حظْر الوكالة اليهودية في روسيا يوقظ المخاوف الإسرائيلية بالزوال بعد شعورها “بالإهانة”

التصنيفات : |
أغسطس 1, 2022 7:39 ص

*بلال ديب

أظهر طلب وزارة العدل الروسية تصفية الفرع الروسي للوكالة اليهودية “سوخنوت” المعنية بقضايا الهجرة إلى “إسرائيل”، مدى ضيق صدر دول كبرى من الممارسات والأنشطة المشبوهة للوكالات والمنظمات الصهيونية المنتشرة في العالم والتي تمارس أدواراً واسعة في التجسس والعمليات القذرة والإغتيالات وغيرها، وصولاً إلى محاولة التأثير في القرار السياسي والعلاقات بين تلك الدول وزعزعة أمنها القومي والوطني.

الدور الذي تمارسه الحركة الصهيونية ليس خافياً على أجهزة تلك الدول غير أنّ خبث الأدوات التي تستخدمها تلك الحركات والمنظمات وارتباطها أحياناً بمفاصل سياسية يؤخر اتخاذ الإجراءات الإعتيادية بحقّها أو يؤجّلها لاعتبارات متشعبة، خصوصاً أنّ -الحركة الصهيونية- كانت ماهرة في الضغط على الدول والحكومات لتتقبّل وجود ذلك النشاط الخبيث بالترغيب أو بالترهيب، إلا أنّها وصلت إلى مرحلة من التطاول لم تعد مقبولة في الكثير من بقاع العالم.

فالوكالة اليهودية تواجه اليوم تهمة انتهاك القانون الروسي بعد العديد من الفضائح التي تكشّفت حول انتهاك تلك المنظمات لأدوارها المعلنة، وهو ما حصل حتى مع أكبر حلفائها مثل الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية.

وعلى الرغم من أنّ الحرب الروسية – الأوكرانية التي تُعتبر المحرك الرئيسي للتوجّه الروسي الجديد، إلا أنّ الإجراء الروسي يشكّل في الوقت نفسه خطوة متقدمة وتنبيه للنشاط الخطير الذي لعبته الوكالة الصهيونية عبر تاريخها الأسود

وعلى الرغم من أنّ الحرب الروسية – الأوكرانية التي تُعتبر المحرك الرئيسي للتوجّه الروسي الجديد، إلا أنّ الإجراء الروسي يشكّل في الوقت نفسه خطوة متقدمة وتنبيه للنشاط الخطير الذي لعبته الوكالة الصهيونية عبر تاريخها الأسود، فلطالما كانت “الوكالة اليهودية لأجل إسرائيل” إحدى الأذرع الرئيسية في ما يُسمّى بالـ”ترانسفير” واستجلاب شذاذ الآفاق من الصهاينة لنقلهم إلى فلسطين وإحلالهم مكان أصحاب الأرض، خصوصاً أنّها عملت بوصفها فرعاً لعمليات المنظمة الصهيونية في فلسطين منذ الاحتلال العثماني، وقامت بمهمة تمثيل اليهود أمام السلطان العثماني والسلطات الأجنبية الأخرى ولعبت الدور الرئيس في شراء الأراضي لليهود بمساعدة الصندوق القومي اليهودي لدعمهم على الإستيطان.

“الوكالة اليهودية لأجل إسرائيل”

وتحوّلت (الوكالة) إلى ذراع الحركة الصهيونية التنفيذي في العام 1948، بإسمها الجديد “الوكالة اليهودية لأجل إسرائيل” لتقوم بمهام جمع الإعانات القومية اليهودية والحصول على وعد بلفور من الحكومة البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى وحلّ مشاكل الإستيطان، والدعاية، وجمع الأموال، وتثقيف اليهود خارج “إسرائيل” بالأهداف الصهيونية.

حدّد المؤتمر الصهيوني السادس عشر أهداف الوكالة اليهودية في تطوير حجم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بصورة متزايدة، وشراء الأراضي في فلسطين كملكية يهودية عامة، وتشجيع الإستيطان الزراعي المبني على العمل اليهودي، ونشر اللغة والتراث العبري في فلسطين

كما حدّد المؤتمر الصهيوني السادس عشر أهداف الوكالة اليهودية في تطوير حجم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بصورة متزايدة، وشراء الأراضي في فلسطين كملكية يهودية عامة، وتشجيع الإستيطان الزراعي المبني على العمل اليهودي، ونشر اللغة والتراث العبري في فلسطين.

إنّ شعور الإهانة “الإسرائيلي” الذي يتنامى من الخطوة الروسية يجعل مسؤوليها فارغي الكفين ولا يمتلكون أدوات المناورة اليوم، خصوصاً أنّ القرار الروسي ينطلق من معايير الأمن القومي وتشكيل جديد لمحاور العالم ومنها علاقة روسيا مع إيران وسوريا وغيرها من دول المنطقة، وهو ما عبّر عنه ما يُسمّى بوزير الشتات الإسرائيلي نحمان شايفي في حديث لإذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن شعور الإهانة الذي تعانيه “إسرائيل” خاصة أنّ ذلك يأتي بعد اتهام وزير خارجية روسيا الإتحادية سيرغي لافروف لـ”إسرائيل” بدعم النازيين الجدد في أوكرانيا، وهي الخطوة التي على الرغم من تخطّيها كأزمة سياسية غير أنّها تؤكد أنّ القرار الروسي الجديد ليس وليد اللحظة أو رد فعل على موقف محدد وإنّما يشكّل صحوة وبُعداً إستراتيجياً حول التحالفات الجديدة والنظرة إلى الكيان.

حالة الصدمة التي تواجه الكيان الإسرائيلي، عبر ما يظهر من تصريحات للمسؤولين في الإعلام هناك، واضحة خصوصاً وأنّ الاحتلال تعوّد على “تسليك” أموره بالكذب والتدليس والصفقات الرخيصة إلى أن قادته رعونته إلى تجاوز الخطوط الحمراء بسبب قراءته الضحلة للواقع السياسي العالمي الجديد.

شيطنة روسيا

رعونة “إسرائيل” دفعتها إلى التوغّل في الوحل الأوكراني عبر إرسال المرتزقة من الجنود والضباط الإسرائيليين إلى أوكرانيا والذين تمّ القبض على بعضهم من قِبل القوات الروسية، واستمرار الحملات الإعلامية والبروباغندا التي يبرع فيها الصهاينة لشيطنة روسيا وقيادتها ما زاد من تدهور العلاقات مع روسيا.

وشهدت سياسات الدول العربية وأمريكا وروسيا والكيان الصهيوني تحولات تستند إلى الحراكين الأمريكي والروسي تجاه دول المنطقة، فالاعتداءات المتواصلة على الأراضي السورية والعداء لإيران يحظيان بتأييد أمريكي وخليجي، خلافاً للموقف الروسي الذي يتجاهله الصهاينة ما يضع الأنشطة الإسرائيلية في خانة المعادية، والخطيرة على المصالح الروسية لتنزلق العلاقة بين الطرفين إلى أسوأ حالاتها.

علاقة روسيا بإيران وسوريا وحلف المقاومة إجمالاً ترعب الكيان الصهيوني من توجّه روسي بمنح الضوء الأخضر لتلك الدول لصدّ الإعتداءات إن لم يكن الرد عليها، خصوصاً مع ترسانتها العسكرية المتقدمة القادرة على تغيير المعايير في حال قرارها بذلك

ذُعر الكيان الإسرائيلي من الخطوة الروسية تجاه الوكالة اليهودية هو لمعرفتها الدقيقة بأنّ (الخطوة) لن تكون مفصولة عن سياقات واسعة وأنّه سيتم توسيعها لتشمل إجراءات مشابهة على صعد مختلفة، وصولاً للتأثير الواسع على الاستراتيجية الإسرائيلية في توسيع الهجرة اليهودية من روسيا وشركائها الدوليين.

فالتأثير الدولي على الكيان الصهيوني لن يبقى محدوداً مع توجّهات المحاور الجديدة ووجود دول صديقة لروسيا في مجلس الأمن في ما عدا تأثير روسيا نفسها في المحافل الدولية وقدرتها على فرض توجهها ما سيضعف الموقف الصهيوني، ويزيد من فضح ممارساته أمام المجتمع الدولي، وإشغال “إسرائيل” في مشروعات قرارات دولية، إن تمّت المصادقة عليها أم لا، غير أنّها ستكون دائماً كما تستحقّ في موقف اللص المتَّهم كما يليق بها، وهي التي حاولت عبر أدواتها الدعائية تبييض أوساخها وتنظيف أعمال مرتزقتها.

علاقة روسيا بإيران وسوريا وحلف المقاومة إجمالاً ترعب الكيان الصهيوني من توجّه روسي بمنح الضوء الأخضر لتلك الدول لصدّ الإعتداءات إن لم يكن الرد عليها، خصوصاً مع ترسانتها العسكرية المتقدمة القادرة على تغيير المعايير في حال قرارها بذلك، ومنح التغطية السياسية اللازمة لأي عمل تريده والذي يبدو أنّ محور المقاومة توّاق إلى تلك اللحظة ويتعاطى الصبر الإستراتيجي وربما يتحوّل الشعور بالإهانة في “إسرائيل” إلى شعور بخطر الزوال.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,