بلينكن، وأمثاله، و”حقائقهم” حول فلسطين!
يونيو 9, 2022 8:36 ص*أحمد حسن
حتى الآن لم يعرف وزير الخارجية الأمريكي، ومعه طبعاً الإدارة كلها، “الحقيقة” حول جريمة مقتل شيرين أبو عاقلة.
الرجل معذور، فرئيس مجلس الأمن لهذا الشهر لا يعرف فلسطين كلها، في ما بعضنا، وقُل أغلبنا، لا يعترف بـ”حقيقة” دور “إسرائيل” في مآسينا وكوارثنا، فما تعانيه منطقتنا -بحسب أحد الناطقين بـ”نفطهم”- ناجم، على وجه الخصوص من ضعف التحالف بين المؤمنين بالسلام، ونقطة على السطر.
إذا، المشكلة بغياب المؤمنين، أو ضعف تحالفهم على الأقل، وليس أي شيء آخر، وأمام هذه “الحقيقة” يصبح من الضروري التذكير بـ”حقيقة” أنّ مبادرة السلام العربية التي طُرحت في قِمة بيروت عام 2002 والتي -رغم “تبذيرها” للحقّ الفلسطيني الساطع- تكاد تدخل موسوعة غينس كأطول مدة زمنية لمبادرة لا زالت على الطاولة رغم الرفض “الإسرائيلي” القاطع لها منذ اللحظة الأولى لولادتها.
أما “حقيقة” أنتوني بلينكن، فقد أوردها رداً على سؤال صحفي حول عدم ترتّب أي نتائج على الإطلاق على “إسرائيل” بسبب مقتل أبو عاقلة قائلاً: “أنا آسف مع كل احترامي.. لم يتمّ التثبّت منها بعد”، ولأنّ الأمر عنده واضح للغاية كما قال، فإنّه يتطلّع “إلى تحقيق مستقل وموثوق به”. وعندما يحصل هذا التحقيق، فإنّ بلاده “سوف تتبع الحقائق حيثما تقودها”!. ونحن نعرف، ومنذ عقود طويلة، ما هي “حقائق” واشنطن وإلى أين تقودها.
قبل أسف بلينكن بنحو أسبوع كان هناك أسف آخر لرئيس مجلس الأمن الدولي لهذا الشهر، سفير ألبانيا فريد خوجة، لأنّه، وهو يستعرض، في مؤتمر صحافي في مقر الأمم المتحدة، اهتمام بلاده بقضايا معاناة الشعوب.. عدّد كل الضحايا وبلدانهم في قارات العالم كلها دون أن يذكر فلسطين وشعبها ومعاناته بالمطلق، وحين سأله مراسل عربي عن هذا التجاهل اعتذر طبعا، قائلاً: “معك حق، نعم الفلسطينيون يعانون. نعم.. هناك فلسطينيون بحاجة أن تُحترم حقوقهم”.
بيد أنّ الإعتذار بحد ذاته جاء ملتبساً وعلى نمط “الحقائق” التي يبحث عنها بلينكن، فالقول إنّ “هناك فلسطينيون بحاجة أن تُحترم حقوقهم”، يعني في العرف الدبلوماسي، كما يُفترض بالرجل أن يعرف، أنّ هناك فلسطينيين ليسوا بحاجة لاحترام حقوقهم، والأهم أنّ المسألة كلها، احترام حقوق “فلسطينيين” لا احترام وجود مادي ومعنوي لشعب كامل يتعرّض، ومنذ عقود، لإبادة جماعية من قبل استعمار إستيطاني إحلالي مدعوم من “المجتمع الدولي” المزعوم بأسره.
وبالطبع أمام أسف وحقائق، وزير خارجية الدولة الأكبر في العالم، واعتذار وحقوق رئيس مجلس الأمن الدولي لهذا الشهر، لا يجب علينا أن ننتظر الكثير من تقرير أممي جديد اتّهم “إسرائيل” بأنّها السبب الرئيسي للنزاع مع الفلسطينيين، فالتقرير الذي أعدّته لجنة تحقيق مكلَّفة من قِبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول أسباب موجة العنف المتكررة وحالة عدم الإستقرار، توصّل بدوره إلى “حقائق” اختصرها بسببين رئيسيين: أولهما، احتلال “إسرائيل” للأراضي الفلسطينية، وثانيهما، التمييز في “أوضاع مدنية وحقوق وحماية قانونية مختلفة” للأقليات العربية!، أي وبالمحصلة، وكما جرت العادة، هذا مجرد نزاع على الأراضي، ومعاملة “تمييزية” فقط لا غير، وهذا منطق “حقائق” مجرمة تقزّم القضية وتسخّفها.
وبالطبع، ليس لنا أن نلوم الآخرين على “حقائقهم” إذا كان لدى بعضنا “حقائق” مماثلة لها، فمن ينسى، مثلا، مشهد وزير خارجية عربي -وبعد أن هدّد بتكسير أرجل الفلسطينيين وعظامهم إن حاولوا اجتياز الحدود كسراً للحصار الإسرائيلي الغاشم عليهم دفاعاً عن “سيادة” بلاده كما قال- وهو يقف ضاحكاً بجانب وزيرة خارجية “إسرائيل” وهي تعلن “حقيقة” بدء عدوان جديد على فلسطين، الشقيقة كما يُفترض، من على درج وزارته السيادية العتيدة.
تلك هي “حقائقهم” وليس من سبيل لتغييرها إلا بـ”الحقيقة” التي يسطّرها الشعب الفلسطيني يومياً بلحمه الحيّ وعلى أرض فلسطين ذاتها.
*كاتب سوري
وسوم :
"إسرائيل", أحمد حسن, أنتوني بلينكن, الأقليات العربية, الأمم المتحدة, الإبادة الجماعية, حقوق الفلسطينيين, شيرين أبو عاقلة, صمود, فريد خوجة, فلسطين المحتلة, مبادرة السلام العربية, مجلس الأمن, موسوعة غينيس