام 1948، بعد جولة طالت مناطق لبنانية عديدة، تركت ترشيحا إلى بنت جبيل، ثم أرسلونا إلى عنجر، وهناك رفض المقيمون وجودنا، وعدت منها إلى الرشيدية، حيث استقريت في مخيّم البصّ بعد ذلك. هنا في البصّ كان أكثر من ثلاثين منزلاً تسكنها عائلات أرمنية. ونحن سكنا في غرف “خربانة” وفي خيم وزّعتها علينا السلطة”. هذا ما يتذكره أحد المسنّين، المولود في ترشيحا .

يتدخل فايز مرعي ليقول: “عندما وصلنا إلى هنا، كان يسكن المخيّم نحو 400 شخص من إخواننا الأرمن، وكل عائلة منهم كانت تستخدم أرضاً تبلغ مساحتها نحو 425 متراً مربعا، فيها غرف بُنيت على الطريقة الأرمنية المميزة. نحن سكنا في مدرسة وفي عدد من الخيام، بعد ذلك بدأ الأرمن بالنزوح إلى برج حمود ومناطق أخرى من بيروت واشترى عدد من الفلسطينيين منازلهم بسعر يقارب الألف ليرة لبنانية آنذاك”.

النشأة والحال

يقع مخيّم البصّ شرقي مدينة صور ويبعد عنها نحو 1.5 كلم، وعن الحدود مع فلسطين 27 كلم، وقد بنته سلطات الإنتداب الفرنسي عام 1939 لاستقبال اللاجئين الأرمن. وصل إليه اللاجئون الفلسطينيون عام 1948 من قرى قضاء عكا. ونظراً لموقعه وصغر حجمه وانفتاحه على المحيط، لم يتعرّض مخيّم التوت، كما يُسمّى نسبة لشجرة التوت التي زرعها الأرمن بكثافة في المخيّم، إلى كثير من الدمار خلال الحرب الأهلية .

ويوضح مرعي: “حاليا، يعيش في المخيّم نحو 1000 عائلة أي ما يقارب الـ5000 شخص، وبين المقيمين عدد من العائلات اللبنانية القادمة من القرى المحيطة بصور .                

يعمل معظم الرجال بالزراعة والبناء، لكنّ المخيّم اليوم، يعاني من البطالة المرتفعة، وخصوصا في وسط الشباب، بسبب تراجع أوضاع الزراعة وتوقف المشاريع العمرانية”.

ويضيف: “أود الإشارة إلى أنّه في بداية سبعينيات القرن الماضي، كانت نسبة المتعلمين عالية جدا، لكن الآن، وبسبب الحروب تدنّت هذه النسبة. وشهد المخيّم خلال السنوات الفائتة هجرة واسعة غير قانونية وخصوصاً إلى الدول الأوروبية، والبعض باع منزله وهاجر”.

أما احمد الزيداني فيروي من ذاكرته: “ما زلت أذكر العديد من العائلات الأرمنية التي كانت هنا وفي الرشيدية والشواكير، لكنّ معظمهم ترك المنطقة ورحل إلى بيروت”.

وعن هجرة العائلات والشباب يقول: “الآن، توقفت الهجرة بسبب إقفال المنافذ، لكنّنا نعاني من غياب فرص العمل وتقليص خدمات الأونروا وخاصة الصحية منها، لكنّ منظمة التحرير تساعد جزئياً في تغطية الخدمات الصحية”.

وتشير زهرة محمد إلى ارتفاع نسبة النساء المعيلات لأسرهنّ في مخيّم البص، وتضيف: “بسبب هجرة الشباب، تجد عدداً كبيراً من المسنّين الذين بحاجة إلى رعاية خاصة. وتجد عدداً كبيراً من العائلات التي ترأسها نساء”.

ولكن أين تعمل نساء المخيّم؟

تجيب محمد: “عدد قليل ما زال يعمل في الزراعة، ونساء عديدات يعملن في رياض الأطفال وفي مشغل للخياطة، وفي دروس التقوية وفي المنظمات غير الحكومية”.

وتضيف: “ما زال قطاع التمريض في المنطقة يستوعب عدداً من الفتيات الفلسطينيات ذوات الإختصاص”.

وحول مشاركة المرأة في الشأن العام، تقول محمد: “لدينا تجربة مع اللجنة الشعبية لكنّها غير مشجعة بسبب النظرة الذكورية السائدة. ونسعى إلى زيادة تمكين المرأة”.

وعن العلاقة مع العائلات اللبنانية المقيمة في المخيّم، تصفها محمد “بالعلاقة الطبيعية، الهموم واحدة ولا تمييز بيننا”.

ويعلّق مرعي بالقول: “إنّ العلاقة مع أهالي مدينة صور ممتازة جدا، ومع أهالي القرى المحيطة أيضا. وهناك مصاهرة وتزاوج، ويشير إلى أنّ السبب الأساس هو غياب المشكلات ذات الطابع الأمني وعدم وجود أي مطلوب للسلطة اللبنانية في المخيّم. وإذا حصل خطأ ما وطُلب أحدهم للتحقيق، يجري تسليمه فورا”.

كلّنا في الهمّ شرقُ

يعيش في المخيّم حالياً عائلة أرمنية واحدة هي عائلة المختار الذي توفّى منذ سنوات، تقول شقيقته إستريك أطاميان: “وُلدت في هذا البيت عام 1949، وعشت حياتي هنا مع جيراني الفلسطينيين ولم أشعر يوماً بأي تمييز بيننا. واليوم، عندما أزور عائلة شقيقي أشعر بالسرور وأتذكر كيف كنّا ننام على حصيرة واحدة مع رفيقاتي الفلسطينيات وأشعر بالغربة إذا ابتعدت عن المخيّم، هنا ولدت والجميع أهلي” .

وفي الحي الغربي لمخيّم البصّ، تعيش اللبنانية سامية عوض التي تبادر بالقول: “لا أشعر بأي فرق بيني وبين الفلسطينيين المقيمين بجانب منزلي، نحن نعيش نفس الظروف الحياتية الصعبة”.

تستغرب جارتها اللبنانية نسرين السريس السؤال عن العلاقة مع الفلسطينيين، وتسأل بدورها: “أليسوا بشراً مثلنا، نظرتي لهم إنسانية كنظرتهم لي، عندما شاركت بالحراك المدني خلال الإنتفاضة دعيت رفيقاتي الفلسطينيات للمشاركة لأنهنّ يعانين مثلي، نتشارك المعاناة ذاتها وقساوة العيش والهموم اليومية، لماذا التمييز إذا؟”.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,