منفّذو العمليات الفدائية.. من يحميهم؟!

التصنيفات : |
يونيو 13, 2022 7:05 ص

*سنان حسن

تركت عملية إلعاد الفدائية، وبقاء منفّذيها أكثر من أربعة أيام دون طعام وماء في العراء، وقبلها أبطال نفق الحرية الستة وهروبهم من سجن جلبوع، الكثير من إشارات الإستفهام حول واقع البيئة الفلسطينية “الحاضنة”، في حماية أبنائها الذين ينفّذون العمليات البطولية ضد المحتل الإسرائيلي ومستوطنيه، ولعل أهم تلك الأسئلة: لماذا لم يكن هناك من يحمي أو يأوي هؤلاء الأبطال عن أعين الأجهزة الإسرائيلية التي تبحث عنهم؟، هل هناك دوافع قاهرة تمنعهم من مؤازرة إخوتهم وأبناء عمومتهم؟، ماذا عن الفصائل والمنظمات التي تعمل على الأرض أين دورها في كل ذلك، هل يكفي فقط التهليل للعملية بالبيانات دون أن تقوم بتأمين هؤلاء الأبطال على الأرض، وما مصير العمل السري؟.

قبل “أوسلو” وبالتحديد في الإنتفاضة الأولى وحتى خلال الإنتفاضة الثانية، كان العمل الفدائي يُحاط بسرية تامة ومؤازرة كبيرة شعبية تحمي أبطاله وتؤمّن تنقلّهم وهروبهم من أعين القوات الاحتلال، البيوت السرية دليل على ذلك، ومؤازرة فصائلية أيضاً تعمل على الأرض وتنسّق وتخطّط لهروب وإخفاء هذه المجموعة أو ذاك البطل من أرض المواجهة، الأمر الذي حرم العدو الإسرائيلي ومخابراته من فرصة البطش بالفدائيين على الرغم من كل القوى الضاربة التي يمتلكها، ولنا في الأسير والمناضل أحمد قطامش، القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، المثل، إذ بقي قرابة 17 عاماً متخفياً عن الاحتلال الإسرائيلي قبل أن يعتقله، إذاً الواقع كان مختلفاً فما الذي تغيّر بعد توقيع إتفاق أوسلو؟.

لقد شكّل اتفاق أوسلو والملاحق الأمنية التي تمّ التوقيع عليها بين سلطة الحكم الذاتي وكيان الاحتلال لحظة فارقة في العمل الفدائي الفلسطيني، حيث أدّى إلى تقليص العمليات الفدائية بشكل كبير جداً لعدة أسباب:

أولها، خروج فصيل كبير مثل حركة فتح من ساحة المواجهة مع العدو، كون معظم كوادر السلطة إن لم نقل أغلبها من الحركة ويكفي أن نعلم أن كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح كانت الظهير الأقوى في الإنتفاضة الثانية.

ثانيها، وهو الأخطر، التنسيق الأمني الذي حوّل أجهزة السلطة إلى مراقبين وجواسيس، حيث انتقل عدد كبير ممن كان منخرطاّ في العمل الفدائي وينتمي إلى فتح للعمل في الأجهزة الأمنية التي تنسّق بشكل مباشر مع العدو ومخابراته.

وثالثها، الإنقسام الفلسطيني الذي ترك جرحاً غائراً في الواقع الفلسطيني وباتت تصفية الحسابات بين الفصائل أهم من مواجهة الاحتلال، والأمر الرابع هو البطش الكبير الذي يمارسه الاحتلال على أهل منفّذ العملية من هدم للبيوت واعتقال العشرات من أسرته بحجة التنسيق معهم، هذا دون أن ننسى التقنيات العالية التي يمتلكها الاحتلال في الملاحقة والمتابعة وتقفّي الأثر وقد برز هذا خلال ملاحقة أبطال نفق الحرية، ولكن هل كل ذلك يمنع مؤازرة الفدائيين؟.

إنّ رصد الاحتلال لاتصال واحد أثناء ملاحقة البطلين أيهم كممجي ومناضل انفيعات أبطال عملية نفق الحرية، كان كافياً لإعادة اعتقالهما.

لا شك أنّ أمن الفدائي الفلسطيني هو مسؤولية يتحملها الجميع بداية من الفدائي نفسه الذي تقع على عاتقه أولاً كيفية حماية نفسه من الوقوع في فخ التكنولوجيا الحديثة التي يمتلكها الاحتلال في التعقّب والمراقبة، في عدم استخدام الهواتف النقالة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، فرصد الاحتلال لاتصال واحد أثناء ملاحقة البطلين أيهم كممجي ومناضل انفيعات أبطال عملية نفق الحرية، كان كافياً لإعادة اعتقالهما.

والمسؤولية الثانية تقع على عاتق التنظيمات الفلسطينية التي تراجع دورها بشكل كبير خلال الفترة الماضية ولا سيما في الضفة الغربية وباتت كوسائل الإعلام تهلّل للعملية الفدائية بالبيانات والتصريحات الصحفية دون أن يكون لها أي دور على الأرض، وهذا يفرض عليها أن تعمل بشكل أكبر وبطرق تكفل حماية الفدائيين المنفّذين للعمليات وضمان إخلائهم من أرض العملية، وما حدث في عملية إلعاد الفدائية يؤكد بالدليل القاطع أنّ الفصائل كانت “متفرّجة” على ما جرى، فاعترافات البطلين اللذين نفّذا العملية بأنّه لم يكن لديهما خطة للإنسحاب من مسرح العملية، حيث بقيا أكثر من أربعة أيام دون ماء وطعام حتى وصلت إليهم قوات الاحتلال، تُدلل على ذلك.

إنّ ما حدث في عملية إلعاد الفدائية يؤكد بالدليل القاطع أنّ الفصائل كانت “متفرّجة” على ما جرى

والمسؤولية الثالثة يتحمّلها المجتمع الفلسطيني في الداخل، في حماية الفدائيين والتستر عليهم ومنع العدو من الوصول إليهم، فهؤلاء هم أبناء فلسطين الذين يدافعون عنها ولا يجب مهما كان الخطر كبيراً من المحتل وأجهزته، أن يمنع أبناء القرى والبلدات الفلسطينية الواقعة داخل الخط الأخضر أو حتى خارجه من مؤازرتهم، فالتخلي عنهم في تلك الظروف يعني التخلي عن فلسطين كلها وليس عن حماية الفدائيين فقط.

إنّ الرضوخ والتسليم بأنّ الإتفاقات والمفاوضات هي السبيل لعودة حقوق الفلسطينيين هو مجرد ملهاة وتراجيديا سوداء يتمّ من خلالها تمرير الصفقة تلو الأخرى على حساب فلسطين وشعبها، وعليه يجب على جميع القوى الفلسطينية التوحّد ونبذ الإنقسام والمصالح الضيقة والإتفاق على برنامج وطني شامل يضع العمل الكفاحي في مقدمة أولوياته، فالشباب الفلسطيني المتوثّب جاهز على الدوام للدفاع عن أرضه وشعبه وقضيته، وعلى القوى والفصائل أن تتلاقى معه وتسانده وتحميه وإلا فإنّ العمليات التي يقوم بها ستبقى مجرد ومضات تُشير إلى أنّ فلسطين ما زالت موجودة وحية في وجدانهم وعقولهم.. ولكن ماذا عن القوى والفصائل، هل ستبقى تتفرج؟.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,