المقاومة تُحرّك ملف الجنود الأسرى دون معلومات مجانية
أغسطس 2, 2022 6:49 ص*أحمد الطناني – غزة:
إختارت كتائب الشهيد عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس الذكرى السنوية الثامنة للعدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة في العام 2014 لتُعلن تحت عنوان “سُمح بالنشر” عن استشهاد أحد مقاومي (وحدة الظل) في الكتائب وإصابة ثلاثة آخرين أثناء حراستهم (لأحد الجندييْن) اللذين أسرتهما “القسّام”.
إختارت الكتائب تزامن الإعلان بشكل دقيق مع ذكرى المعركة التي أُسر خلالها الملازم بلواء النخبة في جيش الاحتلال “جفعاتي” (هدار جولدين) شرق رفح جنوب قطاع غزة، حيث جاء إعلان “القسّام” قبل يومين من بدء فعالية كبرى تنظّمها عائلة (جولدين) إنطلاقاًمن مستوطنة كفار سابا، وصولاً للحدود مع قطاع غزة (مسافة 100 كيلو متر).
حرّكت “القسّام” بإعلانها ملف الجنود الأسرى من جديد، وأعطت إشارات ضمنية حول المصير الممكن للجندييْن أو أحدهما على أضعف تقدير، دون أن تقدّم أي معلومات مجانية، في التزامٍ منها بالمحدّدات التي أعلنتها منذ أسر الجندييْن، وأبرزها يتمثل في أنّ أي عملية للتفاوض تستوجب إطلاق سراح معتقلي صفقة شاليط، والمعلومات يقابلها إطلاق سراح أسرى في ما يُصطلح على تسميته بـ”صفقة معلومات”.
السرية والضغوط على الجبهة الداخلية
في واقع الأمر، فإنّ قيادة المقاومة يقع على عاتقها ضغط كبير يتمثّل بملف الأسرى المؤرق والحاضر دائماً لما يمثّله من جرح نازف للآلاف من القابعين خلف زنازين الإرهاب الصهيوني، وسط محاولة من الاحتلال لقتل ملف الجنود الأسرى بالتقادم حتى لا يضطر الكيان إلى دفع ثمن كبير (أمنيا) من حيث عدد الأسرى المحررين من جانب، و(سياسيا) على أي رئيس حكومة أن يمتلك الجرأة لتوقيع صفقة وسط المعارضة الواسعة من غالبية المكونات السياسية الصهيونية، وسط مشهد سياسي معقّد مليء بالمزاودات الإنتخابية وحالة عدم الإستقرار الحكومي منذ أكثر من 5 سنوات.
تعي المقاومة تماماً أنّ أي حكومة صهيونية لن تجرؤ على الذهاب إلى صفقة تبادل للأسرى وفق معايير ومطالب المقاومة دون أن يكون هناك ضغط حقيقي في الجبهة الداخلية للاحتلال من أجل إنهاء ملف الجنود الأسرى. ولا يمكن تحريك هذه الساحة دون مبادرة من ذوي الجنود المأسورين لدى المقاومة.
بناءً على ذلك، تريد المقاومة تحريك هذه الساحة وإرسال إشارات لذوي الجنود دون أن تضطر إلى تقديم تنازل عن المعايير وفي مقدمتها عدم وجود أي معلومة مجانية حول مصير الجنود الأسرى، وهو ما حذا بها للبحث عن أفكار إبداعية تُحرك هذا الملف دون الإفصاح الحقيقي عن معلومات جوهرية بهذا الخصوص، وكان آخرها الإعلان الأخير.
منذ إعلان الاحتلال عن فقده لجندييْن في معارك بقطاع غزة، عمد إلى اتخاذ إستراتيجية تُعفيه من المسؤولية الأخلاقية والضغط الداخلي حيث أعلن منذ البداية أنّ كلا الجندييْن هما قتيلان وأنّ المقاومة تحتفظ بـ”جثتي” الجندييْن، نافية أي احتمال أن يكونا على قيد الحياة، وهو ما ساهم في تسكين ذويهما طوال السنوات السابقة.
تمسّكت حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ الـ2014 بالرواية الرسمية حول كون الجنود الأسرى عبارة عن “جثث” وأنّهم قُتلوا خلال المعارك في القطاع، وتمسّكوا بسياسة قتل وتهميش الملف في ضوء تمسّك قيادة المقاومة بعدم الإفصاح عن أي معلومات مجانية، وعدم قبول خفض سقف التفاوض والقبول بصفقات لا تلائم طموحات الشعب الفلسطيني والأسرى وذويهم.
من المهم الأخذ بعين الإعتبار أنّ قيادة المقاومة تمكنت في السابق من انتزاع صفقة مشرّفة مقابل الجندي المأسور سابقاً لدى المقاومة (جلعاد شاليط)، بعد جولات متعددة من التفاوض الذي حاولت فيه حكومة الاحتلال والوسطاء تقديم بدائل حياتية ومعيشية وإقتصادية مقابل خفض سقف الصفقة من حيث عدد الأسرى المُطلق سراحهم، وفي مقدمتهم أسرى المؤبدات الذين يُطلق عليهم الاحتلال مصطلح “الملطخة أيديهم بالدماء”، إلا أنّ إدارة ملف التفاوض بعقل بارد وإصرار ساهم في إخراج صفقة مشرّفة، كانت من ضمنها صفقة معلومات حول مصير (شاليط) عُرفت بإسم صفقة “الشريط” والتي أُطلق خلالها سراح الأسيرات مقابل شريط مصور حديثاً للجندي المأسور لدى المقاومة في حينه.
الآن، وبعد مرور 8 سنوات على أسر جنديي النخبة في جيش الاحتلال (شاؤول آرون) و (هدار جولدين) أطلّت كتائب القسّام بالإعلان الجديد، الذي حاولت الرقابة الصهيونية على وسائل الإعلام العبرية فرض عدم تسليط الضوء عليه، لكن من الواضح أنّه وجد طريقه لعائلة (جولدين) التي تُنظّم نشاطاً كبيراً لإعادة إحياء ملف الجنود الأسرى.
شنّ والد الجندي (هدار جولدين) هجوماً لاذعاً على حكومة الاحتلال وقيادة الجيش متهماً إياهم بالتقصير في ملف إعادة الجنود المفقودين إلى ذويهم، داعياً العائلات “الإسرائيلية” إلى الخشية على أبنائهم الذين قد يتم إرسالهم إلى القتال في غزة لأنّ حكومة الاحتلال لن تعمل على إعادتهم إذا حدث لهم شيء.
كان اللافت، تصريحات (سميحا جولدين) والد الجندي الأسير لدى المقاومة، إذ أفصح فيها عن معلومات تحمل في مضمونها تعبيرات حول تكذيب رواية الجيش وحكومة الاحتلال بأنّ الجندي (هدار) قد قُتل خلافاً لما أُشيع عن عملية خطفه من قِبل المقاومين في القطاع، حيث يوضح أنّ قادة الجيش كانوا يعرفون أنّ ابنه مصاب وموجود في مستشفى بالقطاع، إلا أنّ الجيش لم يخاطر بدخول المستشفى.
“جنود حماس لا يحرسون جثث قتلى”
إستخدم والد (جولدين) مصطلح “الجندي المُصاب” في أكثر من موضع في مقابلته مع (القناة 14) العبرية، حيث أضاف: “إنّ من يعتقد في قيادة “إسرائيل” أنّني لا أعرف الحقيقة فهو مخطئ، يبدو أنّ هناك قراراً أجمع عليه قادة هيئة الأركان بعدم جلب (المُصابين) من الجنود خلال القتال في ميدان المعركة”.
إستعمال عائلة (جولدن) مصطلح “المُصاب” و”إعادة إبننا إلى البلاد”، بعد أن كان جلّ خطابهم سابقاً يعتمد على رواية أنّ ابنهم قد قُتل وأنّ المطلوب إستعادة جثامنه لدفنه، هو تطور مهم إلى جانب تطور خطابهم ونقدهم للحكومة وقادة الجيش بشكل لاذع للتقصير في ملف الجنود الأسرى وتوجهّهم لتنفيذ أنشطة وفعاليات جماهيرية بهدف الضغط من أجل تفعيل الملف.
هذا الحراك الذي تديره عائلة الجندي (جولدين) يُعيد للأذهان الحراك الصاخب الذي نفّذته عائلة الجندي (جلعاد شاليط) من أجل الضغط لإجراء صفقة تبادل مع المقاومة واستعادة إبنهم، وهو ما ساهم في دفع وإنجاز صفقة التبادل “وفاء الأحرار” المعروفة بصفقة “شاليط”.
إذا، يبدو أنّ رسالة المقاومة قد وصلت في وقتها، وجاءت بناءً على تقدير دقيق للموعد والمحتوى دون أن تقدّم معلومات مجانية حقيقية والإكتفاء بما عبّر عنه الصحافي الصهيوني (يوسي يهوشع) بأنّ “جنود حماس لا يحرسون جثث قتلى” في إشارة لمصير الجنود المأسورين لدى المقاومة، وهو ما يؤشر بأنّ ملف التبادل عاد إلى الواجهة، وستشهد الساحة الداخلية لدى الاحتلال تحركات على صعيد تفعيل الضغط على حكومة الاحتلال من أجل إيلائه الإهتمام اللازم.
بطبيعة الحال، تعي قيادة المقاومة أنّ حكومة تسيير أعمال ليست مخوّلة بإنجاز صفقة تبادل كبيرة، إلا أنّها تعي أيضاً أنّ تصاعد حالة الضغط الداخلي من قِبل عائلات الجنود قبل وخلال الإنتخابات القادمة للكنسيت الصهيوني سيساهم في وضع عنوان الجنود الأسرى على أجندة الأحزاب المتنافسة ودعايتهم الإنتخابية وبرامجهم المستقبلية، مما يمهّد الطريق لعودة ملف التبادل إلى الواجهة في الفترة القادمة.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
أحمد الطناني, الشعب الفلسطيني, العدو الصهيوني, الكنيست الصهيوني, المقاومة الفلسطينية, حكومة الاحتلال, شاؤول آرون, صفقة التبادل, صفقة شاليط, صمود, عائلات الأسرى, فلسطين المحتلة, قطاع غزة, كتائب القسّام, هدار جولدين