“فوبيا العلم”: “إسرائيل” في مواجهة علَم فلسطين

التصنيفات : |
يونيو 3, 2022 6:31 ص

*أحمد الطناني – غزة:

صادق كنيست الاحتلال على القراءة الأولى لمشروع قانون المعارضة الذي يُحظّر رفع الأعلام الفلسطينية في “المؤسسات التي تمولّها حكومة الاحتلال”، حيث تمّ تمريره بأغلبية كبيرة من 63 مؤيد مقابل 16 معارض من أعضاء الكنيست.

مشروع القانون، وبالرغم من أنّه مقدّم من المعارضة، إلا أنّ الائتلاف الحاكم منح الائتلاف حرية التصويت لأعضائه، هذا الائتلاف الذي يُشكّل جزءاً أساسياً منه حزب “راعام” أو القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس.

في واقع الأمر، لم يكن يحتاج كيان الاحتلال إلى إقرار قانون لمحاربة العلَم الفلسطيني، فالكيان فعلياً بشرطته وجيشه، منشغلون جداً بملاحقة كل علَم فلسطيني مرفوع بقانون أو بدونه، فالعدد الأكبر من المعتقلين في القدس والداخل الفلسطيني هم معتقلون بتهمة رفع علَم فلسطين.

يرى قادة الاحتلال أنّ رفع العلَم الفلسطيني بحد ذاته هو عامل مثير للتوتر والإستفزاز لجموع المستوطنين الصهاينة، ومن حقّ شرطته الاحتلالية التدخل لتزيلَ عوامل التوتر أي “ما يهدّد سلامة الجمهور”

يرى قادة الاحتلال أنّ رفع العلَم الفلسطيني بحد ذاته هو عامل مثير للتوتر والإستفزاز لجموع المستوطنين الصهاينة، ومن حقّ شرطته الاحتلالية التدخل لتزيلَ عوامل التوتر “ما يهدّد سلامة الجمهور” بحسب تعبير قادة الأجهزة الأمنية، التي لم تتوانَ في مهاجمة جنازة الشهيدة الصحافية شيرين أبو عاقلة، والشهيد المرابط وليد الشريف من أجل منع رفع العلَم الفلسطيني فيها.

هذا الكيان الهشّ يجنّد نفسه وكل منظومته في مواجهة علَم فلسطين، ويقدّم مشروع قانون كردٍّ على رفع علَم فلسطين بشكل كثيف في جامعتي “تل أبيب” و”بن غوريون” العبريتين، خلال إحياء طلبة فلسطينيين لذكرى النكبة، فبالرغم من كل الملاحقة الساخنة للفلسطينيين رافعي العلَم، لم تفلح المحاولات في خلق ردع لدى جموع الشباب الفلسطيني الحرّ الذي يواجه إجراءات المنع بالمزيد من الإصرار.

لم يكن بعيداً عنها مشهد طائرة “الدرون” التي حلّقت بعلَم فلسطين فوق مسيرة الأعلام في مشهد يعبّر عن الإصرار الفلسطيني الذي لا تحدّه حدود، حيث حشد الاحتلال أكثر من 3000 شرطي صهيوني لتأمين مسيرة الأعلام في مدينة القدس ولمنع أي مظهر فلسطيني من تعكير المشهد الصهيوني الهادف إلى إظهار السيادة الكاملة على المدينة، إلا أنّ كل هذه الإجراءات لم تتمكن من وضع حدود تمنع الإرادة الفلسطينية ولو بأبسط الأشكال لتُذكّر هذا الكيان أنّ في هذه المدينة وهذه البلاد شعب يأبى الاقتلاع.

فالعلَم الفلسطيني يُذكّرهم بأنّهم كيان احتلالي إستيطاني غاصب على أرض فلسطينية وستبقى فلسطينية بعزيمة وسواعد أبنائها

لربما كان التوصيف الصهيوني الذي اعتبر رفع علَم فلسطين بأنّه “مثير للتوتر” لجموع المستوطنين وقادة الاحتلال، ويُشكّل “إخلال بالنظام” بحسب المستشار القضائي لحكومة الاحتلال، وهذا توصيف دقيق، فالعلَم الفلسطيني يُذكّرهم بأنّهم كيان احتلالي إستيطاني غاصب على أرض فلسطينية وستبقى فلسطينية بعزيمة وسواعد أبنائها، فلم يمت الكبار لينسى الصغار، بل يحمل الصغار علَمهم عالياً في كل ميدان ومحفل، وهذا ما تدلّ عليه الفئات العمرية للمعتقلين، الذين آخرهم كان اعتقال طفلين من مدينة أم الفحم المحتلة بتهمة رفع العلَم الفلسطيني.

في قرية حوارة قرب نابلس، تدور معركة يومية بين المستوطنين والشبان الفلسطينيين على علَم فلسطين، حيث يدخل المستوطنون الصهاينة، وبحماية من جيش الاحتلال، لإنزال علَم فلسطين، وما يلبث أن ينسحب جيش الاحتلال حتى يعود الشبان ويرفعونه مرة أخرى، ليتكرّر المشهد يوميا، هذا المشهد الذي بات عنواننا في عدد من المواقع والقرى في الداخل المحتل، في القدس، وفي القرى المجاورة للمستوطنات الصهيونية في الضفة.

من منظور الصهاينة، يُعتبر رفع العلَم الفلسطيني مظهراً  من مظاهر فقدانهم للسيادة والسيطرة، وهو تثبيت في الوعي الجمعي للجمهور الصهيوني بأنّ الفلسطيني ما زال موجوداً بهويته الفلسطينية وإرادته

من منظور الصهاينة، يُعتبر رفع العلَم الفلسطيني مظهراً  من مظاهر فقدانهم للسيادة والسيطرة، وهو تثبيت في الوعي الجمعي للجمهور الصهيوني بأنّ الفلسطيني ما زال موجوداً بهويته الفلسطينية وإرادته رغماً عن كل بطش الكيان الذي يُشدّد معركته الهادفة لقمع الوعي الفلسطيني الوطني، ويستهدف بشكل خاص ومضاعف هذا الوعي لدى الفلسطينيين في الداخل المحتل، الذي بات يقدّر المخاطر في تنامي وعيهم بشكل كبير على أثر انخراطهم الكثيف في المواجهات والتصدي للإعتداءات الاحتلالية في القدس والنقب واللد وأم الفحم، والمشاركة المضاعفة في فعاليات إحياء ذكرى النكبة، التي أكدت أنّ كل سياسات المواجهة الصهيونية لقمع هذا الوعي المتصاعد بعد معركة “سيف القدس” لم تفلح ولم تجدِ نفعا، فالحراك الفلسطيني يتصاعد، والأعلام الفلسطينية تُرفع كل يوم، ورُفعت بكثافة استفزت اليمين الصهيوني لدرجة دفعته لتقديم مشروع القانون المذكور.

يمنع القانون رفع العلَم الفلسطيني على أي مؤسسة رسمية في الكيان، مما يعني عدم رفعه في أي قاعة تجري فيها مفاوضات ثنائية قد يحملها المستقبل

سيكون للقانون الذي تمّ “تقنينه” بتجريم رفع العلَم الفلسطيني بشكل أساسي على مؤسسات كيان الاحتلال الرسمية أثره على أي مفاوضات مستقبلية بين حكومات الاحتلال والسلطة الفلسطينية التي ما زال رئيسها وفريقه المهمين على القرار الرسمي يتمسّكون بسياسة التفاوض، حيث يمنع القانون رفع العلَم الفلسطيني على أي مؤسسة رسمية في الكيان، مما يعني عدم رفعه في أي قاعة تجري فيها مفاوضات ثنائية قد يحملها المستقبل في ضوء تقديم “حسين الشيخ” وزير الشؤون المدنية ومسؤول ملف التفاوض، إلى موقع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

الرد الفلسطيني على مشروع القانون وعلى الملاحقة المستمرة للعلمَ الفلسطيني، هو إطلاق فعاليات وطنية واسعة يكون عنوانها علَم فلسطين، ينخرط فيها كل أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان، وفي مقدمتهم فلسطينيو الداخل المحتل والقدس وبمشاركة الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم بالوطن والشتات والمنافي، لرفع علَم فلسطين وتسيير المسيرات الجماهيرية الواسعة تحت عنوان “علَم فلسطين”، فكل محاولات الإقتلاع لن تزيد هذا الشعب إلا إصراراً وتمسّكاً بحقّه ووطنه وعلمه وحريته المحتومة.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,