16 عاماً على حصار غزة والمقاومة تتمدّد.. ماذا بقي من أهداف الحصار؟

التصنيفات : |
يونيو 24, 2022 7:20 ص

*رامي سلّوم

“16 عاماً وما بكم خجل.. الموت فينا وفيكم الجزع”

لا نغالي إذا استعرنا هذه الأبيات الشعرية التي تصرفنا بها كونها قيلت في مقام آخر غير أنّها تنطبق على مختلف جوانب القضية الفلسطينية، ومنها قطاع غزة الذي ينتصر يومياً بعد مرور 16 عاماً على بداية الحصار الإسرائيلي (الرسمي) على القطاع، إن صحّ التعبير.

ففي السادس من حزيران/يونيو عام 2006 فرضت “إسرائيل” حصاراً على قطاع غزة بعد فوز حركة حماس بالإنتخابات التشريعية الفلسطينية، ثم عزّزته في 14 حزيران/يونيو 2007، بحصار كامل بعد الإنقسام الفلسطيني الذي حصل بين فتح وحماس والذي انتهى بسيطرة الأخيرة كلياً على القطاع، والهدف المعلن كان حينها هو وضع الشارع الفلسطيني أمام المواجهة، إما التخلي عن حماس وسلاح المقاومة وفك الحصار أو البقاء في هذا السجن الكبير، الأمر الذي ظهر فشله كلياً بعد تمدّد المقاومة وترسيخ بعدها الإستراتيجي وتوسّعه.

نجحت المقاومة الفلسطينية في غزة بتعزيز موقفها خلال سنوات الحصار الطويلة، خلافا للغايات الإسرائيلية، التي تعمدت فرض الخناق الكامل على القطاع بمؤازرة من السلطة الفلسطينية، لإجباره على خيارات “لا وطنية” ودفْع المقاومين للإستسلام تحت القصف والتجويع لنحو 2 مليون فلسطيني يعيشون في القطاع، حُرموا من حقوقهم الأساسية، وقُطعت عنهم سبل العيش والتعليم والإستطباب أمام أعين العالم الناقص ضميراً وإنسانية، لتفشلَ “إسرائيل” كعادتها وتتشكّل جبهة مقاومة متكاملة في القطاع عبر تلك السنوات العجاف.

مقاومة الاحتلال والسلطة

تمتلك مفردات الصمود الأساسية من الأدوات العسكرية والعمق السياسي والتنسيق الواضح مع بقية الفصائل، إضافة للبنى التحتية الدفاعية واللوجستية وأهمها الأنفاق التي برع بها المقاومون هناك.. على مثال “مترو حماس” الذي ربما بلغ ما يزيد على 500 كلم، وأظهر كفاءة عالية في التعامل مع أدوات العدو المتطورة والنوعية، ضمن معارك عمادها الكفاءة البشرية والتجهيز الواضح للمقاومين من حيث براعة استخدام أدواتهم في القصف والتخفي، الأمر الذي بدا واضحاً في ملحمة الشيخ جرّاح الأخيرة التي تُعتبر رابع حرب إسرائيلية على القطاع، في ما عدا وصول المقاومين إلى قلب حصون العدو وخطف جنوده وزيادة ذعرهم وتخبّطهم.

الذعر الإسرائيلي من المقاومة اليوم، من خلال تحقيق توازن ردع حقيقي أرعب أدوات الإجرام الصهيونية وسط صرخات الموت التي اعتدنا عليها في ظل الصمت الدولي المخزي، و16 عاما ًعلى افتتاح العصابة الإسرائيلية أكبر سجن مفتوح في العالم

ما وصلت إليه المقاومة في غزة، إضافة جديدة لفشل العدو الصهيوني الذي لا يبرع سوى في عمليات القتل الإجرامية التي تتمّ تغطيتها دولياً كون آلة القتل الصغيرة تلك تُعتبر القزم المدلل للولايات المتحدة، من خلال استخدام حقّ “الفيتو” لمئات المرات من قِبل الأمريكيين في مجلس الأمن لصالح “إسرائيل” ومنعاً لإدانتها من قِبل المجموعة الدولية التي باتت مغيَّبة في السنوات الأخيرة ولم تعد تحاول حتى تصدير مشاريع القرارات.

فالذعر الإسرائيلي من المقاومة اليوم وحساب ردات فعلها يسجّل انتصاراً حقيقياً لا مجازياً أو معنويا، بل هو انتصار عسكري ميداني واقعي وحقيقي في العلوم العسكرية، من خلال تحقيق توازن ردع حقيقي أرعب أدوات الإجرام الصهيونية وسط صرخات الموت التي اعتدنا عليها في ظل الصمت الدولي المخزي، و16 عاما ًعلى افتتاح العصابة الإسرائيلية أكبر سجن مفتوح في العالم، وأربعة حروب على الإنسانية أمام أعين دعاة حقوق الإنسان ومصطلحاتها الجوفاء.. كانت آخرها ملحمة الشيخ جرّاح التي أطلقت صافرات الخطر الإسرائيلية وأشعلت قبّتها الحديدية من دون جدوى أو قدرة على إنكار الواقع الإستراتيجي الجديد، فضلاً عن استعادة الروح الشعبية التي بدت فخورة وتواقة للعمل النضالي، بعد قمعها من قِبل السلطة الفلسطينية نفسها في المناطق الأخرى، وشعورها بالطمأنينة بوحدة الفصائل الفلسطينية وابتعادها عن المنازعات السياسية لتشكّلَ جبهة واحدة لردع التطرف الإسرائيلي وبتر يده الشريرة ومحاسبته على أي فعل على كامل الأراضي الفلسطينية.

وجود سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، والتي بدلاً من أن تعمل على إكمال بناء “الدولة” كما هو منصوص عليه بالإتفاق الأسود، كانت اليد المتقدمة للعدو في ملاحقة المقاومين والرافضين للاحتلال بموجب التنسيق الأمني

فعلى مدى أعوام الحصار، عملت قوات الاحتلال على خنق قطاع غزة وتجويع شعبه لحملهم على تبنّي خيارات كبيرة وفي مقدمتها إنهاء حالة المقاومة المسلحة التي تواجهها هناك، لا سيما وأنّ ما تبقّى من فلسطين (أجزاء من الضفة الغربية والقدس بموجب إتفاق أوسلو المشؤوم) هو تحت السيطرة الإسرائيلية الفعلية على الرغم من وجود سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني والتي بدلاً من أن تعمل على إكمال بناء “الدولة” كما هو منصوص عليه بالإتفاق الأسود، كانت اليد المتقدمة للعدو في ملاحقة المقاومين والرافضين للاحتلال بموجب التنسيق الأمني، وبالتالي فالعقبة الرئيسية التي بقيت أمام سيطرة الاحتلال على كامل الأراضي الفلسطينية (وفقاً لرؤيته السياسية القائمة على التعدّي والتمادي) كان قطاع غزة ومقاومته.

لذلك، حاولت “إسرائيل” كسر القطاع من خلال شنّ أربعة حروب على غزة.. الأولى، “الرصاص المصبوب” في 27 كانون الأول/ديسمبر عام 2008، والثانية، “عامود السحاب” في الـ14 من تشرين الثاني/نوفمبر عام 2012 ، والثالثة “الجرف الصامد” في السابع من تموز/يوليو عام 2014، والتي زجّت “إسرائيل” فيها ترسانتها العسكرية الضخمة في سبيل كسر إرادة المقاومة وتدميرها، غير أنّه وفي كل جولة من جولات هذه الحروب كانت تخرج المقاومة أقوى و”أمضى من السيف” بعد أن يرضخ الكيان لشروط المقاومة ومطالبها، غير أنّ للحرب الرابعة التي اندلعت في 10 أيّار/مايو من عام 2021 والتي أطلق عليها العدو اسم “حارس الأسوار”، وسمّتها المقاومة “سيف القدس”، خصوصيتها ورؤيتها الإستراتيجية الهامة والرئيسية في تغيير واقع الصراع والمقاومة، فالمعركة الرابعة لم تندلع لسبب يتعلّق بغزة وحصارها، وإنّما جاءت رداً حازماً من المقاومة على اعتداء قوات الاحتلال على المسجد الأقصى وحي الشيخ جرّاح، الأمر الذي كرّس معادلة جديدة لم تكن ضمن مدارك العدو الإسرائيلي الذي لم يضعها في الحسبان.

المقاومة في القطاع المحاصر، باتت اليوم فاعلاً متقدماً في العمل الكفاحي الفلسطيني وأصبح قادة العدو ينتظرون ردة فعلها على الأحداث في الضفة والقدس وليس في غزة وحدها.

فالمقاومة في القطاع المحاصر، وبدلاً من أن تستكين لفكّ الحصار عنها وعن أهلها بعد 16 عاماً من الاستنزاف الإسرائيلي باتت اليوم فاعلاً متقدماً في العمل الكفاحي الفلسطيني وأصبح قادة العدو ينتظرون ردة فعلها على الأحداث في الضفة والقدس وليس في غزة وحدها. ولم تنجح سنوات الحصار الطويلة في تحجيم المقاومة بل وسّعتها، ما دفع قادة الاحتلال إلى اللهث والتلويح بورقة إعادة الإعمار علهّا تنتج إتفاقا جديداً يلملم خيبتها ويحفظ ماء وجهها، في الوقت الذي تحاول فيه السلطة  تعزيز فسادها برفض أي إعمار لغزة إلا من خلال مؤسسات قيادتها الغنية عن الوصف والتعبير في الأفعال والغايات!.

إنّ صمود قطاع غزة ومقاومته حوّلاه إلى قلعة حصينة متقدمة جامعة يلجأ إليها الفلسطينيون لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية ومشاريعها الإجرامية المستمرة للإستيلاء على ما ليس لها، وتحقيق حلمها الأبدي في إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين، ولا أدلّ على ذلك، إلا انتظار قادة الكيان ردة فعل المقاومة على أي اعتداء تفتعله في القدس أو الضفة الغربية، وتحجيم السلطة “المهترئة” بالمال.

إنّ تجربة غزة دليل بيّن على إبداع وإبتكار فنون البقاء، والصمود الفلسطيني الذي بدأت تلوح بشائره في الأفق من الشيخ جرّاح إلى جلبوغ إلى الإنتفاضة المقبلة وأبطال العمليات المنفردة، وصولاً للمدّ الشعبي وأزمة الاحتلال المالية والإقتصادية ومن خلفه السلطة الفاسدة، ولربما كان جزءاً منها شريكاً في حالة الإنقسام غير أنّها على ما يبدو ستكون الدافع الحقيقي للوحدة الفلسطينية بعد سنوات من توق الشعب الفلسطيني لاستعادة العمل النضالي الفاعل، وفشل سياسة الخنوع والترجّي التي انتهجتها السلطة في تحصيل الحقوق بل وزيادة الأطماع الإسرائيلية، الأمر الذي قد يشكّل فرصة حقيقية لظهور مشروع نضالي جديد يرمي أعباء سنوات الإتكال ويسير نحو تحرير الحقوق في إطار وطني جامع، توحّده الدماء والأرض والتاريخ والنخوة والوطنية.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,