“كاسر الأمواج” يتهشّم برصاصات مقاومي نابلس وجنين
يوليو 29, 2022 6:55 ص*أحمد الطناني – غزة:
منذ ما يقارب الـ100 يوم أطلقت حكومة الاحتلال عملية “كاسر الأمواج” كردٍّ على العمليات الفدائية التي نفّذها شبان فلسطينيون في عمق الكيان الصهيوني، وتصاعُد أعمال المقاومة المسلحة وتوسُّع خلاياها في الضفة المحتلة، وعلى نحو الخصوص في محافظتي جنين ونابلس.
ساقت حكومة الاحتلال، وبشكل خاص، رئيسها السابق نفتالي بينيت ووزير جيشه بيني غانتس العديد من الإنجازات الوهمية في الأسابيع الأولى لإطلاق العملية التي تستهدف خلايا المقاومة المسلحة، حيث ادّعى قادة الكيان تحقيق العملية نتائج جوهرية ونجاحها في العديد من المحطات.
بالمقابل، فإنّ معطيات الميدان والمشاهد التي تخرج من شوارع وأزقة المخيّمات والمدن والقرى في الضفة المحتلة تؤكد عكس ذلك، فلا يكاد يمر أي اقتحام لقوات الاحتلال لأية مدينة أو قرية أو مخيّم بدون تعرّضها لإطلاق النار من مقاومين فلسطينيين، وهذه الحالات لم تعد محصورة في كلٍّ من نابلس وجنين، بل تعدّتها لتصل إلى طولكرم، طوباس، رام الله، بيت لحم بمخيّماتها وقراها، وهو ما يؤكد بالفعل وليس بالقول أنّ الفعل المقاوم المسلح آخذ بالتوسع لا بالانحسار والتلاشي.
“كاسر الأمواج”: أهداف عملياتية ومعنوية
لخّص المختصّون الصهاينة طريقة تحقيق أهداف عملية “كاسر الأمواج” بثلاثة جهود حيوية: الجهد الأول والأساسي هو جهد الحراسة في نطاق المدن، والجهد الثاني حراسة خط التّماس والجدار، أما الجهد الثالث فهو عبارة عن نشاط هجومي مبادر إليه، موجه إستخباراتياً في عمق المنطقة، لإحباط “أعشاش الإرهاب” في المدن والقرى الفلسطينية.
في ما يعي جيش الاحتلال تماماً أنّ ظاهرة المقاومة والعمليات الفدائية ستكون محفّزاً للمزيد من الشبان للإلتحاق بها والاندفاع للإنخراط الكامل في أنشطة المقاومة المسلحة، وهو ما يستدعي وجوب كسر هذه السلسلة، والنيل من الروح المعنوية المتصاعدة لدى الجمهور الفلسطيني بفعل العمليات المسلحة، علاوة على الضرورة المُلحّة لـمنح الجمهور الصهيوني شعوراً بالأمان من خلال نقل المعركة من قلب المدن الإسرائيلية إلى داخل أراضي الضفة الغربية عبر العمليات العسكرية للجيش في أماكن نشاط المقاومين.
نخلص من السابق إلى أنّ حكومة الاحتلال ومستوياتها الأمنية والعسكرية قد أطلقت عملية “كاسر الأمواج”، والتي يأتي ضمنها كل النشاط الإستخباراتي لجيش الاحتلال في الضفة الغربية، بأهداف تحمل أبعاداً عملياتية تتكثّف بدرجة أساسية لاستئصال خلايا المقاومة في الضفة، وأهداف معنوية جوهرها رفع نسبة ثقة الجمهور الصهيوني بجيش الاحتلال، وتسجيل إنجازات لحكومة منهارة ذاهبة إلى انتخابات.
المقاومة تتصاعد، تتوسّع وتتطوّر
على المنحى الآخر، المشهد عند المقاومين مغاير تماماً ومع مضي الوقت أكثر فإنّ خلايا المقاومة آخذة بالتنظيم والتوسّع، فبعد أن كانت تتركز في مخيّم جنين والبلدة القديمة في نابلس، أصبحت اليوم تنتشر في كل قرى وقلب المدينة في جنين، وفي مخيّمات نابلس، إضافة لخلايا في طوباس وطولكرم وأعمال مقاوِمة في رام الله وبيت لحم والخليل.
اللافت أنّ خلايا المقاومة آخذة بالتنظيم بشكل أكبر، وتكتسب الخبرة في الميدان وتطوِّر تكتيكات عملها وفعلها، وباتت تنصب الكمائن وتنظّم انتشارها وتأمين عناصرها مستخلصة الدروس من تجربة العام المنصرم كاملا، بما فيها التعامل مع التحديات الناشئة عن النشاط الأمني والعملياتي المكثّف لجيش الاحتلال وقواته الخاصة.
هذا التطور لم يتوقف عند النشاط الدفاعي لخلايا المقاومة في مواقع انتشارها، بل توسّع ليشمل تكثيف المبادرات الهجومية. ومع تميّز متقدّم لمقاومي نابلس الذين ينفّذون عمليات مستمرة لإطلاق النار باتجاه نقاط تجمُّع جيش الاحتلال وحواجزه، إضافة لتحويل عملية اقتحام منطقة “قبر يوسف” إلى مهمة معقدة لجيش الاحتلال لتأمين قطعان المستوطنين، كان أبرزها الكمين الذي نُصب لهم من قِبل مقاومي نابلس وأسفر عن إصابة قائد القوة الصهيونية وانسحابها تحت النيران الكثيفة للمقاومين.
هذا الفعل المقاوم المتصاعد يتميز بتنوّع الخلفيات الحزبية لعناصرها الذين ينتمون لحركة فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، وبذات الوقت، بقوة تلاحمهم وتكاملهم والتنسيق العالي بين عناصرها بحيث أصبحوا كتيبة واحدة متنوعة الإنتماءات موحّدة الهدف والمصير.
توأم المقاومة تاريخياً
إنّ مشهد المقاومين وبسالتهم وإقدامهم في كلٍّ من مخيّم جنين والبلدة القديمة في نابلس يعيد للأذهان ذات المشهد في انتفاضة الأقصى، حيث شكّل كلٌّ من الموقعين العنوان الأبرز في احتضان المقاومين ومنطلقاً للإستشهاديين، ومُستقراً للقادة الميدانيين لخلايا المقاومة في الضفة المحتلة.
أكثر من 22% من إجمالي العمليات الإستشهادية في انتفاضة الأقصى إنطلق من من مدينتي نابلس وجنين، حيث كانت المحافظتان رأس حربة العمل المقاوم في الإنتفاضة، والقاعدة الأوسع للعمل الفدائي المسلح.
وإبّان معركة السور الواقي، كانت معارك الصمود الأكبر التي سطّر فيها المقاومون ملاحم خلّدها التاريخ في معارك مخيّم جنين والبلدة القديمة في نابلس والصمود الأسطوري فيهما الذي أعجز الاحتلال ولقّن جيشه دروساً في الصمود.
واليوم، يمثّل كلٌّ من مخيّم جنين والبلدة القديمة في نابلس القواعد الثابتة لمطاردي ومقاومي الضفة بدءاً من كتيبة جنين وليس انتهاء بعرين الأسود في البلدة القديمة، وأصبحا يشكّلان اليوم منارة لكل المقاومين وعنواناً لقيادة الفعل المقاوم وحاضنة لأبرز المطاردين، وهي مواقع لم يعد يستطيع جيش الاحتلال التعامل مع اقتحامها وكأنّه نزهة، بل نجح مقاوموها في تحويل كل عملية اقتحام إلى معركة يحسب الاحتلال حسابها.
“كاسر الأمواج” صفر كبير، والمقاومة في تقدّم
ما سبق من شواهد ميدانية وفعل متصاعد كان آخره الاقتحام الأخير للبلدة القديمة والإشتباك الذي خاضه مقاوموها مع جيش الاحتلال لمدة 3 ساعات، أعاد للأذهان صوراً غابت طويلاً عن شوارع الضفة، تؤكد اليوم أنّ المقاومين يتقدّمون بخطى ثابتة باتجاه تعزيز حضورهم المسلح وزيادة عدد الملتحقين في صفوفهم وقدرتهم على تأمين قادتهم الميدانيين، وتسجيل الفشل تلو الفشل في محاولات الاحتلال إغتيال أو إعتقال أبرز المطلوبين الذين تحوّلوا اليوم إلى رموز ملهِمة للعديد من الشبان، وحصلوا على احتضان واسع من المجتمع لها.
هذه الشواهد تقطع الشك باليقين بأنّ العملية الصهيونية “كاسر الأمواج” لم تحصد سوى “صفر” كبير، في ما تسجّل المقاومة تقدّماً وتطوراً ملموسيْن على صعيد امتداد البقع الجغرافية التي تنتشر فيها خلايا المقاومة، وعلى صعيد تطور فعلها وسلوكها وقدراتها، وهو ما يتطلب المراكمة عليه في إحياء جذوة الفعل المقاوم في باقي مدن الضفة، وتجاوز مرحلة الصمت السلبي والإجهاز على كل محاولات التدجين، بدءاً من الإنتصار للوعي المقاوم وصولاً إلى تعزيز فعل المقاومة.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
أحمد الطناني, أعشاش الإرهاب, إنتفاضة الأقصى, البلدة القديمة, الضفة الغربية المحتلة, العدو الصهيوني, العمليات الفدائية, المقاومة الفلسطينية, جنين, جيش الاحتلال, خط التماس, صمود, غزة, فلسطين المحتلة, قبر يوسف, كاسر الأمواج, نابلس, نفتالي بينيت