لماذا يخشى الاحتلال الإسرائيلي جِنين؟

التصنيفات : |
يونيو 16, 2022 8:00 ص

*منى العمري – صمود:

ما زالت تهديدات الاحتلال الإسرائيلي تحاصر مدينة جِنين وتتصاعد يوماً بعد يوم، حيث يظهر هذا التهديد المغلغل بالخوف، في كل مرة يرتكب فيها الكيان جريمة في هذا المخيّم المقاوم، ومؤخراً حين ضجّ خبر اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة، أعاد لأذهان الكثيرين، سلسلة الإغتيالات العلنية والواضحة كعين الشمس، عند مداخل ومخارج جِنين -وعلى وجه الخصوص- لكل من ينقل صورة هذه المدينة المعروفة بمقاومة أهلها للكيان الصهيوني لأكثر من عشرين سنة.  

تاريخ جنين المقاوِم

خبُر أهل جِنين المقاومة عام 1935 بقيادة عزّ الدين القسّام، ولم يكونوا حديثي العهد بها عندما ذهبوا في عام 1799 حد إحراق حقول الزيتون لمنع المستعمر الفرنسي من التقدّم نحو المدينة.

حيث تحوّلت جِنين -مع القسّام- إلى مركز للتمرّد الفلسطيني بعد أن قاد مقاومتها لنفض الاحتلال البريطاني الذي وضع يده عليها في أيلول/سبتمبر 1918.(١)  

وفي عام 1948 بعد إعلان “إسرائيل” تأسيس كيانها الغاصب على جثث آلاف الفلسطينيين، وتهجير الآخرين من منازلهم، إحتلّ حينها جيش الكيان جِنين -التي تقع عند سفح تلال نابلس الوعرة أو جبال النا-  وأُجبر سكّانها على الفرار تحت قصف المدفعية الثقيلة لمدينتهم.

وفي كانون الأول/ديسمبر 1987 عندما اندلعت الإحتجاجات والمظاهرات ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة، قاوم سكّان جِنين الاحتلال وفشل الجيش الإسرائيلي مع سياراته المصفّحة في اقتحام المخيّم لمدة 60 يوماً بسبب المقاومة الشرسة.

وأثناء الإنتفاضة الثانية، اجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي جِنين كجزء مما أسماه “عملية الدرع الواقي”، في نيسان/أبريل 2002 ، وحاصر الجيش المخيّم وقطع عنه المياه والطعام والكهرباء ومنع دخول المواد الطبية قبل تفجيره بطائرات “أف – 16” وقذائف المدفعية، حيث خلّفت هذه العملية أكثر من 500 شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ و58 فلسطينياً وفق تقرير الأمم المتحدة.(٢)

إسم “جِنين” يتردد في كل عملية!

يقتحم الاحتلال الإسرائيلي باستمرار مخيّم المدينة المطلّة على غور الأردن، بدعوى إلقاء القبض على “مشتبه بهم في قضايا إرهاب”، كانت إحداها في آب/أغسطس الماضي والذي تسبّب في استشهاد 4 شبان فلسطينيين خلال هجوم عنيف.

وفي نيسان/أبريل الماضي، إقتحم الاحتلال أطراف مخيّم جِنين وطالب أفراد عائلة الشهيد رعد فتحي حازم (28 عاما) الذي نفّذ عملية “تل أبيب” بتسليم أنفسهم، ما أدّى لاندلاع إشتباكات إستُخدم فيها إطلاق نار وقنابل بكثافة أسفرت عن استشهاد الشاب أحمد السعدي وإصابة 15 آخرين برصاص الاحتلال.

أطلق الاحتلال على جِنين إسم “عش الدبابير” بعد أن أصبحت هاجساً لهم بفضل قربها من مدن الداخل ومشاركة عدد كبير من أبنائها في العمل المسلّح ضد الاحتلال الصهيوني

كما يتردّد إسم “جِنين” مع كل عملية إستشهادية تجري في الداخل المحتل، وفي الأشهر القليلة الماضية عاشت سلطة الاحتلال حالة استنفار أمني إرتفعت وتيرته مع إزدياد عدد العمليات العسكرية التي شنّها فلسطينيون من “معقل المقاومة” داخل المدن المحتلّة مخلّفين عدداً من القتلى.

وفي هذا الصدد، أطلق الاحتلال على جِنين إسم “عش الدبابير” بعد أن أصبحت هاجساً لهم بفضل قربها من مدن الداخل ومشاركة عدد كبير من أبنائها في العمل المسلّح ضد الاحتلال الصهيوني، والتي زادت وتيرته بعد الإنتفاضة الثانية.(١)

الاحتلال يبحث عن الإنتقام بأيّ شكل

يقول نائب المحافظ في جِنين كمال أبو الرب، بأنّ “إجراءات الاحتلال التعسّفية تقضي على أيّ أفق للسلام، والعنف والضغط من شأنه أن يولّد عنفاً ومزيداً من العمليات”.

وجاء ذلك بسبب إجراءات الاحتلال وقراراته الإنتقامية من جِنين وأهلها بمنع دخول فلسطينيي الداخل إلى المدينة.

ويقول أحمد موسى، وهو مالك متجر لبيع الملابس في مدينة جِنين: “إنّ الاحتلال الإسرائيلي يُصدر أزمته الداخلية بحصار جِنين”.

ويضيف: “سلطات الاحتلال الإسرائيلية بعد العمليات الأخيرة، تبحث عن الإنتقام بأيّ شكل لرفع معنويات الجبهة الداخلية، والضحية نحن في جِنين”.(٣)

“أيقونة المقاومة”

على أرض الواقع، مثّل اجتياح مخيّم جِنين إنتصاراً للمقاومة الفلسطينية بالرغم من قدراتها المحدودة. فهذه المعركة التي خلقت تضامناً شعبياً ودوليا، حوّلت المخيّم إلى أيقونة مقاومة. ولم يمضِ الكثير من الوقت حتى عادت العمليات العسكرية للخروج من رحم جِنين، كما أشار جمال حويل إبن المخيّم وأحد مقاتلي المعركة، والذي وثّق تفاصيلها في كتاب صدر تزامناً مع الذكرى الـ20 لها بعنوان “معركة مخيّم جِنين الكبرى 2002: التاريخ الحي”، قال فيه: “إنّ “إسرائيل” حاولت من خلال اجتياح المخيّم خلق حالة ردع، ولكن فلسطينياً تحوّل المخيّم إلى “أيقونة””.

“ما يميّز المخيّم منذ احتلال الضفة الغربية وحتى الآن، أنّ الهوية الجمعية لأبنائه هي اللجوء وليس التنظيم والفصائل، وهي النقطة التي يتوحّد حولها الجميع من مختلف الفصائل”

ويرى حويل أنّ “ما يميّز المخيّم منذ احتلال الضفة الغربية وحتى الآن، في مقاومته للاحتلال وجعله علامة فارقة في المقاومة في جميع مراحل النضال الفلسطيني، أنّ الهوية الجمعية لأبنائه هي اللجوء وليس التنظيم والفصائل، وهي النقطة التي يتوحّد حولها الجميع من مختلف الفصائل”.

ويعتقد حويل أيضا، أنّ “معركة المخيّم كسرت حاجز الخوف لأبنائه أمام جيش الاحتلال، ففكرة “الجيش الذي لا يُقهر” التي حاول الكيان زرعها بالقوة والقتل غير موجودة في عقول هذا الجيل الذي ينتمي أبناؤه لعوائل قدّمت الشهداء، وكبروا وتربوا على سيَرهم وبطولاتهم في ذلك الحين”.

في حين، يتّفق المحلل السياسي ساري عرابي مع حويل بأنّ “أحد عوامل قوة المخيّم هي حالة الوحدة والإنتماء إليه، وهويته والعلاقات المفتوحة للتنظيمات مع بعضهم البعض”.

من جهته، يرى المحلّل المتابع للشأن الإسرائيلي عصمت منصور بأنّ “الوحدة بين فصائل المقاومة التي تحدّث عنها حويل وعرابي هي أحد أسباب التخوّف الكبير لـ”إسرائيل” من المخيّم ومقاومته”، كما أنّ مخيّم جِنين -بحسب منصور- يعني بالنسبة لـ”إسرائيل” حالة إخفاق في ظل إنتشار مظاهر التسلّح الكبير داخله، وتمركز حركتي الجهاد الإسلامي وحماس فيه، وتحوّله لحاضنة لكل المقاتلين من جميع أنحاء الضفة المحتلة، بالإضافة إلى إخفاق السلطة الفلسطينية في السيطرة عليه.

من جهة أخرى، إنّ الحديث عن مخيّم جِنين والتحريض ضده لا يتوقف في الإعلام العبري، فقد تحوّل إلى أيقونة للمقاومة، وخلق حالة استثنائية إستوجب على المستوى الأمني – الإسرائيلي التعامل معها بشكلٍ مختلف، وهو أيضاً ما تبرّر به حكومة الكيان حالة العنف التي تتعامل به مع محاولاتها اقتحام المخيّم، إلى جانب الدعوات لـ”سور واقي 2″ والقصد منها اجتياح مخيّم جِنين فقط.(٤)

تبريرات الاحتلال: المسلّحون يشكلون خطراً مباشراً على الجنود!

يقول الصحافي البريطاني الذي يُقيم في فلسطين المحتلّة جوناثان كوك: “تستخدم “إسرائيل” حجّة “القتل عن طريق الخطأ” عندما تعجز عن تبريرها الرجعي المعتاد لقتل الفلسطينيين بتهمة أنّهم كانوا مسلّحين و”يشكّلون خطراً مباشراً على الجنود””.

“إنّ إغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة على يد جندي صهيوني في مدينة جِنين الفلسطينية، واكتفاء العواصم الغربية بالإعراب عن قلقها ببيانات فاترة، أعاد الذكريات إلى 20 سنة من التغطية الصحفية في المنطقة”

وبحسب كوك، فإنّ إغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة على يد جندي صهيوني في مدينة جِنين الفلسطينية، إلى جانب جهود “إسرائيل” المتسارعة لعرقلة الوصول إلى المسؤول عن قتلها واكتفاء العواصم الغربية بالإعراب عن قلقها ببيانات فاترة، أعاد الذكريات إلى 20 سنة من التغطية الصحفية في المنطقة.

وأكّد كوك بأنّه “لم يكن من المُستغرب سماع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت يلقي باللوم على الفلسطينيين على الفور لموتها، حيث قال إنّ هناك فرصة كبيرة في أن يكون المسلّحون الفلسطينيون، الذين أطلقوا النار بعنف، هم من تسبّبوا في هذه الفاجعة”.

وأردف قائلا: “الحقيقة هي أنّ الاحتلال المستمر منذ عقود لا يمكن أن يستمر إلا من خلال ممارسته للأعمال الإرهاب الوحشية -العشوائية أحيانا، والمخطَّط لها بعناية أحياناً أخرى- لإبقاء السكّان خاضعين للخوف والقهر”، وأضاف: “عندما يتمّ رعاية الاحتلال من قِبل القوى العظمى العالمية، فهناك حصانة مطلقة لأولئك الذين يشرفون على سطوة الإرهاب، حيث تُعدّ أبو عاقلة أحد الضحايا، لكن عمليات الإعدام ستستمر ما دامت “إسرائيل” وجنودها في مأمن من المحاسبة”.(٥)  

المصادر المتعلّقة:

1- https://mubasher.aljazeera.net/news/reports/2022/5/17/%

2- https://www.noonpost.com/content/41994

3- https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AA

4- https://www.aljazeera.net/news/politics/2022/4/3/20

5- https://www.noonpost.com/content/44109


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,