إنتهاء حكومة المتناقضات الصهيونية والعودة لدوامة التعطيل: حلّ الكنيست الصهيوني، ضربة إستباقية من قطبيْ الائتلاف الحكومي
يونيو 22, 2022 7:55 ص*أحمد الطناني – غزة:
فاجأ رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت ورئيس الوزراء بالإنابة يائير لابيد، الساحة السياسية في الكيان الصهيوني بإعلانهم عن الذهاب لخيار “حلّ الكنيست” وتنظيم إنتخابات مبكّرة، حيث اتضح أنّ هذا القرار لم يكن نتاج حتى توافق داخل الائتلاف الحكومي ولم يعلم باقي أقطابه بمحتوى المؤتمر الصحفي قبل تنظيمه.
الذهاب لخيار حلّ الكنيست من قطبي الائتلاف الحاكم كان خياراً إستباقياً بعد أن بات واضحاً أنّ الائتلاف يتلقّى ضربات متتالية من داخل صفوفه قبل خصومه، وأضحى كل شركائه يعون تماماً أنّ أيامه معدودة، خصوصاً بعد إعلان المعارضة بقيادة رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو عن نيّتهم طرح قانون حجب الثقة للتصويت في الكنيست بالجلسة المقبلة.
في واقع الأمر، الائتلاف الحكومي منذ تشكيله هو هشّ ويجمع بداخله المتناقضات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مروراً بالقائمة العربية الموحّدة، بتركيبة عجيبة سمحت بأن يكون نفتالي بينيت رئيساً للوزراء بالرغم من أنّ عدد مقاعد حزبه لا يتجاوز الـ6 مقاعد، ولولا هذه التركيبة المتناقضة التي تجمّعت بهدف منع نتنياهو من العودة لسدّة الحكم، لما استطاع “بينيت” أو حزبه أن يقودوا حكومة حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلا.
قطع الطريق أمام المعارضة الشرسة
كان قادة الائتلاف يعون أنّ زعيم المعارضة “نتنياهو” لن يتوانى عن توجيه الضربات إلى الحكومة الهشّة والمتناقضة، عبر كل الوسائل ابتداءً من دفع أعضاء في الائتلاف إلى الانقلاب عليه والتي كانت أولهم الوزيرة السابقة عيديت سليمان رئيسة الائتلاف الحكومي والعضو في حزب “يمينا” (حزب رئيس الوزراء “بينيت”)، وليس انتهاءً بعضو الكنيست “أورباخ” من ذات الحزب والذي كان يفاوض المعارضة حتى اللحظات الأخيرة على مقعد مضمون ضمن قائمة الليكود في الإنتخابات القادمة حتى يصوّت لحجب الثقة عن الحكومة الحالية، وصولاً لعملية الإذلال العلني التي مارستها المعارضة للائتلاف الحكومي عبر تعطيل تمديد “قانون الطوارئ في مستوطنات الضفة الغربية” الذي لم يكن يوماً عنواناً للخلاف، ولتعطيله تبِعات قانونية (مدمرة) على أي حكومة، فكيف إذا كان من يقود هذه الحكومة رئيس مجلس المستوطنات الأسبق!.
يستهدف قرار حلّ الكنيست قطع الطريق أمام محاولات “نتنياهو” تجنّب خيار الإنتخابات والوصول إلى بناء ائتلاف حكومي يميني ضمن الكنيست الحالي، بحيث يعيده هذا الائتلاف لمقعد رئاسة الوزراء، دون الحاجة إلى خوض عملية إنتخابية معروف سلفاً أنّ نتائجها لن تحمل تغيرات جوهرية في أوزان الأحزاب (وهو ما أكدته أولى نتائج الإستطلاع بعد قرار حلّ الكنيست)، ولن ينتج عنها سوى استنزاف الكيان إقتصادياً وتعطيل مؤسساتها وقرارتها الكبرى في ضوء حكومة تسيير الأعمال التي لا تستطيع أن تخطوَ أي خطوة فعلية.
معادلة الرابحين والخاسرين
بطبيعة الحال، فإنّ رئيس الوزراء البديل يائير لابيد كان الرابح الأكبر من قرار حلّ الحكومة، إذ أصبح وفقها رئيساً للوزراء رسمياً بناءً على إتفاق التناوب على مقعد رئاسة الوزراء، وهذا كان هدفاً رئيسياً له، أولا، لثبيت اسمه في الساحة السياسية الصهيونية، وتثبيت تولّيه لمقعد رئاسة الوزراء حتى لو في حكومة إنتقالية، حيث سيكون هو رئيس الوزراء الذي سيستقبل الرئيس الأمريكي جو بايدن في أول زيارة له للكيان منذ تولّيه الرئاسة، وهذا سيُسجَّل في رصيده ويجعله العنوان الأكثر حضوراً في (يسار الوسط) في ضوء تراجع الأحزاب التقليدية المحسوبة على معسكر اليسار ويسار الوسط، واندثار بعضها أيضا.
أما أكبر الخاسرين فهو رئيس الوزراء الحالي وزعيم حزب “يمينا” الصهيوني نفتالي بينيت الذي لا تؤشر استطلاعات الرأي تحقيقه أي تقدّم يُذكر وفي استطلاعات أخرى يُسجّل تراجعاً في عدد مقاعد حزبه الذي قد لا يستطيع الحفاظ على وحدته أصلاً نظراً للإنشقاقات التي حصلت خلال فترة الحكم، والتفاعل الذي يجريه القطب الثاني الأبرز في كتلته إيليت شاكيد مع مكونات اليمين الأخرى وفي المقدمة منهم حزب رئيس الوزراء السابق “الليكود”.
الخاسر الثاني الأكبر هو زعيم القائمة العربية الموحّدة منصور عباس الذي اتّخذ قراراً جريئاً بالمشاركة بائتلاف حكومي مع اليمين الصهيوني وزعماء الإستطيان، وبالرغم من أنّه قدّم كل التنازلات المتوقعة وغير المتوقعة بما فيها صمته هو وقائمته عن اقتحامات الأقصى والإيغال بالدماء الفلسطينية وقمع أهالي النقب وفلسطنيي الداخل، فلم يستطع أن يحقّق أي إنجاز ملموس يقدّمه لقاعدته الإنتخابية، وقدّم بذات الوقت نموذجاً “غير مشجِّع” لأي ائتلاف حكومي قادم للتفكير بالتحالف معه في ضوء عدم قدرته على ضبط تصويت أعضاء قائمته على مشاريع الائتلاف الحكومي، وبشكل خاص مشروع تمديد “قانون الطوارئ” الذي كان جزءاً من أسباب فشل تمديده مواقف أعضاء قائمته في الكنيست.
يحلّ ثالثاً في الخسارة، عضو الكنيست الذي كان ينوي الإنشقاق والإنقلاب على الائتلاف الحكومي نير أورباخ الذي بقي يفاوض المعارضة حتى اللحظات الأخيرة ليحقّقَ أقصى مكاسب ممكنة، في ما باغته قرار قطبيْ الائتلاف الحكومي بحلّ الكنيست قبل تمكّنه من جباية الثمن بالإنحياز للمعارضة في وجه الائتلاف، فهو لن يحصل على موقعه الحالي ضمن حزبه “يمينا” الذي كان ينوي الإنقلاب عليه، ولن يحصل على المقعد المضمون الذي سعى له مع الليكود.
يبقى وزير الجيش الصهيوني الحالي وزعيم حزب “أبيض أزرق” بيني غانتس يراوح مكانه، فهو ما زال يحجز موقعه في أهم رموز الساحة السياسية الصهيونية الحالية، إلا أنّ قرار حلّ الكنيست قد عطّل مساعيه لتنسيب رئيس جديد لأركان جيش الاحتلال (كان يطمح بتعيين رئيس أركان مُقرّباً منه) قبل انهيار الحكومة لمنع إدخال مؤسسة جيش الاحتلال في مرحلة تعطيل إرتباطاً بتعطل المشهد السياسي برمّته في الكيان، حيث أنّه قد بدأ فعلياً وبشكل مبكر المشاورات لتكليف رئيس جديد للأركان (قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الأركان الحالي بـ6 شهور) غير أنّ محاولاته المبكرة اتضح أنّها متأخرة فعلياً فالحكومة انتهت والكيان ذاهب إلى الإنتخابات.
هجمة مرتدّة لحفظ بعض من “ماء الوجه”
في واقع الأمر، استبق “بينيت” الإذلال الكبير الذي أعدّه له “نتنياهو” عبر استمرار تعطيل التمديد لـ”قانون الطوارئ” والذي سيُدخل الكيان في العديد من المطبّات والتشوهات القانونية بشكل خاص مع مستوطني الضفة، فالآن وإن نجح مشروع “حلّ الكنيست” سيصبح القانون سارياً إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي السياق نفسه، حرم القرار “نتنياهو” من أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة أو للدقة صاحب الطلقة الأخيرة على نعش الحكومة الحالية، أذ آثر قطبيها على تنفيذ هجمتهم المرتدة قبل أن تُجهز عليهم المعارضة، وهي خطوة ذكية فيها بعض الحفظ لماء وجه الائتلاف المتناقض والهش.
بطبيعة الحال لن يكفَّ “نتنياهو” عن السعي حتى اللحظات الأخيرة لمحاولة تفادي سيناريو الذهاب لانتخابات مُبكرة وتشكيل ائتلاف حكومي جديد، إلا أنّ هذا الخيار يبدو بعيداً جداً عن احتمال التحقّق، ولكن الساحة السياسية الصهيونية دائماً مليئة بمفاجآت اللحظات الأخيرة.
التعطيل والإستنزاف سيّدا الموقف
إجمالاً سيبقى الكيان في دوامة الإستنزاف الإقتصادي والتعطيل السياسي في مؤسساته بذهابه إلى الإنتخابات الخامسة خلال أربع سنوات، وهو رقم قياسي يحقّقه الكيان في عدد الإنتخابات المبكّرة التي نظّمها خلال هذه المدة الزمنية المحددة، وهذا الواقع سيلقي بظلاله على الحد من قدرة الكيان على الذهاب لمشاريع كبرى سواءً داخلياً أو في الإقليم، وستبقى مؤسساته وفي مقدّمتها مؤسسة الجيش التي عانت سابقاً من غياب الموازنة، وستعاني حالياً من تعطّل الإنتقال الطبيعي في رئاسة الأركان وعدم القدرة على إنجاز مخططات التطوير والإستعداد في ضوء واقع معقّد يحيط بالكيان.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
أحمد الطناني, الائتلاف الحكومي, الاحتلال الإسرائيلي, القائمة الموحّدة, النقب, بنيامين نتنياهو, بيني غانتس, جو بايدن, حزب أبيض أزرق, حزب يمينا, صمود, فلسطين المحتلة, قانون الطوارئ, منصور عباس, نفتالي بينيت, يائير لابيد