(كلاكيت مكرّر) فشل رهان السلطة الفلسطينية على الإدارة الأمريكية
يونيو 10, 2022 7:12 ص*أحمد الطناني – غزة:
سادت أجواء من الإرتياح والتفاؤل في أوساط قيادة السلطة الفلسطينية فور صدور نتائج الإنتخابات الأمريكية في تشرين أول/أكتوبر 2020، إذ اعتبرت قيادة السلطة أنّ أطروحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بخصوص القضية الفلسطينية مريحة نسبياً إرتباطاً بالخط السياسي الذي تتبنّاه وفي مقدمته مغادرة نهج “صفقة القرن” الذي أصرّ عليه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
سارعت قيادة السلطة لتقديم الإشارات الإيجابية لإدارة بايدن، بدأتها بخطابات الترحيب الشديد وإعادة الإتصال الرسمي مع السفارة الأمريكية في “إسرائيل” ولم تنتهِ بإعادة التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي برّرته بأنّ الاحتلال أكد التزامه بـ”الإتفاقيات”، بينما في الواقع هي رسالة لإدارة بايدن حول استعداد السلطة لاستئناف مسار “التسوية” مع الاحتلال برعاية أمريكية، أو الرباعية الدولية التي اشترطت في قبول شروطها مدخلاً لإشراك الفصائل الفلسطينية بأي حكومة وحدة وطنية.
لم تستمر أجواء التفاؤل كثيرا، فمع مرور الوقت وتهميش الإدارة الأمريكية الجديدة للسلطة الفلسطينية، والملف الفلسطيني إجمالا، الذي لم تتحرك بشأنه هذه الإدارة إلا سعياً لإيقاف الإشتباك مع الاحتلال، الذي اندلع نتيجة تصاعد الإعتداءات الصهيونية على مدينة القدس، وتدخّل المقاومة في غزة، إذ سُجّل، في حينها، أول اتصال مباشر بين الرئيس الأمريكي ورئيس السلطة بعد أن كان قد مرّ أكثر من 7 شهور على تولّيه الرئاسة.
المماطلة في فتح السفارة
رغم التأكيد الأمريكي المتكرر على موقفه من فتح القنصلية الأمريكية المخصصة للفلسطينيين في القدس، بل والتصويت في الكونغرس على منح الموازنة اللازمة لتجهيز القنصلية، إلا أنّ الواقع لا يتماشى مع الوعودات، إذ أصبح من الواضح بما لا يدع مجالاً للشك أنّ الإدارة الأمريكية قد أجّلت هذا الملف إلى أجل غير مسمى، وهو ما أكده التقرير المنشور على موقع “تايمز أوف إسرائيل” العبري الذي أوضح، أنّ الإدارة الأمريكية قد قرّرت تجميد ملف إعادة فتح القنصلية وتوجّه الرئيس الأمريكي جو بايدن بتكليف نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية هادي عمرو بمنصب المبعوث الخاص للفلسطينيين، مع التوضيح أنّ عمرو سيبقى في واشنطن لكنّه سيقوم برحلات منتظمة إلى المنطقة وسيعمل عن كثب مع وحدة الشؤون الفلسطينية، والتي تُعدّ حاليا، فرعاً داخل السفارة الأمريكية في “إسرائيل”.
أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أنّ قرار فتح القنصلية لا زال توجهاً رئيسياً لدى الإدارة الامريكية، إلا أنّها لم تنفِ خطوة تفعيل قناة التواصل المباشر بين “وحدة الشؤون الفلسطينية” بالسفارة الأمريكية في “إسرائيل”، وهو ما يعزّز فرضية تجميد قرار فتح القنصلية.
قوائم الإرهاب الأمريكية
لم تتوقف إشارات الخذلان الأمريكية عند المماطلة بفتح القنصلية، ولا بتقنين قنوات الإتصال فقط، بل تضاعفت بعد القرار الأمريكي بشطب إسم حركة “كاهنا كاخ” اليهودية المتطرفة، وهي حركة إرهابية متورطة بشكل مباشر في مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل بالعام 1994، وقد أزالتها الإدارة الأمريكية من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وذلك في إطار مراجعات دورية تُجريها كل خمس سنوات.
إنّ المراجعة الأمريكية الدورية لقوائم الإرهاب لم تشفع للقيادة المتنفّذة في منظمة التحرير لإزالتها من القائمة، رغم أنّ هذه القيادة عدّلت ميثاق المنظمة وشطبت منه كل المواد التي رغبت إدارة “كلينتون” في حينها بتعديلها بناءً على طلب “إسرائيلي” ضمن إتفاقيات أوسلو، واليوم تتبنى قيادتها، التي يُعدّ أحد أهم رموزها الشخصية المسؤولة عبر سنوات، عن التواصل مع حكومات الاحتلال المتعاقبة وهو ذاته مسؤول ملف التفاوض، والمُرشّح الأبرز لخلافته هو رئيسها الحالي.
لا قنصلية في القدس، ولا مكتب لمنظمة التحرير في واشنطن
لم يتوقف التهميش الأمريكي عند عدم فتح القنصلية، وإبقاء المنظمة على قوائم الإرهاب، بل امتدّ لتهميش الطلب الفلسطيني بإعادة فتح المكتب التمثيلي لبعثة منظمة التحرير في واشنطن الذي أغلقته إدارة ترامب في أيلول/سبتمر 2018.
تنتهج الإدارة الأمريكية الحالية سياسة مع الفلسطينيين تتمثّل في التهميش المقترن مع الغموض حول إمكانية أخذ خطوات فعلية لنقل الوعود لحيّز التنفيذ، إذ أنّها سبق ووعدت في كانون الثاني/يناير 2021 بإعادة فتح مكتب بعثة منظمة التحرير، إلا أنّ هذا القرار لم يرَ النور حتى الآن.
الاحتلال أولوية الولايات المتحدة
رغم كل الوعود الأمريكية السابقة لقيادة السلطة، التي قدّمتها إدارة بايدن خلال دعايتها الأمريكية، أو عبر تصريحاتها العلنية وبشكل خاص الواردة على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن والمتحدثين بإسم وزارته، غير أنّ السلوك الأمريكي يعكس حقيقة رئيسية وهي ثابتة تاريخيا، أنّ لا مجال لأي توازن أمريكي في التعاطي مع الأولويات “الإسرائيلية” والفلسطينية.
لا يحبّذ الاحتلال، أولا، أن يفتح مواجهة جديدة مع حكومة الاحتلال، باتخاذ خطوات لا تلقى قبولاً “إسرائيليا” على غرار فتح القنصلية أو مكتب المنظمة، أو حتى إزالة إسم منظمة التحرير من المنظمات الإرهابية، أو استئناف الدعم الأمريكي الكامل للسلطة بدون تحقيق شرط إيقاف رواتب الأسرى والشهداء، فالإدارة الأمريكية تعطي “الفيتو” الإسرائيلي الأولوية الأولى.
الرغبة الأمريكية بعدم خوض مواجهة مع حكومة الاحتلال، مرتبطة برغبتها في ترطيب الأجواء وتبريدها مع قادة الاحتلال بسبب الامتعاض “الإسرائيلي” من المفاوضات النووية مع إيران في فيينا، في ما يرى الأمريكي في هذه المفاوضات خياراً استراتيجياً في التعامل مع الملف النووي الإيراني، لذلك تجد الإدارة الأمريكية في التنازل عن كثير من الوعود بخطوات إيجابية تجاه السلطة الفلسطينية أمراً هيناً لتقديمه لحكومة الاحتلال.
من جانب آخر، لا ترغب الإدارة الأمريكية في حشر حكومة الاحتلال الحالية في الزاوية، حيث أنّها حكومة مبنية على تحالف هشّ جدا، وتعي أنّ المعارضة التي يقودها رئيس الوزراء الصهيوني السابق بنيامين نتنياهو لن تتوانى في تحويل ملف “القنصلية الأمريكية” إلى عنوان للهجوم على الحكومة التي لا تتوافق أساساً على قبول هذه الخطوة.
تباهى رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت بقدرة حكومته على إيقاف التوجّه الأمريكي بفتح القنصلية، واعتبر تعطيل هذا المسار جزءاً من إنجازات الحكومة التي يقودها، وقدّمها للجمهور ضمن خطاب يهدف لتعزيز الإلتفاف الجماهيري الصهيوني حول الحكومة الضعيفة.
في الوقت الذي تمنح فيه الإدارة الأمريكية إنجازات مجانية للحفاظ على ماء وجه حكومة الاحتلال، وعدم الرغبة في إغضابها أو تفتيت تحالفها، لا تلتفت هذه الإدارة لأي اعتبار من شأنه تعزيز قيادة السلطة الفلسطينية التي وضعت كل بيضها في سلطة الرهان على إدارة بايدن، وإعادة إحياء خيارها الاستراتيجي المتمثّل في “التسوية” مع الاحتلال.
تسود أجواء الإحباط على القيادة المهيمنة على القرار الرسمي الفلسطيني وتتضح بالسلوك العلني وبالإشارات التي تخرج عن ما يجري خلف الكواليس، ولربما هي إشارات وصلت أيضاً للإدارة الأمريكية التي أعلنت عن تأجيل زيارة الرئيس الأمريكي بايدن إلى المنطقة إلى شهر تموز/يوليو القادم، ربما لرغبتها في تهيئة أجواء أفضل لهذه الزيارة التي لا أفقاً سياسياً حقيقياً لها سوى بيع المزيد من الوهم لسلطة متهالكة، وتقديم المزيد من الدعم لحكومة صهيونية ضعيفة داخليا، متوحشة عدوانيا، تسعى لتحويل الإعتداءات المتصاعدة ضد الشعب الفلسطيني إلى مادة إنتخابية تعزّز حضورها.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
أحمد الطناني, إتفاقيات أوسلو, الإدارة الأمريكية, الاحتلال الإسرائيلي, التسوية, السفارة الأمريكية, السلطة الفلسطينية, الفصائل الفلسطينية, القنصلية الأمريكية, المفاوضات النووية, تايمز أوف إسرائيل, جو بايدن, صفقة القرن, صمود, فلسطينة المحتلة, قوائم الإرهاب, نفتالي بينيت