هل نجحت “إسرائيل” في وأد “الإنتفاضة” الثالثة وتحويلها إلى حوادث أمنية متفرقة؟ أم أتقنت المقاومة اللعبة؟

التصنيفات : |
يونيو 7, 2022 8:28 ص

*رامي سلّوم

شهدت المرحلة الأخيرة، خصوصاً بعد معركة سيف القدس وملحمة سجن جلبوع، توقعاتٍ كادت تلامس التأكيد عن قرب انطلاق إنتفاضة ثالثة على كامل الأراضي الفلسطينية، إنتفاضة رأى فيها محلّلون خلاصاً للفلسطينيين من أحمال وأنقاض سياسية وجيوسياسية متراكمة، بدأت ترتسم عليها أشكال الثبات و(القِدم) بحيث تكاد ترسخ أو تصبح أمراً واقعاً في حال حاولنا تجميل وتلطيف الصيغة الوصفية للواقع، وذلك بسبب بعدها الزماني والإجتماعي مثل سنوات الإنقسام، وغيرها من الأزمات التي أفرزتها السلطة غير الكفوءة والمتآمرة على شعبها والتي تُعتبر بحد ذاتها واحدة من الأزمات المتجذّرة التي تحتاج “لآخر العلاج”، فضلاً عن النزاعات السلطوية على حساب القضية وغيرها.

عدم صلاحية الواقع الإسرائيلي لخوض تجربة مواجهة شاملة كالإنتفاضة، إلا في حال كان هناك رغبة لدى الكيان الصهيوني وتوجُّه لافتعال أزمة ما، وخصوصاً أزمة أمنية قد تجهِض الإنتفاضة في عمقها النفسي – الإجتماعي

ومع كل تلك التوقعات ومسبّباتها.. الواقعية، الإجتماعية، الإقتصادية، السياسية والأمنية، كان من المستغرب عبث الاحتلال الفجّ واستفزازه المقصود للفلسطينيين في ظرف قد يتوقع كثيرون فيه ميلاً نحو التهدئة وأن يكون ذلك على مستوى واسع من ضبط النفس، لعدم صلاحية الواقع الإسرائيلي لخوض تجربة مواجهة شاملة كالإنتفاضة، إلا في حال كان هناك رغبة لدى الكيان الصهيوني وتوجُّه لافتعال أزمة ما، وخصوصاً أزمة أمنية قد تجهِض الإنتفاضة في عمقها النفسي – الإجتماعي، وتشتّتها في مواجهات أمنية متفرقة خارج الإطار الإجتماعي الذي يضفي على المواجهة “نوعيّتها” دوليا، من دون القدرة على التشويش عليها كما في المواجهات النضالية التي توصَم بالإرهاب أو غيره من التهم.

تعتمد الإنتفاضة الثالثة على المزاج الشعبي الذي يرى السلطة الفلسطنينية في حالة عجز كبرى في ظل الإنقسام المستمر في الحالة الفلسطينية من جهة، وفشلها كسلطة في تمرير خياراتها في ظل تعنّت إسرائيلي ورفض كامل لكل تواصل معها.

لقد شكّلت معركة سيف القدس نقطة تحوّل إستراتيجية في المواجهة بين الفلسطينينن وكيان الاحتلال، ولا سيما في الضفة الغربية التي ارتفعت فيها حالة الغليان بطريقة متسارعة جدا ًدفعت الكثير من المحلّلين إلى القول بأنّ الهبّة الفلسطينية في القدس عام 2018 ستتطور في الـ2022 إلى انتفاضة شعبية شاملة في الضفة ومدنها، معتمدين على المزاج الشعبي الذي يرى السلطة الفلسطنينية في حالة عجز كبرى في ظل الإنقسام المستمر في الحالة الفلسطينية من جهة، وفشلها كسلطة في تمرير خياراتها في ظل تعنّت إسرائيلي ورفض كامل لكل تواصل معها، ولا سيما خلال فترة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.. والأهم أنّ هذا المزاج الشعبي يرى في الفعل الذي شكّلته المقاومة وفصائلها في الرد على ما جرى في حيّ الشيخ جرّاج عاملاً مؤثراً في حمايتها ومنع المحتل من اتخاذ أفعال قد تمنع تحرّكهم.

ومن جانب آخر، سعى كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ مجزرة جنين في 2002، والتي أدّت حينها إلى تدمير مخيّمها وقتل وتهجير مقاوميها الذين صمدوا في وجه آلة الاحتلال العسكرية البريرية، إلى سحق أي تحرّك آخر ممكن أن يؤدّي إلى تنظيم الفلسطينيين صفوفهم مرة جديدة، والخروج بوجهها، مستفيداً تارةً من سطوته العسكرية المطلقة على الضفة، وتارةً من التنسيق الأمني مع سلطة أوسلو والتي باتت يداً متقدمة لـ”إسرائيل” في مواجهة أي تحرّك محتمل، وطوراً آخر أيضاً من بوابة الإنقسام الفلسطييني الذي أصبح عبئاً على المقاومة وتشكيلتها بسبب الملاحقة المستمرة من أجهزة السلطة لأي فصيل مناوئ لها.. هذه العوامل كلها ساهمت في كبح جماح خروج إنتفاضة كبيرة واقتصرت على هبّات متفرقة في القدس ومدن الضفة.

سعت قيادة الاحتلال إلى تحويل المواجهة مع المقاومة والفصائل المتشكّلة إلى عدة مسارات أغلبها أمنية، ومحاولة تفريغ ما يجري من مضمونه سواءً عبر اتهام منفّذي العمليات الفدائية بانتمهائهم إلى “داعش”، وأحياناً من خلال الترويج بأنّ منفّذي هذه العمليات هم “ذئاب منفردة” لا ينتمون إلى تنظيم فلسطيني

ولكن اليوم، وبعد معركة سيف القدس تبدّلت المعطيات وبتنا نرى مدناً تنتفض وتخرج من تحت سلطة السلطة والاحتلال كما يجري حالياً في جنين وبلداتها، حيث لا يمرّ يوم دون الحديث عن مواجهة عسكرية بين المقاومين وعناصر الاحتلال وقواته.. وأكثر من ذلك، أصبح هناك قوى عسكرية على الأرض تجاهر بعملياتها وتصدّيها للاحتلال، كتيبة شهداء جنين مثال، ما دقّ ناقوس الخطر في قلوب مجرمي العصر “الصهاينة”.

ومع التطورات الميدانية، سعت قيادة الاحتلال إلى تحويل المواجهة مع المقاومة والفصائل المتشكّلة إلى عدة مسارات أغلبها أمنية، ومحاولة تفريغ ما يجري من مضمونه سواءً عبر اتهام منفّذي العمليات الفدائية بانتمهائهم إلى “داعش” كما حدث في عمليتي الخضيرة وبئر السبع، وأحياناً من خلال الترويج بأنّ منفّذي هذه العمليات هم “ذئاب منفردة” لا ينتمون إلى تنظيم فلسطيني وأنّ ما قاموا به هو نتيجة أمور استفزّتهم، لتبعدَ الفعل الوطني عن عملياتهم الفدائية. ولكن في كل ذلك، كان ما ذهبت إليه تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية والتي رأت أنّ محاولات استدراج المقاومة إلى عمليات جانبية في هذه القرية أو تلك المدينة قد يساهم في عدم توسّع العمليات لتشملَ مناطق أخرى، وفي حال نجاح الحل الأمني يعني القضاء على الفعل العسكري وعدم تمدّده في أماكن أخرى.

حالة الغليان في الضفة تنتظر التكاتف والتكافل والرؤية الوطنية المشتركة لتحقيق أعلى استفادة منها واستثمارها وطنياً للوصول إلى الحقوق الفلسطينية، فالفعل المقاوم في غزة لا يكفي وحده مهما بلغ من قوة  لفرض الشروط على الاحتلال للعديد من الأسباب، ولربما بات مطلوباً وضرورياً اليوم انطلاق إنتفاضة الضفة ولكن في الوقت المناسب وعندما تكون جاهزة، فساحة المواجهة كبيرة ونقاط التماس باتت أكبر مع دخول فلسطينيي الداخل على خط المواجهة ما يعني أنّ الفائدة المرجوة ستكون أكبر بكثير، وستجعل العدو الإسرائيلي يتخبّط في كيفية الرد والمواجهة.. فهل تفعلها المقاومة قريبا؟.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , ,